الصحابية اسماء بنت عميس الخثعمية ( دراسة تحليلية)
د . راجي العوادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . راجي العوادي

تنويه
اعتاد خطباء المنابر أن يجعلوا حياة الزهراء (ع) مرتبطة بوجود الصحابية أسماء بنت عميس في فترات زفافها ... نفاسها ...مرضها ... تغسيلها فمنحوها دور الخادمة رغم أن هذا شرف عظيم لها لكن السيدة أسماء كانت متزوجة في تلك الفترات من رجلين معروفين بين المسلمين هما جعفر بن
أبي طالب وفيما بعد أبو بكر الصديق ومنجبة منهما مما يجعل وقتها كله مكرس لتربية أولادها
وحسن التبعل لزوجها ... بنفس الوقت أسدل المؤرخون الستار عن دور خادمتها فضة التي لازمتها منذ الصغر حتى في بيت الزوجية وانتقلت فيما بعد لخدمة ابنتها زينب الحوراء (ع) ... من هنا أردنا أن نسلط الضوء على هذه الروايات التاريخية الشائعة عند الفريقين من المسلمين في هذا الدور حصرا لمعرفة مدى المقبولية عقلا والبحث عن القرائن التي تثبت او تنفي هذه الرويات النقلية .
نسبها
والدها : عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية ابن زيد بن مالك بن بشر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن خلف بن أقبل الخثعمي .
أمها : هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن كنانة ... وأسماء أخت لبابة أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب ، وشقيقات أسماء , سلمى بنت عميس زوجة حمزة بن عبد المطلب (ع) وأخواتها لأمها: ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة زوجتا النبي (صلى) ولبابة الصغرى (العصماء) أم خالد بن الوليد (1)
فكانت أكرم الناس أصهارا، فمن أصهارها رسول الله (صلى) وأسد الله حمزة زوج أختها سلمى بنت عميس والعباس بن عبد المطلب ، كما كانت أيضا من أكرم النساء أزواجا ، فقد كانت تحت ثلاثة من قادة الأمة ورجالها العظماء وهم جعفر بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب .
حياتها
أسلمت أَسْمَاء قديماً قبل ان يدخل المسلون دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة فكانت صحابية جليلة صوّامة قوّامة كريمة شريفة ذات رأي حازم وكانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب ممن وقع عليهم الاختيار من قبل رسول الله (صلى) ليكونوا وفده إلى الحبشة في أول هجرة للمسلمين فعاشت بذلك مع زوجها محنة شديدة في سبيل الله قرابة خمسة عشر عاماً فكانت مدة طويلة خلالها ولدت له بالحبشة عَبْد الله ، وعوناً ، ومُحَمَّداً وكانت تكنى بام عبد الله .
لقد تركت قومها وقد كانت من أعزهم نسبا ، وتركت دارها وعزها كي تهاجر وتقيم مع زوجها في بلاد الغربة لا لشيء سوى طلبا لرضا الله عز وجل ونصرة لدينه ولرسوله (صلى) ... في السنة الثامنة للهجرة استشهد زوجها في معركة مؤتة وقد أتاها النبي محمد (صلى) مواسياً لها ولأبنائها بعد شهادة زوجها فحزنت عليه حزنا شيدا وقد كانت امرأة فصيحة بليغة فرثته بقصيدتين قالت فيهما
فآ ليت لا تنفك نفسي حزينة *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى *** أكر وأحمى في الهياج واصبرا (2)
يا جعفر الطيّار خير مضرب *** للخيل يوم تطاعن وتشاح
قد كنت لي جبلاً ألوذ بظلّه *** فتركتني أمشي بأجرد ضاحي
قد كنت ذات حميّة ما عشت لي *** أمشي البراز وأنت كنت جناحي
فاليوم أخشع للذليل وأتّقي ***منه وأدفع ظالمي بالراح (3)
بعد شهادة زوجها الأول تزوجت السيدة أسماء بنت عميس أبو بكر وشاركت السيدة أسماء وزوجها أبو بكر في حجة الوداع الحجة الأخيرة للنبي محمد (صلى) رغم أنها كانت حامل وأثناء الحج ولدت لأبي بكر ابنه محمد ابن أبي بكر وفيما بعد ولدت له أيضاً أم كلثوم بنت أبي بكر وقد تواترت الأخبار أن أبا بكر ، لما يعلمه من علمها وفقهها أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فكان ذلك وهي صائمة يوم وفاته (4)... وبعد موت أبي بكر تزوجها علي بن أبي طالب (ع) فولدت له يحيى لا خلاف في ذلك وزعم البعض أن عون بن علي أمه أَسْمَاء بِنْت عميس .
مكانتها
كانت أسماء من المهاجرات السابقات إلى الإسلام ، ومن أصحاب النبي الأكرم (صلى) ومن الثابتات على حبّ أهل البيت (ع) فمنذ أن قدمت المدينة أصبحت للزهراء (ع) كالأُم الحنون التي تثق بها ، وتفشي لها أسرارها حتّى أنّ السيّدة أوصتها بإعداد تابوت لها لا يبدو من خلاله حجم بدنها ، كما أنّها أعانت الإمام علياً (ع) في تغسيل السيّدة الزهراء(ع) بوصية منها (5)
وكانت ممن شهد لفاطمة (ع) عند أبي بكر بشأن فدك ولكن أبو بكر رد شهادتها.
قال رسول الله (صلى): الأخوات المؤمنات... يعني ميمونة بنت الحرث وأم الفضل بنت الحرث وسلمى امرأة حمزة وأسماء بنت عميس )6) أي هي احدي الأخوات المؤمنات الأربع اللاتي حصلن على وسام الأيمان من
رسول الله (صلى) كما أن الأمام الباقر(ع) قال: « رحم الله الأخوات من أهل الجنّة » فسمّاهن فكانت أسماء أولهن (7 ) الإمام الصادق (ع) قال : « كانت النجابة ـ لمحمّد بن أبي بكر ـ من قبل أُمّه أسماء بنت عُميس لا من قبل أبيه » (8) كان عمر بن الخطاب يسألها عن تعبير الرؤيا .
عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من الصحابيات ، كما عدوها من أصحاب علي (ع)
روت عن رسول الله )صلّى ) ستين حديثاً حيث قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي (9)
وقالت دخل علي رسول الله ( صلى ) فدعا بني جعفر فرأيته شمهم وذرفت عيناه فقلت يا رسول الله أبلغك عن جعفر شيء قال (نعم قتل اليوم) فقمنا نبكي ورجع فقال (صلى ) (اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم )
وقالت : حججت مع رسول الله (صلى) تلك الحجة فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل على الراحلة فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن فبركت فأتيته فسجيت عليه برداء كان علي .
روي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي (صلى) فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا فأتت النبي فقالت: يا رسول الله (صلى ) إن النساء لفي خيبة وخسار قال: ومم ذاك؟ قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال فأنزل الله هذه الآية : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الأحزاب - الآية - 35
رُويَ عن أسماء بنت عميس أنّها قالت: كان رأس رسول اللّه (صلى ) فى حجر على (ع) فكره أن يتحرك حتى غابت الشمس فلم يصل العصر ، ففزع النبى (صلى ) وذكر له على (ع) أنه لم يصل العصر فدعا رسول اللّه (صلى) عز وجل أن يرد الشمس عليه فأقبلت الشمس لها خوار حتى ارتفعت قدر ما كانت فى وقت العصر قال : فصلى ثم رجعت (10 )
وروي أنّه لمّا قَدِمت أسماء من أرض الحبشة قال لها عمر: يا حبشيّة ! سبقناكم بالهجرة ، فأجابته: إي لَعَمري لقد صدقت ، كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وآله يُطعِم جائعكم ، ويُعلّم جاهلكم ، وكنّا البُعداءَ الطُّرَداء , أمّا واللهِ لآتينّ رسولَ الله فلأذكرهن له ذلك! فأتت النبيَّ صلّى الله عليه وآله فذكرت له ذلك ، فقال: « للناس هجرةٌ واحدة ، ولكم هجرتان » (11 )
نفست اسماء بمحمد بن أبي بكر في حجة الوداع ، فهم أبو بكر بردها فسأل النبي (صلى) فقال (مرها فلتغتسل ثم تحرم)) (12 ) وهكذا كانت سببا في تشريع هذا الحكم الجليل لنساء الأمة ، حكم يهم شعيرة عظيمة وركنا ركينا من أركان الإسلام
عن ابن عباس أنه : بينما رسول الله (صلى ) جالس وأسماء بنت عميس قربة إذ قال (يا أسماء هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مر فأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا فسلم فردي وقال إنه لقي المشركين فأصابه في مقاديمه ثلاث وسبعون فأخذ اللواء بيده اليمنى فقطعت ثم أخذ باليسرى فقطعت قال فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها ) ( 13)
ويروى عن آهل البيت (14) ان أسماء بنت عميس قالت: لمّا كان بعد الحول من مولد الحسن (ع) وُلدِ الحسين عليه السلام ، فجاءني النبيّ (صلّى) فقال: يا أسماءُ هاتي ابني فدفعتُه إليه في خرقةٍ بيضاء ، فأذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ووضعه في حِجرهِ وبكى قالت أسماء: فداك أبي وأمّي ، مِمَّ بكاؤك ؟! قال: مِنِ ابني هذا فقلت: إنّه وُلِد الساعة قال: يا أسماء ، تقتلُه الفئةُ الباغية من بعدي! لا أنالَهمُ الله شفاعتي ثمّ قال: يا أسماء ، لا تُخبرينّ فاطمة فإنّها حديثُ عهدٍ بولادته .
ثمّ قال لعليّ: أيّ شيءٍ سميَّتَ ابني هذا ؟ قال: ما كنتُ لأسبقَك باسمه يا رسول الله...فقال رسول الله : ما كنتُ لأسبق باسمه ربّي. فأتاه جبرئيل فقال: الجبّارُ يُقرئك السلامَ ويقول: سَمِّهِ باسم ابن هارون ، فقال: ما اسمُ ابن هارون ؟ قال: شبير، قال: لساني عربيّ، قال: سَمِّه الحسين فسمّاه الحسين ، ثمّ عَقّ عنه يومَ سابعه بكبشَين أملحين وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره وَرِقاً وطلا رأسَه بالخَلُوق وقال: الدمُ فعل الجاهلية وأعطى القابلة فَخِذ كبش .
روى عنها: ابناها عبد الله وعون ولدا جعفر، وحفيدها القاسم ابن محمّد بن أبي بكر، وحفيدتها أمّ عون بنت محمّد بن أبي جعفر، وسعيد بن المسيّب ، وعبيد الله بن رفاعة ، وأبو بردة بن أبي موسى ، وفاطمة بنت الإمام عليّ (ع) السلام ، وعبد الله بن عبّاس ، وعبد وعبد الله بن شدّاد وهو ابن أختها ، وأبو زيد المدني ، وعروة بن الزبير، وأبو موسى الأشعريّ... وغيرهم
علاقتها بفاطمة الزهراء (ع)
روي في خبر تزويج فاطمة عليها السلام في حديث قال : فأقبلا ـ علي وفاطمة ـ حتى جلسا مجلسهما ، وعندهما أمهات المؤمنين ، وبينهن وبين علي حجاب ، وفاطمة مع النساء ، ثم أقبل النبيّ (صلى ) حتّى دقّ الباب ، ففتحت له الباب أم أيمن فدخل ، وخرجت النساء مسرعات وبقيت أسماء بنت عميس ، فلمّا بصرت برسول الله (صلى) مقبلاً تهيأت لتخرج ، فقال لها رسول الله (صلى )على رسلك ، مَن أنتِ ؟ .
فقالت : أنا أسماء بنت عميس ، بأبي أنت واُمي إن الفتاة ليلة بنائها لا غنى بها عن امرأة إن حدث لها حاجة أفضت بها إليها .
فقال لها رسول الله (صلى ) ما أخّرك إلاّ ذلك ؟.
فقالت : إي والذي بعثك بالحق ما أكذب والروح الأمين يأتيك .
فقال لها رسول الله (صلى) فأسأل إلهي أن يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ، ناوليني المخضب واملئيه ماءً .
فنهضت أسماء بنت عميس فملأت المخضب ماء ثم أتته به ، فملأ فاه ثم مجّه فيه ثم قال : اللهم انّهما منّي وأنا منهما فأذهب عنهما الرجس وطهّرهما تطهيراً .
ثم دعا فاطمة (ع) فقامت إليه وعليها النقبة وأزارها ، فضرب كفاً من ماء ما بين ثدييها ، وأخرى بين عاتقها ، وبأخرى على هامتها ، ثم نضح جلدها وجسدها ثم التزمها ثم قال : اللهم أنهما منّي وأنا منهما فكما أذهبت عنهم الرجس وطهّرتهم تطيراً فطهّرهما.
ثم أمرها أن تشرب بقية الماء وتتمضمض وتستنشق وتتوضأ .
ثم دعا بمخضب آخر فصنع كما صنع بالآخر ، ودعا علياً عليه السلام فصنع به كما صنع بصاحبته ودعا له كما دعا لها ، ثم أغلق عليهما الباب وانطلق .
فزعم عبد الله بن عباس عن أسماء بنت عميس أنّه لم يزل يدعو لهما خاصة حتى وارته حجرته ما شرك معهما في دعائه أحداً (15)
وممّا لا يختلف فيه المؤرخون أنّ أسماء بنت عميس حضرت وفاة الزهراء (ع) وصنعت لها نعشاً وهو أوّل نعش صنع في الإسلام وحضرت تغسيلها أيضاً .
ومما يدلّ على اختصاص أسماء بأهل البيت عليهم السلام وشدّة حُبها لهم وللزهراء (ع) أنّها كانت موضع سرّها ومحلّ حوائجها ، فلمّا مرضت أرسلت خلفها وشكت إليها أنّ المرأة إذا وضعت على سريرها تكون بارزة للناظرين لا يسترها إلاّ ثوب ، فذكرت لها أسماء النعش المغطّى الذي رأته بأرض الحبشة ، فاستحسنته الزهراء (ع) حتى ضحكت بعد أن لم تكن ضحكت بعد أبيها غير تلك المرّة ودعت لها .
وحضرت أسماء وفاتها وأعانت علياً (ع) على غسلها ، ولم تدع أحداً يدخل عليها من أمهات المؤمنين ولا غيرهن سواها , فقد ذكر جماعة (16) أنّ فاطمة الزهراء (ع) لما مرضت دعت اُم أيمن وأسماء بنت عميس وعلياً ، وفي رواية أنّ أسماء بنت عميس قالت للزهراء (ع): إني كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً فإن أعجبك أصنعه لك فدعت سريراً فأكبته لوجهه ، ثم دعت بجرائد فشدّتها إلى قوائمه وجعلت عليه نعشاً ، ثم جللته ثوباً ، فقالت فاطمة الزهراء (ع): اصنعي لي مثله ، استريني سترك الله من النار.
وفي الاستيعاب : أنّ فاطمة بنت رسول الله (صلى) قالت لأسماء بنت عميس : إنّي استقبحت ما يصنع بالنساء ، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها .
فقالت أسماء : يا بنت رسول الله ألا اُريك شيئاً بأرض الحبشة ، فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً .
فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ، تعرف به المرأة من الرجل .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين ، عن ابن عباس قال : مرضت فاطمة مرضاً شديداً فقالت يا أسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما بلغتُ ؟ ! اُحمل على السرير ظاهراً .
فقالت أسماء : لعمري ، ولكن أصنع لكِ نعشاً كما رأيتُ يصنع بأرض الحبشة .
قالت : فأرينيه
فأرست أسماء إلى جرائد رطبة وجعلت على السرير نعشاً ، وهو أوّل ما كان النعش ، قالت أسماء : فتبسّمت فاطمة وما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلاّ يومئذٍ (17)
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب : أنّ فاطمة (ع ) قالت لأسماء بنت عميس : إذا أنا مُتُ فغسليني أنت وعلي ولا تُدخلي عليّ أحداً ومثله روى أبو نعيم في الحلية ثم قال : فلما تُوفّيت غسّلها علي وأسماء وفي روضة الواعظين : أنّ فاطمة عليها السلام لما نُعيت إليها نفسها ، دعت اُم أيمن وأسماء بنت عميس ووجّهت خلف علي فأحضرته ـ إلى أن قال ـ فغسّلها علي (ع) في قميصها ، وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أسماء بنت عميس قالت : غسّلتُ أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله (صلى) وكان علي هو الذي يباشر غسلها وأسماء تُعينه على ذلك .
وفي بعض الأخبار : أنّه أمر الحسن والحسين عليهما السلام يدخلان الماء ، ولم يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب واُم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس .
قال ابن عبد البر في الاستيعاب : فلما توفّيت جاءت عائشة تدخل ، فقالت أسماء : لا تدخلي ، فشكت إلى أبي بكر فقالت : إنّ هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله (صلى ) وقد جعلت لها مثل هودج العروس ، فجاء فوقف على الباب فقال : يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبيّ أن يدخلْنَ على بنت رسول الله ، وجعلتِ لها مثل الهودج (18)
فقالت : أمرتني أن لا يدخل عليها أحد ، وأريتها هذا الذي صنعتُ وهي حيّة ، فأمرتني أن أصنع لها ذلك .
قال أبو بكر : فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف .
وفي بعض الروايات : أنّ أسماء كانت عندها حين وفاتها وأنّها أمرتها أن تأتي ببقية حنوط أبيها رسول الله (صلى ) وتضعه عند رأسها .
وفاتها
توفيت السيد أسماء بنت عميس رضوان الله عليها ما يقارب سنة 40 هجرية وهي مدفونة في مقبرة الباب الصغير في دمشق إلى جانب ميمونة بنت الحسن وحميدة بنت مسلم ابن عقيل فقد جاء على مسمعها مقتل ولدها محمد بن أبي بكر سنة 38 هجرية فتلوت من الحزن والألم عليه ، فعكفت في مصلاها، وحبست دمعها وحزنها ، حتى شخب ثديها ( سال منها) دماً ونزفت (19)... وتمر الأيام ، والأحداث ، حتى فجعت بمقتل زوجها الامام علي بن أبي طالب (ع) فلم تعد قادرة على احتمال المصائب والأوجاع ، حتى وقعت صريعة المرض تتلوى من شدة الألم على فراق ولدها محمد بن أبي بكر وفاضت روحها إلى السماوات العلى ............وهناك من يقول ان قبرها الشريف في العراق بضواحي الهاشمية على نهر الجربوعية و توجد قبة متوسطة الحجم و الارتفاع ويوجد قبر آخر يقابل قبرها ينسب إلى ولدها يحيي بن علي أمير المؤمنين (ع) والبعد بين قبريهما بحدود 280 خطوة ومن وقائع الأحداث ... فالمرجح ان قبرها في العراق بالهاشميات هو الأقرب الى الصحة لكون زوجها أمير المؤمنين علي (ع) سكن الكوفة واستشهد في مسجدها والكوفة قريبة من الهاشمية .
تعليق ومناقشة
بعد ان اطلعنا على سيرة وسريرة الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس نرى من الواجب التوقف عند بعض الرويات التاريخية المتعلقة بملازمتها للسيدة فاطمة الزهراء (ع) حيث كثر ذكر أسماء بنت عميس وزج اسمها في حياة السيدة فاطمة (ع) تارة عند زفافها ، وعند نفاسها ، وأخرى عند تهيئة نعشا لها ليسترها عن المشيعين وأخيرا عند تمريضها وتغسيلها وكلها مدعومة ومزعومة من روايات القصاصين وأساطيرهم ... لكن رأينا من الأولى إخضاع هذه الروايات الى التحليل العقلي المستند الى منهج البحث التاريخي وهنا تطلب الأمر ان نثير بعض التساؤلات التي لابد ان نجيب عليها ومنها :
هل حضرت أسماء بنت عميس عند الزهراء (ع) ليلة زفافها ؟
ذكرت الرواية (20) أن أسماء بنت عميس قد باتت ليلة زفاف الزهراء في بيت علي بن ابي طالب (ع) لتلي من فاطمة ما تلي الأم من بنتها لان أسماء عاهدت السيدة خديجة (ع) عند وفاتها في مكة ان بقيت إلى وقت زفاف الزهراء عليها السلام أن تقوم مقامها في هذا الأمر... لكن هذه الرواية تنتفي وتسقط من الاعتبار عندما نبحث الأمر تاريخيا لكون السيدة أسماء بنت عميس كانت مهاجرة إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب قبل وفاة خديجة (ع) بسنين ولم تعد من الحبشة الا بعد غزوة خيبر سنة ست من الهجرة ، فلم تكن أصلا في مكة المكرمة لتعاهد خديجة (ع) عند رحلتها ولا في المدينة المنورة حتى تحضر زفاف الزهراء (ع) ولكن قد تكون سلمى بنت عميس أخت أسماء وهي زوجة الحمزة (ع) عم النبي (صلى) هي من حضرت زفاف الزهراء كما هو رأي السيد محسن الأمين .
هل أسماء بنت عميس هي من عملت النعش والسرير لفاطمة (ع) قبل موتها ؟
أجمع علماء المسلمين بكل مذاهبهم على أن الزهراء (ع) دفنت ليلا في بيتها خفية بوصية منها ؟ عن عائشة قالت (21) دفنت فاطمة (ع) بنت رسول الله (صلى) ليلا دفنها علي (ع) ولم يشعر بها أبو بكر حتى دفنت وصلى عليها علي بن أبي طالب (ع) ... حيث غسلت ودفنت ليلا في بيتها المتصل بالمسجد النبوي او دفنت بمقبرة البقيع على بعد أمتار قليلة من المسجد اختفاء من الناس وأمرائهم حتى لا يصلوا عليها وبهذا فلم تكن بحاجة إلى النعش ولا السرير لتحمل عليها لاسيما ان المشيعين اقتصر على الفضل والعباس وسلمان وأبو ذر وقيل عمار بن ياسر.
هل أسماء بنت عميس كانت تمرض فاطمة في مرض موتها ؟ وهل كانت تأتي بأذن زوجها لاسيما لها طفلان صغيران أم تأتي دون علمه ؟
أن أسماء بنت عميس كانت حين مرض السيدة فاطمة (ع) زوجة لأبي بكر وهو الخليفة وفي حجرها ولديها الرضيعين محمد وأخته ام كلثوم أولاد أبي بكر فلم تكن في أمكانها أن تخدم في بيت فاطمة وتمرضها عامة الليالي والأيام... لم نقف على رواية تقول ان زوجها سمح لها بذلك , كما يستبعد ان تخرج أسماء من دارها دون أذن زوجها وهي العالمة بالشرع الذي يقول ان المرأة اذا خرجت من بيت زوجها بلا اذنه وبلا درايته فان الملائكة تلعنها ويغضب الله عليها كما ان الزهراء (ع) لا يمكن ان تستقبل امرأة خرجت من بيتها دون علم زوجها .
هل أسماء بنت عميس هي من غسلت فاطمة بمعاونة علي (ع)؟
هذا السؤال يستبعد افتراضه مطلقا لان الأمام علي (ع) لا يأذن أن تحضر أسماء في بيته وهي أجنبية منه لحرمة الاجتماع والخلوة معها في بيت واحد...فكيف يصح ان تعاونه في غسل السيدة فاطمة (ع) ... ثم نحن نتساءل أين كانت خادمتها فضة في تلك الساعة ونحن نعرف ان فضة استمرت بخدمتها للحوراء زينب (ع) فيما بعد وحضرت معها في واقعة ألطف بكربلاء ...ثم نتساءل أين نساء بني هاشم زوجات حمزة والعباس والفضل ونساء الصحابة المقربين سلمان وأبو ذر وعمار وقد بينا ان هؤلاء حضروا التشيع والدفن فلماذا غابت نساءهم عن هذا المصاب والحدث الجلل ... نستنتج من هذا التساؤل ان حضور أسماء او غيرها مع علي (ع) في مساعدته لتغسيل الزهراء (ع) محال بل لا يحتاج هو الى مساعدة من اي مخلوق بدليل رواية (22 ) المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله (ع): جعلت فداك من غسّل فاطمة (ع)؟ قال: « ذاك أمير المؤمنين(ع) » قال: فكأنّي استعظمت ذلك من قوله فقال: «كأنّك ضِقت ممّا أخبرتك به ؟»، قلت: قد كان ذلك جعلت فداك ، قال: «لا تضيقنّ فإنّها صدّيقة لا يغسلها إلاّ صدّيق ، أما علمت أنّ مريم لم يغسّلها إلاّ عيسى (ع ) .... اما من صلى عليها فقد قال الواقدي: ثبت عندنا أن علياً (كرم الله وجهه) دفنها ليلاً وصلى عليها ، ومعه العباس والفضل ، ولم يعلموا بها أحداً (23 )... وعليه فقد يكون ذكر أسماء ليست هي أسماء بنت عميس بل أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأنصارية زوجة أبو سعيد الأنصاري فقد لازمت هذه الصحابية البيت النبوي طويلاً وهي أول من نزل فيها عدة المطلقات وكانت محبة للعلم والسؤال في أمور دينها إذ كانت تمتلك الجرأة في الاستفسار لذلك كانت من أكثر النساء رواية للحديث.
وفي الجهاد كانت لها صولات وجولات تسقي وتداوي وتحمل السيف في سبيل الله وتخطب في الناس وقد حضرت غزوة خيبر مع النبي (صلى) وقيل أنها حضرت بيعة الرضوان وبايعت وحضرت في معركة اليرموك وقتلت تسعة من الروم بعمود فسطاط (24)... وقد عاشت إلى زمن تولي يزيد بن معاوية الحكم وبهذه المقدمة القصيرة يمكن ان نحكم ان من مرضت الزهراء (ع) هي أسماء بنت يزيد الأنصارية لا أسماء بنت عميس الخثعمية لا سيما ان هذه المرأة كانت قريبة من بيت النبي (صلى) في نقل الحديث الشريف وتتقدم الصفوف في معارك المسلمين فلا يستبعد مطلقا ان تكون في خدمة بضعته الزهراء (ع) في مرضها من جراء فقدان أبيها حيث أنها كما بينا كانت امرأة ليست بعصمة احد وأفضل ما تستثمر وقتها هو في خدمة بيت آهل النبوة .
المصادر
(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 2/75
(2) السيرة النبوية لابن كثير: 3 /478
(3) شرح الأخبار 3/207
(4) طبقات ابن سعد 283|8 ,ابن عبد ربه : العقد الفريد 4 / 90
)5) مناقب آل أبي طالب 3/138
)6) الآحاد والمثاني 5/456 ح3144
(7) الخصال : 363 ح55.
(8) الاختصاص : 70
(9) مسند احمد مسالة 26921
(10) الرياض النضرة للمحب الطبري ج ٢ ص ١٧٩والهيثمى في مجمعه ج ٨ ص ٢٩٧
(11) ابن سعد في (الطبقات الكبرى) 281|8
(12) نفس المصدر السابق
(13) أسد الغابة - ج 3 / ص 311
(14) عيون أخبار الرضا: 2/25- 26
(15) كفاية الطالب محمد بن يوسف الشافعي
(16) كشف الغمة - عوالم سيّدة النّساء 2/1107
(17) نفس المصدر السابق
(18) إرواء الغليل للشيخ الألباني الحديث رقم 701
(19) الإصابة لابن حجر9| 8
(20) كشف الغمة ج ١ ص ٤٩٤
(21) المستدرك للحاكم: ج3 / 162 ـ 163
(22) علل الشرائع: 1/ 218 / باب 148، ح 1 بحار الأنوار: 43/206/32
(23) السيرة الحلبية ج3 ص360 و 361 دار المعرفة سنة 1400هـ
(24) الإصابة في تمييز الصحابة , جزء 7 - صفحة 498
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat