المهدي ، المُعتقد والمُستند / ختامها مسك
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

الانتظار والتمهيد ، لفظان لحقيقة واحدة
يرى البعض أن انقلاب الامام الخميني قدس سره على حكم الشاه في إيران يمثل ايضاً انقلاباً على عقيدة ( الانتظار ) عند الشيعة ونسف فلسفتها والتمرد على كبار علماء مدرسة أهل البيت القائلين بها ، حيث أتى السيد الخميني بنظرية جديدة تسمى ب ( التمهيد ) ، وبين الانتظار والتمهيد اختلافات جوهرية كما يرى هؤلاء ، وأهم تلك الاختلافات هو أن مبدأ الانتظار قائم على أساس الابتعاد والانزواء عن السياسة وكل عمل ثوري ، وأن هذا المبدأ يقوم على فكرة " أيّ راية تخرج قبل خروج المهديّ هي راية ضلال ، أو كل راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله " .. بينما تقوم فكرة التمهيد على الحركية والثورية ضد الأنظمة المستبدة ما استطاع الممهدون الى ذلك سبيلا ..
وهذا الفصل بين مفهومي الانتظار والتمهيد ناشيء بحقيقته عن جهالات عدة ، نذكر اثنين منها :
١. المفهوم الخاطىء أصلاً لفكرة وعقيدة الانتظار ، فهم يفهمون منه الانتظار السلبي ، أي القعود والقبول بالظلم والجهل .. في حين أن الانتظار بحقيقته عبارة عن تهيئة واستعداد .. كما بيّنا في المنشور السابق ، فالانتظار لا يحرّم الحلال ولا يعطل الواجب ، نعم قد يُفهم من بعض روايات العزلة الانزواء ، ولكن الأور تقدر بقدرها كما يقال ، فقد يحتم الظرف أحياناً ذلك ولكن ليس على حساب الواجب ، يقول السيد الشهيد محمد الصدر في كتاب الغيبة الكبرى : ( وبهذا استطعنا أن نلم بمفهوم العزلة ونتائجه ، وعرفنا أن المراد منها ليس هو الانصراف التام عن المجتمع والاعتكاف في الزوايا ... كيف وأن العمل الاجتماعي قد يكون واجباً في الاسلام ، فتكون هذه العزلة من المحرمات ) . بل المراد منها اعتزال العمل الاجتماعي غير الواجب او العمل المحرم . والعزلة في موارد مطلوبيتها تشارك في المنهج العام للتخطيط الالهي لايجاد شرط الظهور . كما سبق أن فصلنا .
وهذا ما لا يريده الطغاة وأعداء أتباع أهل البيت ولا يلتقي وتوجهاتهم الطائفية ومطامعهم السياسية ..
٢. يعتقد هؤلاء أن الاختلاف بين فقهاء الشيعة عبارة عن خروج وانشقاق وتمذهب داخل المذهب الواحد ، ولا يدركون أنها اختلافات فقهية صناعية ترجع الى نفس القواعد والأصول المعتمدة في فقه مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، فأصل فكرة الثورة في ايران مبني على الرأي الفقهي الخاص بولاية الفقيه التي يقول بها جميع الفقهاء ولكنهم يختلفون بمقدار سعتها وشمولها .. ولو رجعنا الى بعض الفقهاء لوجدنا عندهم أكثر من رأي ونظرية في هذا الجانب خلال حياة أحدهم ، فيتغير رأيه وفق المعطيات والقناعات الفقهية التي تتوفر لديه ..
ونختم هذا الموضوع وهذه السلسلة بكلام للإمام الخميني قدس سره :
ولكن حقيقة الأمر هي أن السياسة تقف وراء ذلك. مثلما لقنوا الشعوب، لقنوا المسلمين وجموع غفيرة من سكان الأرض بان السياسة ليست من شأنكم، أذهبوا أنتم إلى عملكم واتركوا السياسة لأهلها. إن مثل هذا الكلام الذي يدعو الناس للتخلي عن السياسة وتركها إلى الظلمة، تركها إلى أميركا والاتحاد السوفيتي وأمثالهما كي يتسنى لهم نهب ثرواتنا وخيراتنا، كي يتسنى لهم أن ينهبوا ثروات المسلمين والمستضعفين، ان مثل هذا الكلام تخريف وسذاجة. وقد ضحكوا به على عقول الناس، بأن اتركوا السياسة لنا واذهبوا أنتم إلى مساجدكم.
إن هؤلاء الذين يقولون ببطلان كل راية ترفع وكل حكومة تقوم، يتصورون بأن قيام كل حكومة هو خلاف لانتظار الفرج. إنهم لا يفقهون ما يقولون، وانما تم تلقينهم بأن يقولوا مثل هذا الكلام. إن غياب الحكومة يعني أن يتكالب الناس على بعضهم البعض. يقتل بعضهم البعض، ويتصرفون بما يتعارض ونص القرآن الكريم .. فإذا فرضنا بأن هناك مائتي حديث في هذا الباب، فاننا نضرب بها عرض الحائط لأنها تتعارض مع نص القرآن الكريم. إن كل حديث ينص على عدم وجوب النهي عن المنكر، يجب أن يضرب به عرض الحائط. لأنه لا يمكن العمل بهذا النوع من الأحاديث، وان هؤلاء الأغبياء لا يعون ماذا يقولون: كل حكومة تقوم هي حكومة باطلة!!. بل لقد سمعت أن بعض هؤلاء يدعو إلى الكف عن تهذيب الأخلاق في إيران اليوم، فلم تعد هناك ضرورة لمثل هذا الكلام!!. وهذا يعني أن يكون استاذ الأخلاق في جمع من الأناس الفاسدين، وان تكون أبواب الحانات مشرعة ومراكز الفساد ناشطة. لأنه اذا كانت البيئة صالحة فلا حاجة لتهذيب الأخلاق. إن مثل هذه الدعوات إن لم تكن مغرضة فهي غبية وبلهاء. بيد أن هؤلاء يدركون جيداً ماذا يفعلون ويتطلعون إلى عزلنا عن هذا العالم.
أجل، ليس بمقدورنا أن نعمل على سيادة العدل في العالم أجمع، ولو كان بمقدورنا ذلك لفعلنا. ولأننا لا نستطيع أن نفعل ذلك فلا بد من ظهور الإمام المنتظر. العالم اليوم يسوده الظلم ونحن في نقطة من هذا العالم. وإذا كان بمقدورنا التصدي للظلم يجب أن لا نتهاون في ذلك، لأنه واجبنا. الإسلام والقرآن حدد مسؤولياتنا وسن لنا واجباتنا ولكن لا نستطيع نشر العدل في العالم بأسره ولا بد من ظهوره- سلام الله عليه-. ولكن يجب أن نمهد الطريق له. يجب أن نوفر الأسباب التي تعجل في ظهوره. علينا أن نعمل على تهيئة العالم لظهور الإمام المهدي الموعود- سلام الله عليه-.
على أية حال أن كل هذه المصائب دخيلة على المسلمين وأن القوى الخارجية تعمل على اشاعتها لكي يتسنى لها نهب ثرواتنا والقضاء على عزة المسلمين. وللأسف أن الكثير من المسلمين آمنوا بذلك. وربما تجد الآن من يؤمن بعدم ضرورة اقامة حكومة، لأن الحكومة يجب أن تكون في عصر الإمام الحجة، وان كل حكومة تقوم في غير عصره تعتبر باطلة، حسب تصورهم. فأمثال هؤلاء يرون ضرورة إشاعة الفوضى واضطراب العالم، حتى يأتي الإمام المهدي لإصلاحه!!. ولكننا عازمون على تمهيد الطريق لظهوره إن شاء الله .. نسأل الله تعالى أن يهدي أمثال هؤلاء. وان يجعل هذا اليوم مباركاً على الجميع، وان يقطع دابر الظالمين، وان يمنح الشعوب المظلومة القوة للقضاء على الظالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله
صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج21، ص: 9-11
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat