ما بين طوفان الأقصى والوعد الصادق
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

لم تكن رعاية وعناية إيران بحركات المقاومة، سوى مقدّمة لمشروع ثوريّ إسلامي أصيل، كان الإمام الخميني دعا إلى العمل عليه، بكافة الطرق والأساليب المادية والمعنوية، من أجل تخليص فلسطين والقدس من براثن غدّة سرطانية، ما كان لها أن تبقى على الأرض محتلة مجرمة، لو كان هناك حق وعدل دولي ينصف الشعب الفلسطيني، ووعي شعبي تُدرك به الشعوب الإسلامية حجم وخطر المؤامرة، وهي محكومة بأنظمة عميلة للدول الغربية الإستعمارية، زادت في ضياع القضية من بين أيديها.
تلك الدعوة الصادقة حرّكت نفوسا أبيّة في الأمّة الإسلامية، فبادرت إلى الأخذ بزمام قضيتهم العادلة، وانكبّوا عليها عملا جهاديا مباركا انطلق من عقاله، ونما في ظلّ نظام إسلامي ايراني، أخذ على عاتقه رعاية حركاته المقاوِمة، ومدّها بما يلزمها من إمكانيات، مُساعِدة على الوقوف في وجه عدوّ محتل، لا يملك ذرّة من قِيَمٍ، تمنعه عن ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، وقد أثبت هذا العدوّ بأنّه لا يفهم لغة السياسة ولا منطق التفاوض، وقد جرّب الفلسطينيون هذا الباب وأفضى بهم إلى أسوأ حال من العمالة.
من هنا نقول لقد نجحت إيران في أداء دورها، والقيام بواجبها، والوفاء بعهدتها التي تعهّدت، بها إزاء حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية، بدليل أنها قد أثبتت في لبنان جدارتها، بمقارعة القوات الصهيونية وردعها، والإنتصار عليها في حربين تحريريتين سنتي 2000 و2006، واستطاعت الحركات الفلسطينية في قطاع غزة أن تُرْبِك العدوّ الصهيوني، وتصدّه أثناء محاولاته العدوانية فيفشل في اقتحامها مرّات عديدة، وقد أثبتت أخيرا بطوفان الأقصى، أنها قادرة على إحداث مفاجأة الهجوم على العدوّ، بعد أن كانت من قبل في حال الدّفاع، قلبتْ فيه معادلة التفوّق العسكري الصهيوني رغم عدم تكافؤ الأسلحة، لكنّها كانت أسلحة فعالة.
وفي اليمن، حقق أحرار اليمن بقيادة حركة انصار الله نصرا من نوع آخر، حيث أفشلوا مؤامرة اخضاع بلادهم لقوى العمالة، وبعد حرب مريرة استمرّت سنوات، أجبرت تحالف دوله على إيقافها مُرغمة خاضعة، ها نحن اليوم نرى اليمن في موقف عز وأنفة وشجاعة، مناصرا إخوته في غزّة، بالتصدّي بحرا للسفن التجارية الصهيونية، وفي تحدّ لأمريكا وبريطانيا والدول الحامية للكيان الصهيوني، يصعب أن يقوم به ويتحمل نتائجه شعب آخر، ومواجهة بحرية مباشرة ونجاح في قطع خط التجارة الشرقي للكيان الغاصب، رغم الغارات الأمريكية البريطانية العدوانية على بلاده.
وفي العراق وسوريا نجحت إيران مع أحرار البلدين، في افشال مؤامرة داعش، التي أدخلها التحالف الأمريكي الغربي التركي من أجل إيجاد دولة متخلّفة دينيا وحضاريا هناك، بإمكانها أن تهاجم ايران وبقية الدول العربية وتهدد أمنها واستقرارها، ومع هذا الإنجاز الكبير والهام الذي أزعج الغرب، لا تزال أمريكا وتركيا تحافظان على فلول ذلك التنظيم الإرهابي التكفيري، في إدلب وشمالي البادية السورية والعراقية، على أمل إعادة تحريكها وصياغتها وفق المخطط الأمريكي الصهيوني الغربي.
لقد ادركت أمريكا وربيبتها إسرائيل دور إيران الإستراتيجي في سوريا، وإيران لم تخفي مشروعها لتحرير فلسطين منذ قيام نظامها، وبدا واضحا للعالم بأسره، وقد ضحّت من أجل تحقيق ذلك، بأغلى ما يمكن أن يضحّي به بلد، وتحمّلت من أجل إنجاحه أعباء ثقالا، أجزمُ أنه ليس بمقدور بلد آخر تحمّله، ولو كان في مكان إيران لفشل وانتهى أمره، تضحيات إيران بالأموال والأعتدة والأنفس، وليست أيّ أنفس تلك التي قدّمتها إيران، ذهبت عزيزة الى بارئها ضمن قوافل الشهداء الأبرار، إنّهم قيادات وخبراء عسكريين ذوي رتب عسكرية رفيعة، رغبوا في أن يكونوا ضمن السلك العسكري المتطوّع، لأداء مهام استشارية في العراق وسوريا، من أجل مساعدة البلدين على التصدّي للعناصر التكفيرية، المنتشرة في محافظة إدلب وما حولها، والتي لا تزال تحت حماية تركيا وأمريكا.
خلال السنوات الأخيرة، قامت القوات الصهيونية بسلسلة اعتداءات، على مواقع عسكرية، في مناطق مختلفة داخل الأراضي السورية، يوجد فيها عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين، وأسفرت على استشهاد عدد من هؤلاء الرجال، ومع الوعد بالردّ على تلك الإعتداءات، واصل الكيان الصهيوني عربدته واجرامه، غير عابئ بالتحذيرات الإيرانية، وكان آخرها العدوان الغاشم على القنصلية الإيرانية بدمشق، مستغلا معلومة مسرّبة عن اجتماع عدد من القيادات العسكرية هناك، أدت الغارة إلى تدمير القنصلية ومقتل من كان بداخلها، وهو عمل ادانته 121 دولة.
من هنا نفد صبر ايران ولم يعد هناك مجال لمواصلة تلقيّ الضربات دون ردّ، وجاء الأمر الولائي بالرد على الكيان الغاصب، وكان ردا متأنيا ذكيا دلّ على عمق بصيرة، ونفاذ حكمة من قيادة أعدّت نفسها كما يجب لأكل الاحتمالات، بل إنّها حشدت أغلب دول العالم في صفّها مع القضية الفلسطينية، وأحدثت بتأجيل ساعة الصفر لتنفيذ وعدها بالرّد انهيارات نفسية ورعب بين عشرات آلاف المستوطنين، ولما بدأ الردّ اضطربت جميع المستوطنات ولاذ بالهرب الى المطارات من ايقن بنهاية الكيان.
لقد استعملت القوات الإيرانية ابسط أسلحتها، وعملت على ترتيب اطلاقها تكتيكيا بحيث أشغلت وسائل الدفاع الجوي القبة الحديدية، ومع ما قدمته القواعد العسكرية الغربية في الأردن والقطع البحرية الامريكية والبريطانية في البحر الأبيض المتوسط من مساعدات في اسقاط المسيّرات الإيرانية، لتنفّذ القوات الإيرانية بواسطة عدد من الصواريخ البالستية ضرباتها على موقعين صهيونيين، تعلّقت بهما الغارة الجوية الغادرة على قنصليتها في دمشق، وقد اصابت الصواريخ الهدفين بدقّة عالية، وعجزت وسائط الدفاع الجوي الصهيونية والغربية مجتمعة في ايقافها.
يبدو أن أمريكا والكيان الصهيوني قد استوعبا حجم الرّدّ الإيراني، بما يبدو أنّه لا يمكن لأيّ منهما القيام بردّ، بعدما شاهدوا عيّنة من الهجوم وبأسلحة تبدو بدائية، مع ما تمتلكه إيران حاليا من عشرات أنواع الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية الفرط صوتية، والتوليح الإيراني بأن أي عدوان جديد سيواجه بردّ أعنف وأقسى، من هنا أقول إن إيران اليوم أظهرت بعضا من وجهها العسكري وامكاناتها العسكرية الحقيقية، فإن تمادى العدوّ ايّا كان في غيّه، فذلك ما كنّا نبغي، وعلى الباغي تدور الدّوائر، ولعلها تحمل بين طياتها بشائر الصلاة في القدس.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat