صفحة الكاتب : عبد العزيز ال زايد

الفقر في مختبر الكيمياء
عبد العزيز ال زايد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هل بالإمكان أن نضع الفقر في مختبر الكيمياء؟، علمًا أنّه خارج أسورة المادة ومدركات الأجرام، لماذا ننتخب الفقر تحديدًا دون غيره؟، نظن أنّ الفقر اليوم أصبح حديث الساعة، فهو يمثل أزمة إنسانية لشعوب العالم، فهل هناك حَلٌّ لهذا الوحش الضاري الذي ينهش ويفتك ويهشم العظام؟، هل هناك حيلة حقيقية لتحويل الفلزات الخسيسة لفلزات نفيسة؟، هل بالإمكان العثور على ذلك الحجر الأسطوري ذو المسحوق الأحمر الذي يحيل الرصاص إلى ذهب وفضة؟، هل لحجر الفلاسفة مكان في عسقلان أو في صحاري أفريقيا أو في إرم ذات العماد؟، هل لأكسير الحياة وجود؟، وكيف لنا استجلابه لإنقاذ ما تبقى من رماد الشعوب المسحوقة؟

 

لو كان الفقر رجلًا، لو كان الفقرُ قطعةَ خشبٍ أو فولاذ، لو كان الفقر مادة تعالج في مختبر الكيمياء؛ لتمكنا من إذابته في أفران ابن حيان ومذيبات أنطوان لافوازيه، لو كان الفقر كائنًا يُمَسُ أو يُمْسَك لأذبناه وأسلنا كثافته كما أُسِيْلَ لسليمان (عَيْنُ القِطْر)، صحيح أنّ للحرارة والضغط أثر على الكثافة الكتلية والقوة الداخلية الجزيئية للمواد، لكن كيف للمعنويات والمجردات أن تُحيّز وتُأطر بإطار؟، فضلًا على أن تقيد في بوتقة معمل أو أنبوبة اختبار.

 

الفقر فقّس وفرّخ، وانتشرت حول الشعوب أجنحته الفارعة، الفقر أمسى توأم الأرواح والأجساد والأكباد، فما حيلة الفقير الذي لا يجد ما يسد رمقه؟!، هل يحتفظ الفقير بكرامته في هذا الدهر؟، الذي أمست فيه معظم الأسر بين حجري رحى؟!، يدعي (ابن الأحنف) أنّ الكلاب لتميز الفقير من غيره، وتتعامل معه بخشوة وصلافة، وكأنّ له رائحة ممقوتة تشمئز منها أنوفهم خلافًا للغني محمود العاقبة، وهذا جزءٌ من رائعته التي يقول فيها:

 

يَمشي الفقيرُ وكلُّ شيءٍ ضدَّهُ..

والناسُ تُغلِقُ دونَهُ أبوابَها

 

‏وتراهُ مكروهًا وليس بمذنِبٍ..

‏ويَرى العداوةَ لا يَرى أسبابَها

 

‏حتى الكلابَ إذا رأتْ ذا ثروةٍ..

‏خضعَتْ لديهِ وحرّكتْ أذنابَها

 

‏وإذا رأتْ يومًا فقيرًا عابرًا

‏نَبحتْ عليه وكشّرتْ أنيابَها

 

أين يا ترى نرى الغنى؟، وكيف نستورد اكسيره؟، سأل أحد المدراء الأمريكان الحضور ذات مرّة: ما هي أغنى أرض في العالم؟، كانت الإجابات متعددة، فالبعض أشار لدول الخليج لتملكها آبار النفط، وأشار آخر إلى مناجم الألماس في إفريقيا، إلا أنّ المدير صعقهم بإجابةٍ غير متوقعة وقال: "الجواب يكمن في المقبرة!، نعم المقبرة هي أغنى أرض في العالم؛ لأن ملايين البشر رحلوا إليها وهم يحملون الكثير من الأفكار القيّمة التي لم تخرج للنور ولم يستفد منها أحد"، هنا ولدت الفكرة لـ (تود هنري) أن يؤلف كتابه البارز "مُتْ فارغًا"، الذي يستخلص منه أهمية إفراغ ما في الجعب من إبداع قبل ساعة الرحيل، فكم من فكرة وقادة مجنحة اندثرت باندثار صاحبها؟، فهل لدينا فكرة تقتل الفقر وتطعنه في خاصرته قبل حلول المنية؟

 

هناك من تجاوز الفقر إلى الثراء دون كسب ثروة مكتسبة من وريث، فكيف لأولئك العصاميين أن يبلغوا صهوة الغنى في حين فشل آخرون؟!، نعود إلى مختبر الكيمياء ونتساءل: هل بالامكان تحويل الرصاص إلى ذهب؟، عبر النشاط الاشعاعي أو عبر أيّ وسيلة مستحدثة؟، ماذا لو استطعنا تغيير تكوين النواة؟، وتمكنا من تغيير هوية العنصر؟، ألا يدفعنا الفضول المعرفي والخيال العلمي أن نشطح لفضاءات تقضي على الفقر؟، بإحالة الرصاص ذهبًا، إنّ العدد الذري لعنصر الرصاص 82، أيّ أنّ نواته تمتلك 82 بروتونًا، أما الفلز اللامع الذهب فيمتلك 79. ألا يدفعنا هذا التقارب العددي للتفكير في زحزحة هذه الأرقام قليلًا لتغيير معادلة الفقر؟، لقد تمكنت مصر من شق قناة السويس وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط في بحيرة التمساح في 18 نوفمبر 1862، وتحولت الأحلام والمعاجز لحقيقة، فهل تتحقق معجزة الذهب؟، يقول أهل العلم أنّ هناك خيارات أفضل من الرصاص، فالزئبق أعلى من الذهب بمقدار بروتون، والبلاتينيوم أقل من الذهب بمقدار بروتون، فهل هناك أمل؟، من يدري ما يخبأهُ لنا الدهر؟، أننا نريد أن نسلط الضوء إلى تلك القوة والطاقة المخزونة في العلم، قد لا تتمكن الأجيال القادمة لتملك ناصية الثراء بهذا الطريق، إلا أنّ هناك حتمًا ثراء قادم في مشاريع ذات بال، ستحقق عيشًا رغيدًا لبني البشر.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد العزيز ال زايد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/02/24



كتابة تعليق لموضوع : الفقر في مختبر الكيمياء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net