صفحة الكاتب : د . شامل محسن هادي مباركه

السوداني بين الوصايا الأممية والأمريكية 
د . شامل محسن هادي مباركه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


كثُرت التحليلات عن طلب دولة رئيس مجلس الوزراء، السيد محمد شياع السوداني من الأمم المتحدة إنهاء تفويض بعثة يونامي في العراق. البعض أثنى على هذه الخطوة، و آخرون حذروا من مغبة إنهاء عمل يونامي بحلول آيار عام ٢٠٢٥.

خفِيت كواليس طلب السيد السوداني عن المشهد السياسي، حيث يدفع الإطار التنسيقي، الحاضنة الشرعية للسوداني، باتجاه إنهاء عمل يونامي في العراق، بحجة حلول السلام و استقرار الأمن في بلاد الرافدين، فقد حدد الطلب إغلاق أقسام الانتخابات والشأن السياسي و حقوق الإنسان في بعثة يونامي، مع بقاء المنسق المقيم لعمل الأمم المتحدة في العراق.

تم تشكيل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في عام ٢٠٠٣ بموجب قرار مجلس الأمن ١٥٠٠، بناءً على طلب العراق. توسعَ عمل البعثة بشكل كبير في ٢٠٠٧ بموجب قرار مجلس الأمن ١٧٧٠، حيث منحت يونامي الأولوية في تقديم المشورة والدعم لحكومة بغداد، من خلال تعزيز الحوار السياسي والمصالحة الوطنية، والمساعدة في إجراء الانتخابات التشريعية، علاوة على الحوار الأقليمي بين بغداد ودول الجوار.

كان لبعثة يونامي الفضل الكبير في تحشيد دول العالم ضد الأرهاب الذي ضرب العراق بقسوة، حيث كانت القناةَ الدوليةَ التي تنقل الصورة الحقيقية عن العراق الممزق، كاد للعراق أن يُقضى على نظامه السياسي الجديد. كما كانت يونامي الناقد الأممي في تفشي الفساد، فلم تنفكْ السيدة جنين بلاسخارت من أعطاء صورة واضحة لمجلس الأمن عن الفساد في العراق و ترهل مؤسسات الدولة، وابتلاعها من قبل الاحزاب الحاكمة.

قد يكون إنهاء عمل يونامي لسببين:

١- إستمرار انتقاد السيدة بلاسخارت للحكومات منذ توليها منصبها في ١٧ كانون الاول ٢٠١٨، وتشخيصها للواقع العراقي المؤلم في انتشار الفساد و المحسوبية وانهيار مؤسساته، مع ضعف الخدمات. كان لها أثر كبير في أطلاع المجتمع الدولي عن الإخفاقات في إدارة الدولة، حيث قالت في ملف سرقة القرن "يمثل الفساد المستشري سبباً جذرياً رئيساً للاختلال الوظيفي في العراق".

٢- إرادة أمريكية في مصادرة واشنطن القرار العراقي، وابتلاع سيادته، بعد أن كان هناك تزاحم بين إيجاد حلول أممية للمشاكل العالقة في العراق، وبين تفرّد السيطرة الأمريكية على العراق، وهذا ما وجدته واشنطن في شخص السيد السوداني و إطاره التنسيقي، ليُعطي الأفضلية للولايات المتحدة في إحتلال العراق دبلوماسياً من جديد. أكّدَ القيادي في حزب الدعوة، جاسم محمد جعفر، تشجيع دولة القانون السيد السوداني لزيارة واشنطن والتي تحققت قبل خمسة اسابيع تقريباً، فلا ترغب دولة القانون أن تتكرر صورة السيد عادل عبدالمهدي مع السيد السوداني.

الوصايا الأممية تكون بالتصويت بالإجماع في مجلس الأمن، و تصّبُ في مصلحة العراق بالمجمل، أما الوصايا الأمريكية فهي إستعمار بحلّةٍ جديدةٍ. قد تكون عدد لقاءات السفيرة الأمريكية، ألينا رومانوفسكي، بالسيد السوداني أكثرها منذ الحكومة الأولى، و جلوسها مع أغلب وزراء العراق في حكومة السوداني دليلٌ واضحٌ على تدخل السفارة في الشأن السياسي العام، و إضعاف للدولة.

 كان الأولى بالسيد السوداني مطالبة المجرم بايدن بإنهاء الوصايا الأمريكية على العراق في زيارته الأخيرة إلى البيت الأبيض.

قد يُشكل البعض لما نراه، إنهاء الوصايا الأمريكية على العراق سيعرّض أموال العراق في الخزانة الأمريكية إلى تهديد من دائني العراق !!!

ذكر وزير المالية السابق، السيد علي علاوي، في كتابه "احتلال العراق : ربح الحرب، وخسارة السلام"، 
‏(The Occupation of Iraq: Winning The War, Losing The Peace)، أن السعودية والكويت تطالبان العراق بتعويضات عن حرب الخليج الأولى ١٩٩١ مبلغ ٤٠ مليار دولار، كما تطالب السعودية مبلغ ٤٠ مليار دولار أخرى عن دعمها العسكري للنظام الدكتاتوري صدام حسين في حرب العراق مع الجمهورية الإسلامية في إيران. 

لم تتخذ الحكومات المتعاقبة آلية لحل مشاكل العراق الخارجية، فكان ترحيل المشاكل العالقة إلى الحكومات اللاحقة هي السمة الوحيدة للهروب للامام، ومنها ملف دائني العراق. مع ذروة التغيير السياسي في العراق، واهتمام الدولة الدائنة للعراق، وخاصة في مؤتمر الكويت لإعمار العراق في شباط ٢٠١٨، كانت هناك فرصة كبيرة لانهاء ملف الديْن. كما أن غياب الرؤية الاقتصادية، وفقدان المصلحة العليا للعراق عند السياسين حال دون الاستفادة من تعاطف الدول الدائنة للعراق، وإنهاء ملف الدين. سيبقى العراق تحت الوصايا الأمريكية لعقود من الزمن حتى يتم الانتهاء من الدين الخارجي.

صوّرت سردية الإطار التنسيقي يونامي كالعصى الأممية في عجلة التطور في العراق، كما ساهمت الولايات المتحدة في سحب بساط مجلس الامن لتضمّ العراق إلى "نادي المتضررين"، وتكون الراعي الغير شرعي للدفاع عن مصالحه العليا. جميع تحركات السيد السوداني، ومن خلفه الإطار التنسيقي، تصب في خانة البحث عن التجديد لولاية ثانية، فإذا ما أستمر في تقديم تنازلات على حساب مصالح البلد العليا، ستكون الولاية الثانية حتمية له.

حضور المجتمع الدولي المتمثل بمجلس الأمن و بعثة يونامي في بلد غير مستقر كالعراق ضرورة ملحة، وهذا ما أكده سيد النجف، آية الله العظمى السيستاني، دام ظله، في رسالته إلى الأمين العام للامم المتحدة بعد إغتيال رئيس بعثة الامم المتحدة السيد سرجيو دي ميلو في ١٩ آب ٢٠٠٣، حيث جاء فيها: ونحن إذ نستنكر هذا العمل الاجرامي ونشيد بالفقيد الذي استقرأنا من خلال زيارته لنا حرص الأمم المتحدة على الوقوف إلى جانب العراق في محنته الراهنة، لنأمل أن لا يعيق هذا الحادث المؤسف جهود المنظمة الدولية في مساعدة الشعب العراقي في هذا الظرف العصيب، بل نأمل أن تتولى دوراً مركزياً في إقامة الأمن والاستقرار في العراق خلال المرحلة الانتقالية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . شامل محسن هادي مباركه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/05/16



كتابة تعليق لموضوع : السوداني بين الوصايا الأممية والأمريكية 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net