مكانة الغَيرة في الإسلام
بلال وهبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن الإسلام يرى الغَيرة من الإيمان، ويُنَمِّي في المسلم والمسلمة خصلة الغَيرَة على الأعراض، والحُرُمات، والكرامات، والدين، والوطن، فكلاهما يجب أن يغارا لذلك، وأن يبذلا الغالي والنفيس للدفاع عن ذلك.

 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "غَيرَةُ الرَّجُـلِ إِيمـانٌ".
 
الغَيْرَةُ: الحَمِّيَّةُ والغَضَبُ على الشَّيْءِ، وأَصْلُها مِن التَّغَيُّرِ، وهو التَّحَوُّلُ، لأنّ القَلْبَ يَتَحَوَّلُ ويَهِيجُ، يُقَال: غارَ الرَّجُلُ على عِرْضِهِ، أيْ: غَضِبَ لأَجْلِهِ، والغَيْرَةُ شعور فطري وانفعال نفسي يفور من نفس الشخص كلما أحسَّ شركة الغير في حقه بلا اختيار منه، ولا تقتصر على الغيرة على العِرضِ وإن كان أهمها، بل تَعُمُّ كل ما يجب حفظه وصونه وحمايته والدفاع عنه، كالغيرة على الدين، والغيرة على الوطن، والغيرة على القيم، والغيرة على أموال الناس وكراماتهم.

وهي نوعان: النوع الأول: الغَيرة على المحبوب، وهي أن يمنع المُحِبُّ كل شخص يمكن أن يشاركه في محبوبه، وقد تكون من الطرفين إذ كل منهما محبوب للآخر، ولا يقبل بحال من الأحوال أن يشاركه غيره فيه.

النوع الثاني: الغَيرة له، والغضب لأجله لو استهين بحقه، وانتهكت حرمته، وانتُقِصَ من كرامته، والذَّبُّ عنه إن تعرض لعدوان وظلم، فيبذل دونه ماله ودمه، وقد يغار له إن كانت فيه منقصة أو مثلبة يريد أن يكون خلواً منها، وهنا أيضا لا تقتصر الغيرة للشخص، بل تعم الغيرة لله، والأولياء، والدين، والوطن، والمؤمن يغارُ لربِّه من نفسه ومن غيره، إذا لم يكن له كما يحب.
 
إن الإسلام يرى الغَيرة من الإيمان، ويُنَمِّي في المسلم والمسلمة خصلة الغَيرَة على الأعراض، والحُرُمات، والكرامات، والدين، والوطن، فكلاهما يجب أن يغارا لذلك، وأن يبذلا الغالي والنفيس للدفاع عن ذلك، ويدعوهما في الوقت عينه إلى تجَنُّب الغَيرَة في غير موضعها، كأن يغارا على بعضهما دون سبب موجِبٍ، من رِيبة وشَكٍ، أو يُمعِنا في الغيرة بحيث يتجاوزان الحد المعقول الأمر الذي يؤدي إلى تعقيد العلاقة بينهما وصولا إلى فصم عُراها.

وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) في وصِيَّته لولده الحسن المُجتَبى (ع) أنه قال: "وَإِيّاكَ والتَّغَايُرُ في غَيرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعو الصَّحِيْحَةَ مِنْهُنَّ إِلى السّقمِ".
 
وتؤكد الروايات الشريفة أن الله تعالى يغار لحرماته ودينه، ويغار لخلقه، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ الله وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" وجاء عنه (ص) أيضاً: "إِنَّ الله يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ الله أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ" فالغيرة من أخلاق المؤمن وصفاته، وهي محمودة ومطلوبة وواجبة كما تفيد الأحاديث المتقدمة، ونقيضها هو الدياثة، وهي خُلق مذموم عقلا و‏شرعاً، والدَّيُّوث هو الذي لا يغار على محارمه.

ولذلك قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "غَيرَةُ الرَّجُـلِ إِيمـانٌ" والمراد منها غيرته على محارمه أمه وزوجته وبناته وأخواته، وإنما هي من الإيمان إذا كانت نهياً لهُنَّ عن المنكر، والتهتك والفجور، أو دفعا للأذى عنهنَّ، من عيون طامحة، وغرائز جامحة، وذئاب تنهشهنَّ كما تنهشُ فرائسها. فالرجل الغيور لا يرضى على عرضه بأن يمسّ ولو بإشارة، ولا ينام ومحارمه تتعرض للسوء.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بلال وهبي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/02/26



كتابة تعليق لموضوع : مكانة الغَيرة في الإسلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net