مفهوم الزنا في القرآن الكريم (الزنى، الزاني، الزانية، يزنون، يزنين) (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن كلمة الزنا ومشتقاتها "الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" ﴿النور 3﴾ الزَّانِي: ال اداة تعريف، زَّانِي اسم. الزاني لا يرضى إلا بنكاح زانية أو مشركة لا تُقِرُّ بحرمة الزنى، والزانية لا ترضى إلا بنكاح زان أو مشرك لا يُقِرُّ بحرمة الزنى، أما العفيفون والعفيفات فإنهم لا يرضون بذلك، وحُرِّم ذلك النكاح على المؤمنين. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب. قوله سبحانه "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ" ﴿النور 2﴾ الزَّانِيَةُ: ال اداة تعريف، زَّانِيَةُ اسم. الزانية والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج، عقوبةُ كل منهما مائة جلدة بالسوط، وثبت في السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام. ولا تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها، إن كنتم مصدقين بالله واليوم الآخر عاملين بأحكام الإسلام، وليحضر العقوبةَ عدد من المؤمنين، تشنيعًا وزجرًا وعظة واعتبارًا.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا" ﴿الفرقان 68﴾ وحول فلسفة تحريم الزنا، قدمنا بحثاً مفصلا في ذيل الآية (33) سورة الإسراء. ومن الملفت للنظر في الآية أعلاه، أنها بحثت أولا في مسألة الشرك، ثمّ قتل النفس، ثمّ الزنا، ويستفاد من بعض الرّوايات أن هذه الذنوب الثلاثة تكون من حيث الأهمية بحسب الترتيب الذي أوردته الآية. ينقل ابن مسعود عن النّبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) قال: قلت: ثمّ أَيُّ؟ قال: (أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك) قال: قلت: ثمّ أيُّ ؟ قال: (أن تزاني حليلة جارك) فأنزل الله تصديقها. وبالرغم من أن الكلام في هذا الحديث، ورد عن نوع خاص من القتل والزنا، لكن مع الإنتباه إلى إطلاق مفهوم الآية يتجلى أنّ هذا الحكم يشمل جميع أنواع القتل والزنا، وما في الرّواية مصداق أوضحٌ لهما. ترك التلوّث بالزنا، إذ المعروف تأريخياً أنّ الإنحراف عن جادّة العفّة كان كثيراً في عصر الجاهلية. إنّ الكلام هنا عن الخلود في العذاب، في حين أنّ الخلود هنا مرتبط بالكفار فقط. والذنب الأوّل من هذه الذنوب الثلاثة التي ذكرت في الآية يكون كفراً، فقط، وأمّا قتل النفس والزنا فليسا سبباً للخلود في العذاب. بحث المفسّرون كثيراً في الإجابة على السؤال الأول، وأصح ما أوردوه هو أن المقصود من مضاعفة العذاب أن كل ذنب من هذه الذنوب الثلاثة المذكورة في هذه الآية سيكون له عقاب منفصل، فتكون العقوبات بمجموعها عذاباً مضاعفاً. فضلا عن أنّ ذنباً ما يكون أحياناً مصدر الذنوب الأُخرى، مثل الكفر الذي يسبب ترك الواجبات وارتكاب المحرمات، وهذا نفسه موجب لمضاعفة العذاب الإلهي.
من المحرمات في الشريعة الاسلامية للمرجع الأعلى السيد علي السيستاني: قذف المحصن والمحصنة، وهو رميهما بارتكاب الفاحشة كالزناء من دون بينة عليه. قال الله تعالى "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ" (النور 4)، و "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا" (النور 23). القيادة وهي السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المحرّم من الزنا واللواط والسحق "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" (الاعراف 33)، و "وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا" (النور 33). الزنا واللواط والسحق والاستمناء وجميع الاستمتاعات الجنسية مع غير الزوج أو الزوجة حتى النظر واللمس والاستماع بشهوة.
جاء في كتاب بحوث في تاريخ القرآن عن النسخ في الآية (3) من سورة النور للمؤلف السيد مير محمدي زرندي: قوله تعالى "الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" (النور 3). قال في الإتقان: قوله تعالى "الزاني لا "ينكح إلا زانية" الخ منسوخ بقوله "وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ" (النور 32). وقال العتائقي: إن الآية نسخت بقوله "وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ" وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ". ثم قال: وفيه نظر. وقال الزرقاني: إنها منسوخة بقوله "وأنكحوا" الخ لأن الآية خبر بمعنى النهي. ونقل الجصاص عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة بالآية بعدها، وكان يقال: هي من أيامى المسلمين. وفي قبال هؤلاء من يقول بعدم النسخ، فمنهم: 1 - الإمام الخوئي، حيث قال في جملة كلام له: إن الآية غير منسوخة، فإن النسخ فيها يتوقف على أن يكون المراد من لفظ النكاح هو التزويج، ولا دليل يثبت ذلك. على أن ذلك يستلزم القول بإباحة نكاح المسلم الزاني المشركة، وبإباحة نكاح المشركة المسلمة الزانية، وهذا مناف لظاهر الكتاب العزيز، ولما ثبت من سيرة المسلمين. والظاهر أن المراد من النكاح الوطي الخ. 2 - ما عن الضحاك وابن زيد وسعيد بن جبير وإحدى الروايتين عن ابن عباس، فيكون نظير قوله "الخبيثات للخبيثين "في أنه خرج مخرج الأغلب الأعم. وكيف كان، فإن البحث يقع في أمرين: الأول: في حرمة زواج الزاني من المؤمنات، وحرمة زواج الزانيات من المؤمنين. وإنما يتزوج الزاني الزانية وبالعكس. الثاني: في جواز زواج المسلم من المشركة، والمسلمة من المشرك. أما الأول فقد يقال: إن الآية قد نسخت بقوله تعالى "وأنكحوا الأيامى منكم" لعموم الأيامى للزاني والزانية، فيجوز إنكاحهما، لدخولهم في موضوع الأمر. وأجيب بأن آية إنكاح الأيامى تعم الزناة وغيرهم، وتلك الآية خاصة بالزناة، والخاص لا ينسخ بالعام، بل يخصص العام به، كما هو مقرر في علم الأصول من تقدم التخصيص على النسخ، لكثرة التخصيص وقلة النسخ. هذا بالإضافة إلى أن الأخبار قد دلت على بقاء الحكم وعدم النسخ، وأنه لا يجوز تزوج المرأة المعلنة بالزنا، وكذا الرجل المعلن به إلا أن تعرف توبتهما.
قال الامام السجاد عليه السلام: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة. وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فكونوا من الزاهدين في الدنيا، والراغبين في الآخرة، لان الزاهدين اتخذوا أرض الله بساطا، والتراب فراشا، والمدر وسادا، والماء طيبا، وقرضوا المعاش من الدنيا تقريضا. اعلموا أنه من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات وسلا عن الشهوات ومن أشفق من النار بادر بالتوبة إلى الله من ذنوبه، وراجع عن المحارم).
جاء في موقع عربي عن الدولة في القرآن. قراءة دلالية في ثنائية القرية والمدينة للكاتب محمد الرحموني: الله هو مهندس المدن وهو الذي وفّر لأنبيائه أدوات الحضارة لبنائها وتعميرها. وكل تعاليم القرآن إنما هي موجهة إلى كيفية تنظيم حياة حضرية ينتقل بفضلها الإنسان من حياة البداوة إلى حياة المدينة. لنذكر في هذا المجال أن الكثير من تعاليم القرآن ورسوله تعلّم الداخلين في الدين الجديد كيف يطرقون الأبواب ويحترمون الجيران وينظفون أجسادهم ويربون أطفالهم. وهي كلها قيم حضرية. هذا هو الله في القرآن، باني مدن ومشيّد حضارات. وتبدو المدينة في القرآن صورة منه حتى لكأنه حلّ فيها. وليس في الأمر عجب فأشهر مدن العالم القديم سميت باسم الآلهة شأن أثينا وباريس وبيروت وروما..الخ. إنّ من أسماء الله النور وهو الاسم الذي أطلقه المسلمون على واحدة من أواخر السور التي نزلت في المدينة. إنّ اسم السورة وغرضها الرئيسي (أحكام معاشرة الرجال للنساء، وآداب الخلطة والزيارة) يجعلان منها سورة مدنية لا بسبب نزولها بالمدينة بل لأنها تتحدث عن المدينة التي حلّ فيها الله: تبدأ السورة بذكر أبسط العلاقات التي تجمع رجلا وامرأة برباط غير شرعي "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" (الآية 2). ثم تتسع الإضاءة لتشمل كل شخصين يتهمان بالزنا ولتمتد إلى المسكوت عنه في الحياة العامة وتستهجن الإشاعة التي هي ملازمة لحياة المدينة: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (الآية 4). وتستمر الزاوية في الاتساع لتشمل جميع الأزواج ذوي الروابط الشرعية. ثم يتدرج النور ليبرز بيوت المدينة وما يتصل بها من سلوك حضري: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الآية 27).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat