صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

مقتل الامام الحسين والقرآن الكريم من كتاب السيد المقرّم (ح 6)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاء في کتاب مقتل الحسين عليه السلام المؤلف للسيد عبد الرزاق المقرّم: لَم يزل السّبط الشهيد حليف القرآن منذ أنشأ كيانه، لأنّهما ثقلا رسول الله وخليفتاه على اُمّته. وقد نصّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض، فبذلك كان الحسين عليه السلام غير مبارح تلاوته طيلة حياته في تهذيبه وإرشاده وتبليغه في حلّه ومرتحله حتّى في موقفه يوم الطفّ بين ظهراني اُولئك المتجمهرين عليه ليتمّ عليهم الحجّة ويوضح لهم المحَجّة. هكذا كان ابن رسول الله يسير إلى غايته المقدّسة سيراً حثيثاً حتّى طفق يتلو القرآن رأسه المطهّر فوق عامل السنان، عسى أن يحصل في القوم من يكهربه نور الحقّ، غير أنّ داعية الهدى لَم يصادف إلاّ قصوراً في الإدراك وطبعاً في القلوب وصمما في الآذان "خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ" (البقرة 7). ولا يستغرب هذا مَن يفقه الأسرار الالهيّة، فإنّ المولى سبحانه بعد أنْ أوجب على سيّد الشهداء النّهضة لسدّ أبواب الضلال بذلك الشكل المحدّد الظرف والمكان والكيفيّة لمصالح أدركها الجليل جلّ شأنه، فأوحى إلى نبيّه الأقدس أنْ يقرأ هذه الصفحة الخالصة على ولده الحسين عليه السلام، فلا سبيل إلاّ التسليم والخضوع للأصلح المرضي لربّ العالمين "لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ" (الانبياء 23). وحيث أراد المهيمن تعالى بهذه النّهضة المقدّسة تعريف الاُمّة الحاضرة والأجيال المتعاقبة ضلال الملتوين عن الصراط السّوي العابثين بقداسة الشريعة، أحبّ الإتيان بكلّ ما فيه توطيد اُسس هذه الشهادة التي كتبت بدمها الطاهر صحائف نيّرة من أعمال الثائرين في وجه المنكر، فكانت هذه محفوفة بغرائب لا تصل إليها الأفهام، ومنها استشهاد الرأس المعظّم بالآيات الكريمة، والكلام من رأس مقطوع أبلغ في إتمام الحجّة على مَن أعمته الشهوات عن إبصار الحقائق، وفيه تركيز العقائد على أحقيّة دعوته التي لَم يقصد بها إلاّ الطاعة لربّ العالمين ووخامة عاقبة مَن مدّ عليه يد السّوء والعدوان، كما نبّه الاُمّة على ضلال مَن جرّأهم على لطغيان. ولا بدع القدرة الإلهيّة إذا مكّنت رأس الحسين عليه السلام من الكلام للمصالح التي نقصر عن الوصول إلى كنهها بعد أن اُودعت في الشجرة قوّة. الدر المنثور 2 ص 119: آية "رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ" (الاعراف 143). والبحار 5 ص 278: نقلاً عن المهج. وفي قصص الأنبياء للثعالبي ص 120 الباب الثامن: خروج موسى من مدين. الكلام مع نبي الله موسى بن عمران عليه السّلام عند المناجاة، وهل تقاس الشجرة برأس المنحور في طاعة الرحمن سبحانه؟ كلاّ.
ويستطرد السيد المقرم عن حمل رأس الحسين عليه السلام في كتابه: قال زيد بن أرقم: كنت في غرفة لي فمرّوا عليَّ بالرأس وهو يقرأ "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" (الكهف 9) فوقف شعري وقلت: والله يابن رسول الله رأسك أعجب وأعجب. ولمّا نُصب الرأس الأقدس في موضع الصيارفة وهناك لغط المارّة وضوضاء المتعاملين، فأراد سيّد الشهداء توجيه النّفوس نحوه ليسمعوا بليغ عظاته، فتنحنح الرأس تنحنحاً عالياً فاتّجهت إليه النّاس واعترتهم الدهشة، حيث لَم يسمعوا رأساً مقطوعاً يتنحنح قبل يوم الحسين عليه السلام، فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى: "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى" (الكهف 13). وصُلب على شجرة فاجتمع النّاس حولها ينظرون إلى النّور السّاطع، فأخذ يقرأ "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ" (الشعراء 227). قال هلال بن معاوية: رأيت رجلا يحمل رأس الحسين عليه السلام والرأس يخاطبه: فرَّقت بين رأسي وبدني فرق الله بين لحمك وعظمك وجعلك آية ونكالا للعالمين فرفع السوط واخذ يضرب الرأس حتّى سكت. وسمع سليمة بن كهيل الرأس يقرأ وهو على القناة "فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة 137). ويحدّث ابن وكيدة أنّه سمع الرأس يقرأ سورة الكهف، فشكّ في أنّه صوته أو غيره فترك عليه السّلام القراءة والتفت إليه يخاطبه: (يابن وكيدة أما علمت أنّا معشر الأئمّة أحياء عند ربهم يرزقون؟). فعزم على أنْ يسرق الرأس ويدفنه. وإذا الخطاب من الرأس الأزهر: (يابن وكيدة، ليس إلى ذلك من سبيل، إنّ سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييري على الرمح، فذرهم فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل يسحبون). قال المنهال بن عمرو: رأيت رأس الحسين عليه السلام بدمشق على رمح وأمامه رجل يقرأ سورة الكهف حتّى إذا بلغ إلى قوله تعالى: "أَمْ حَسِبْتَ أَنّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً" (الكهف 9). نطق الرأس بلسان فصيح: (أعجب من أصحاب الكهف، قتلي وحَملي). ولمّا أمر يزيد بقتل رسول ملك الروم حيث أنكر عليه فعلته نطق الرأس بصوت رفيع: (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله).
وعن عبد الله بن جعفر يقول السيد عبد الرزاق المقرم: قال ابن جرير: لمّا ورد نعي الحسين عليه السلام جلس عبد الله بن جعفر للعزاء، وأقبل النّاس يعزّونه فقال مولاه (أبو اللسلاس): هذا ما لقيناه من الحسين. فحذفه بنعله وقال: يابن اللخناء أللحسين تقول ذلك؟ والله لو شهدته لأحببت أنْ لا اُفارقه حتّى اُقتل معه، والله إنّه لمِّما يسخى بنفسه عن ولديّ ويهون عليّ المصاب بهما أنّهما أصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيَين له صابرَين معه. ثمّ أقبل على جلسائه وقال: الحمد لله لقد عزّ عليَّ المصاب بمصرع الحسين عليه السلام أنْ لا أكون واسيته بنفسي، فلقد واساه ولداي. ومن عجب التاريخ حديث البلاذري والمحسن التنوخي وفود عبد الله بن جعفر على (يزيد) وإكرامه إيّاه بأكثر ممّا يكرمه أبوه معاوية. إنّ مَن يدرس نفسيّة ابن جعفر يتجلّى له كذب القصّة التي أرسلها المدائني واستند إليها البلاذري والتنوخي. فإنّ الواقف على الرجال الموتورين لا يعدّون الجزم بالتهاب قلوبهم ناراً على واترهم ويترقّبون الفرص للأخذ بالثأر. يشهد له حديث عبد الله بن اُبَي بن سلول مع النّبي، وذلك إنّ اُبياً لمّا صدر منه ما حكاه الكتاب العزيز "لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ" (المنافقون 8) فجاء عبد الله إلى نبيّ الإسلام وقال: لقد بلغتك هذه الكلمة من أبي قال صلى الله عليه وآله وسلم: (نعم) فقال: إنّك تعلم ما أحد بارّ بأبيه مثلي، فإنْ أردت قتله فأمرني به، لأنّي أخاف أنْ تأمر غيري ولا اُحبّ أنْ أنظر إلى قاتل أبي فأعدو عليه فأقتله وأكون في النّار. وهذه القصّة تعطينا صورة نيّرة عمّا عليه البشر من احتدام أولياء المقتول على القاتل وتربّصهم الفرص للأخذ بالثأر منه، ولَو كان القتل من جهة الشرك. ولهذه الغريزة المطبوعة عليها جبلة النّاس كان عمر بن الخطاب يقول لسعيد بن العاص وقد اجتمع عنده في بعض الليالي هو وعثمان وعلي وابن عبّاس: ما لك معرضاً عنّي كأنّي قتلت أباك إنّي لم أقتله ولكن أبا حسن قتله، فقال أمير المؤمنين: (اللهمّ غفراً ذهب الشرك بما فيه، ومحا الإسلام ما قبله، فلماذا تهيّج القلوب يا عمر؟) فقال سعيد: لقد قتله كفؤ كريم، وهو أحبّ إليَّ من أن يقتله مَن ليس من عبد مناف.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/02/19



كتابة تعليق لموضوع : مقتل الامام الحسين والقرآن الكريم من كتاب السيد المقرّم (ح 6)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net