طوفان الأقصى بلا سفينة (١)
اسد زيتون
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اسد زيتون

الغبي والأحمق وحده من يقارع الطوفان بالسيوف الحديدية , فاختيار أسماء المعارك والعمليات الحربية وحتى المناورات يعتبر أحد عناصر الفنون والعلوم العسكرية الهامة , وعادة ما يتم اختيار الاسم بذكاء ليتوافق مع الأهداف وبما يعكس الخصائص والخلفية الحضارية والثقافية لكل فريق .
ولأن الكيان الصهيوني ولد من وجهة نظر دينية وحلم توراتي , فطالما عمد الصهاينة على إطلاق أسماء دينية توراتية على حروبهم ومعاركهم العسكرية , كما هي الحال مع عملية عمود السحاب عام 2012 التي استشهد فيها أحمد الجعبري أحد أبرز قادة كتائب القسام , وردت عليها المقاومة الفلسطينية بعملية أطلقت عليها اسما مستوحى من القرآن (حجارة السجيل ) .
ويبدو أن المقاومة نجحت باختيار الاسم المناسب لأهم وأفضل وأنجح الخطط والعمليات العسكرية في تاريخ الحروب وأكثرها غرابة واستفزازا وإذلالاً للخصم سيما والحال هذه مع مقاومة محاصرة من كل الجهات ومقموعة ومطاردة في كل مكان إزاء جبروت خصم عنيف هذا الكيان المدعوم من أعتى وأقوى دول العالم وبلا تحفظ ...
طوفان الأقصى حقق أهدافه منذ الساعات الأولى , وفشلت وستفشل السيوف الحديدة حتى يفتتها ماء الطوفان ويحيلها تراباً ...
فتلك الأعجوبة والمعجزة الحربية القتالية الفريدة دخلت التاريخ لتقسم العالم إلى قسمين منتصرٌ لا بدّ ومهزومٌ لا بدّ .. ولا عاصم اليوم من الماء .. اللهمّ إلا من التحق بسفينة المقاومة ...
أقدم طوفان يعرفه العالم هو الطوفان السومري , فالمجلس الإلهي في سفر التكوين السومري هو من أمر بالطوفان عندما ساءت أعمال البشر بما لا صلاح معه , وأحد أعضاء هذا المجلس (أنكي) هو من أوحي لزيوسدرا وعلمه كيف يصنع سفينة النجاة ...
وبين كلا الطوفانين نسبٌ وثيق وصلة مؤكدة , فالأقصى (بيت المقدس ) هو بيت الإله , ومن الطبيعي أن يكون بيت الإله مقر اجتماع المجلس الإلهي الذي خرجت منه خطة الطوفان وخطة بناء السفينة أيضاً .
وطوفان الأقصى تم تصميمه بالحرفة الذكية ذاتها لتفيض جحافل المقاومة من باطن الأرض ومع موج البحر وتنهمر من السماء وتأتلف في أعظم ملحمة مرئية ومسموعة تتلى أساطيرها على العالم أجمع في بثّ حي ومباشر , بما لا يسعف خيال دهاقنة هوليود أن يفكروا بمثله في أعظم نبوءاتهم المتخيلة على شاشة غسل العقول والتلاعب بحقائق التاريخ والجغرافيا ...
أجل وبلا أدنى ريب فقد حقق طوفان الأقصى أهدافه منذ الساعات الأولى والإنجازات الأولى وألقى في الروع الصهيوني بذرة الهلاك المحتم , ويخطئ من يتوهم أن الكيان الصهيوني قد بدأ يستعيد رشده بعد عشرة أيام على استلال السيوف الحديدية بوجه ذلك الطوفان ...
كان حريّاً بالصهاينة أن يطلقوا على عمليتهم اسم سفينة نوح , ولكن ذلك سيكون بمثابة الاعتراف بالهلاك الذي يتهددهم وببحثهم عن وسيلة للنجاة منه , وهذا أمر حتى وإن فكر الصهاينة به , فإن عرّابي ومخترعي هذا الكيان لا يريدون لهذا الشعور أن ينمو في الكيان الذي اخترعوه لحماية مصالحهم في أهم عقد الاتصال بين أمم وشعوب الأرض ...
الرئيس الأمريكي بايدن اختصر قصة وجود هذا الكيان بعبارة بسيطة وواضحة من بضعة كلمات : ( لو لم تكن اسرائيل موجودة لكان لزاما علينا أن نخترعها ) ..
هذه الكلمات هي الشرح الحقيقي لوعد بلفور , وهي الوصف الدقيق لهدف عملية إنشاء هذا الكيان وزرع هذا السرطان الوبيل في جسد المنطقة على تخوم اتصالات القارات ..
طالما تفوه بايدن بهذه الكلمات مرارا وتكرارا , وهو لم يقلها لشعبه وإنما قالها العام الماضي لرئيس الكيان الصهيوني بحضور ممثلي الجاليات اليهودية خلال زيارة الأخير لواشنطن عشية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان , وقالها للمرة الأولى عام 1986 , خلال اجتماع في جاكرتا بصفته عضوا في الحزب الديمقراطي وذلك في معرض حديثه عن الوجود الصهيوني مؤكدا على أنه : ( لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على أميركا خلق إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة. فهي أفضل استثمار قمنا به بقيمة 3 مليارات دولار ) ...
ويفترض بعقلاء اليهود في هذا الكيان المصطنع أن يدركوا حقيقة وجودهم وأنهم ليسوا سوى بيادق في معسكر متقدم لحماية مصالح الغرب وتنفيذ سياساته , فأوهام عطف وحنان بلفور لا تليق بقيام مملكة إسرائيل الأبدية يحكمها الرب , إلا إذا لم يكن هذا الرب الذي تعبده إسرائيل سوى بلفور أو بايدن أو من كان على هذه الشاكلة من عرّابي وداعمي وحماة هذا الكيان ..
ومن هنا نستطيع أن نفهم هياج واستنفار الحكومات الأوروبية المسعور في أعقاب انطلاق طوفان الأقصى ضد أي تعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته التي تؤيدها الأعراف والقوانين والقرارات الدولية وينص عليها ميثاق الأمم ..
فالغرب عندما شرع قوانين تجريم معاداة السامية وإنكار الهولوكوست فإنما كان ذلك تقديسا لمصالحه الموكلة لإسرائيل مهمة حمايتها في المنطقة لا تقديسا لإسرائيل ولا تمجيدا لإله التوراة , فإسرائيل التوراتية وربها العظيم يهوه وشعبها المختار ليسوا عند الغرب سوى خدما لمصالحه ووقوداً للذبائح المقدسة على موائده الرأسمالية ...
وهذا الغرب كان ما يزال حتى ما قبل طوفان الأقصى يحاول نوعا ما تقمص الأخلاق الحضارية الإنسانية والتظاهر بها في المشهد العالمي , ويتسامح على حد ما مع الأنشطة الداعمة لحق الشعب الفلسطيني والمناهضة للسياسات والمطامع والجرائم الصهيونية , ولكن مع طوفان الأقصى وما بعده فقد صار مجرّد رفع علم فلسطين يعتبر جريمة , ومجرد التعبير عن قسوة جرائم التدمير والقتل الوحشي والتهجير الإسرائيلية بحق أطفال ونساء وشيوخ غزة العزّل المحاصرين بالموت والخراب والدمار , يعتبر جريمة تستحق العقاب الفوري والطرد من كل رحمة ...
والغرب عندما أقرّ تجريم معاداة السامية وعاقب على إنكار الهولوكوست فقد كان ذلك بمثابة الحاضنة لحماية المولود الضعيف والمشوّه , أما سلوكه اليوم في تجريم التعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته بأي شكل فهي لا شك بدافع إطالة حياة عجوز هرم بلغ أشقى وأرزل العمر وما من مستقبل له إلا الموت المحتكم .
إذا فهل سيدفع طوفان الأقصى بسكان الكيان الصهيوني للبحث عن طوف نجاة يقيهم الهلاك المحتم وقد ذاقوا بعضه ؟؟!!!
لنقف الآن عند هذا الحد من العناوين والأسئلة الكبيرة التي فتح أبوابها هذا الطوفان العظيم وقد أعاد الألق والبريق لأبجدية المقاومة بمختلف أقانيمها, بل جمعها في أيقونة واحدة مثقفة السنان , ولوى عنق أعدائها وأخرس مهاجميها وكسر عيونهم ومرغ أنوفهم على مرأى ومسمع وطبع جباههم بالذلة والمهانة أبد الدهر , فهم في ريبة من عيونهم وآذانهم ولم يجدوا حتى هذه اللحظة , كلاما وعناوين يطلون ويخرجون بها على قطعان معتوهيهم وببغاواتهم ...
ولندخل كمقاومين في تحليل ونقد هذا الحدث الجلل الذي كنا ننتظره , وعما إذا كان على قدر ما كنا نحلم به أو أقلّ أو أكثر .
سأتحدث عن نفسي هنا كأنموذج :
ففي أعقاب العدوان الصهيوني على غزة 2008 كتبت :
غدٌ لغزةَ يُلقي من عجائبِهِ
على الصليبِ صُراخَ الخائِنِ الدَّرِبِ
ويقرأُ الفتحَ والدنيا على سَمَعٍ
فتحاً إذا جاءَ نصرُ اللهِ بالعجبِ
لاحت بشائرهُ بالأمسِ إذ بُعِثَت
بعزمِ حافظَ فينا عزّةُ العربِ
توهّجت من لظى تموز شعلتهُ
وأينعت في حمى بشارَ بالشُّهبِ
بشراكِ غزّةَ ما زالت لنا لُغَةٌ
يُشَنِّفُونَ لها الآذانَ عنْ كثَبِ
ضريحُ هاشمَ يُنبي أنَّ كوكَبَةً
على الكثيبِ المُحَنّى بعدُ لم تَثِبِ
فأضرمي بدَمِ الأطهار ملحمَةً
تلفُّ من طبَريّا القدسَ بالنقَبِ
ولوّحي بالغَدِ الآتي على قَدَرٍ
هديرُ قسّامِهِ يُغني عنِ الكتبِ
وهذه الأبيات من ضمن قصيدة بعنوان "لقّم حذاءكَ" منشورة في ديواني (بلاد بلاد العيد – 2012م)
بالنسبة لي فإن هذه الحدث بصورته المبهرة والإعجازية كان أعظم مما حلمت به أن يكون , إذ كان مشهد أداء المقاومة في جنوب لبنان عام 2000 وعام 2006 مسيطرا بصورته ونمطيته على المشهد المتوقع للحدث المنتظر .
ولكن مشهد تدفق المقاومين من البر والبحر والجو وانهمارهم بالمظلات كان مبهرا حقاً وما يزال يفرض فرادته المدهشة وأعجوبته الآسرة .
أما بالنسبة لمساحة الحدث فلم تكن كما كنت اتصوّره من قبل , سيما في واقع كهذا , فالحلم الذي كان يداعب خيالي منذ ذلك الحين هو أن تنطلق عملية كبيرة للمقاومة , مفاجئة ومذهلة , من ثلاث جبهات سورية لبنانية فلسطينية في وقت واحد , وأن تتم السيطرة على المستوطنات الشمالية وما تيسر من مستوطنات غلافي قطاع غزة والضفة الغربية , وأن يحرص المقاومون على أسر الجنود أحياء قدر الإمكان والاستفادة من عتادهم , والحفاظ على حياة المدنيين داخل المستوطنات ومنع مغادرتهم . وبأداء راقي منضبط مشابه لأداء رجال حزب الله في المناطق المحررة عام 2000م .
الساعات الأولى لطوفان الأقصى تساعدنا اليوم أكثر على رسم مشهد متوقع كهذا كما يجب أن يكون , فالمفاجأة الكبيرة التي أحدثها هذا الطوفان ما تزال مهيمنة بصدمتها على الصهاينة وداعميهم بعد عشرة أيام من انطلاقه ولم يخرجوا من تأثيرها حتى الآن .
فلو أن هذا المشهد تكرر على ثلاث جبهات بوقت واحد , وتم التثبيت داخل المستوطنات دون السماح بخروج أي مدني منها , فإن هذا الأمر كان من شأنه أن يحبس أنفاس العالم ويقوده إلى التفاوض السريع , ويفرض استمرار وصول مقومات الحياة إلى هذه المناطق , ويقيد الرد الصهيوني إلى حدود محرجة له في أدناها وقاتلة له في أقصاها .
وبمعنى ما فإن على المقاومة , والحال هذه , أن تمارس دور احتلال للاحتلال وتؤدي دوره وفق ما يفرضه القانون الدولي على الطرف المحتَلّ .
وبعد هذه المرحلة سيكون على المقاومة أن تجد صيغة دولية وقواعد جديدة مشابهة لاتفاق نيسان بين حزب الله وإسرائيل (تفاهمات عناقيد الغضب 1996م) , تقيها حماقة الدول العظمى الداعمة لإسرائيل وسفاهة التابعين والمنافقين , وتمكنها من تأمين الإمداد والدعم حتى تحقيق وإنجاز أفضل ما يمكن .
وأنا الآن أتساءل : ما الذي منع أن تكون العملية على هذا النحو ؟؟!!!
فالمقاومون الذين خططوا لطوفان الأقصى وأعدوا له يمتلكون الشجاعة الكافية لطوفان واسع كهذا , بما يجعله أسرع وأكثر حسما وأقلّ خسائراً وأعظم انتصاراً ؟؟!!!
لو كان طرفا الحرب والصراع هنا هم محور المقاومة والكيان الصهيوني وحسب لكان الجواب سهلا , وربما لم نكن مضطرين للبحث عنه أصلا , إذ كانت المواجهة ستحسم منذ أمد بعيد لصالح المقاومة لصالح أهل تلك البلاد الذين حرروا بلادهم من جيوش دول عظمى كبريطانيا وفرنسا ..
أما وأن الكيان الصهيوني ليس سوى معسكر متقدم لحماية مصالح أوروبا وأمريكا في المنطقة , وعلى النحو الذي صرح به الرئيس بايدن , فإن انغماس المقاومة في الصراع مع هذا الكيان يجب أن لا يشوش على حواسها التي يجب أن تبقى مستنفرة متيقظة للتعامل مع العدو الرئيس والأصيل الذي يستهدف وجودها برمته ويخطط للاستيلاء على بلادها بشكل كامل ونهائي ...
وفي هذه المساحة الواسعة والميدان المترامي الأطراف يتشابك الأعداء والحلفاء في حلبات صراع هنا وفي باقات مصالح مشتركة هناك على امتداد مساحة العالم ..
فروسيا الصديقة والحليفة موجودة في سوريا شمال وشرق الفرات جنبا إلى جنب مع أمريكا , ومع انتهاء دور داعش هناك وما يمكن أن نسميه ترتيبات مشتركة بينهما لقتال التنظيم الإرهابي , فإن آبار النفط والغاز وبؤر الفتن العرقية والدينية هي ما يهم أمريكا الآن في تلك المنطقة , ومنذ سنوات فهي تسيد وتميد فيها دون أن تفعل روسيا شيئا حيال ذلك , فهي موجودة وغير موجودة في هذه المنطقة ..
روسيا اليوم تخوض حربا واسعة في أوكرانيا , وقد انطلقت هذه الحرب تحت عنوان عملية خاصة للقوات الروسية في أوكرانيا بسبب وجود مختبرات بيولوجية بإدارة البنتاغون تصنع الأمراض الفتاكة والأسلحة البيولوجية الأمر الذي لم تنكره أمريكا بل اعترفت به .
أمريكا وعموم دول الناتو لم يقصروا في التباكي على أوكرانيا , ولكنهم لم يتخذوا أية خطوة جدية ضدّ هذه الحرب , ويبدو أنهم غير مستائين بالفعل من تدمير أوكرانيا , كما أن ترامب من قبل لم يستنفر لضم شبه جزيرة القرم .
لا شك أن مختبرات كهذه لا تشكل خطرا على روسيا وحسب , وإنما على العالم أجمع , ولكنها مختبرات يديرها البنتاغون , وربما لم تكن روسيا مضطرة لخوض حرب واسعة مع أوكرانيا بسبب هذه المختبرات , وإنما كان بإمكانها تدمير هذه المختبرات وتقديم الثبوتيات لمجلس الأمن بهدف إدانة وإحراج البتاغون الأمريكي .
ويمكنها أيضا معاقبة أوكرانيا بنسف وتدمير مقومات قوتها العسكرية بالصواريخ والقاذفات دون المساس بحياة الناس ومصالحهم , وهي قادرة على ذلك , وهذا الأمر سيؤدي إلى خسائر كبيرة جدا لأوروبا وأمريكا في التعويض عن القوة العسكرية المدمرة , دون أن يفسح لهم المجال لاستثمار الجانب الإنساني في مثل هذه الحرب , كما أنه سيؤلب الشعب الأوكراني على حكومته الموالية لأمريكا , وسيفسح المجال لظهور تيار مناوئ يصل إلى حكم أوكرانيا ويكون صديقا لروسيا لا عدوا لها .
إن اشتباك روسيا في أوكرانيا على هذه النحو ودخول مثل هذه الحرب الواسعة , أضرّ بروسيا التي لم تستفد على ما يبدو من تجربة أفغانستان الخاسرة ولا من تجربة الشيشان الرابحة , ولكنها حاولت الجمع بين التجربتين بتشجيع من تجربتها في ضم شبه جزيرة القرم الناجحة .
والحديث عن الحليفة روسيا يستتبعه مباشرة الحديث عن الحليف الصيني توأم الفيتو المزدوج , فهي في صراع اقتصادي مستمر مع الغرب الذي لا يريد للصين أن تتطور وتزداد قوة , ولكنه أيضا لا يستطيع الاستغناء عنها أقله في المدى المنظور , أذ أن معظم صناعات الغرب تعتمد على الصين التي صارت موطنا للصناعة العالمية , وفك الارتباط مع الصين لم يعد أمرا سهلا بالنسبة للشركات الأوروبية والأمريكية , فالصين فضلا عن قوتها المالية الكبيرة جدا في أوروبا وأمريكا , فقد باتت تمتلك المقدرة والتقنية اللازمة لتقليد الصناعة الغربية فائقة الجودة , بكلف أقل بكثير مما يمكن للغرب أن يتحمله من كلف مالية بعيدا عن الصين حيث تتوفر المواد الأولية والأيدي الماهرة والخبيرة بكثرة وبكلف منخفضة .
فانسحاب الشركات الغربية من الصين سيضاعف كلف منتجاتها , وسيجعل من المنتجات الصينية منافسا لا يمكن التغلب عليه الأمر الذي سيزيد من قوة وثراء الصين وسيؤدي إلى إفلاس وإغلاق المصانع الغربية , ولذلك فإن أمريكا تحاول عرقلة تقدم الصين عبر تشريعات وقوانين تحرم الصين من الاستفادة من التكنولوجيا الأمريكية الفائقة وتشجع خروج سلاسل التوريد من الصين , كما تعمد أمريكا بين حين وآخر لافتعال أزمات وفتن للصين في أكثر من ملف كتايوان والتيبت ..
والصين التي كانت حاضرة بقوة إلى جانب روسيا في مجلس الأمن لصالح منظومة المقاومة ما تزال حتى الآن بعيدة عن ميدان الصراع المباشر .
وروسيا أيضا وعلى الرغم من حضورها العسكري المباشر في الميدان السوري ضد داعش والتنظيمات الأرهابية التي تفتق عنها الربيع العربي المصنع والمبارك أمريكيا وأوروبيا وصهيونيا, فقد بقيت بعيدة عن ميدان الصراع مع إسرائيل التي استمرت باعتداءاتها الوقحة على مواقع وأهداف ومرافق حيوية هامة في سوريا على مقربة من القوات الروسية بل وبعلم مسبق دون أية احتكاكات تذكر لا بل عمدت كل من روسيا وإسرائيل إلى صياغة اتفاق لتفادي الصدام بينهما في سوريا إثر تسبب غارة إسرائيلية بإسقاط طائرة روسية في سورية عام 2018 .
وحتى العلاقات الروسية التركية استمرت دون أن تؤثر عليها الصدام في سوريا , ولم تحل الاستهدافات التركية للجيش الروسي وللطائرات الروسية في سوريا , دون استمرار التعاون الروسي التركي في المجال النووي وفي مجال الغاز .
ولكي لا نبتعد عن صلب الموضوع فيما يخص الصراع بين محور المقاومة والكيان الصهيوني , وفيما يخص حلفاء أو داعمي كلا الطرفين , يمكننا القول أن الكيان الصهيوني يتمتع بدعم فائق من داعميه وعرابي وجوده بما لا مثيل له عبر التاريخ ودون مردود مالي مباشر لهم , فداعمو هذا الكيان وعرابوه أوجدوه ليحمي مصالحهم في المنطقة وهم يقدمون له بسخاء ودون مقابل كل ما يحتاجه وفي أي وقت , ليبقى يؤدي الدور والمهمة المسندة إليه .
بينما وبشكل طبيعي فإن مصالح منظومة المقاومة ومصالح روسيا والصين تلتقي معا في مجالات حيوية بالغة الأهمية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا , ويفترض بروسيا والصين اللتان خاضتا وتخوضان معارك ضارية مع المعسكر الغربي الرأسمالي المجاهر بنواياه العدائية تجاه كل منهما عدا عن ميراث الحرب الباردة , يفترض بهما أن يكونا أكثر وأقوى وأشد حضورا في ميدان هذا الصراع الذي يستهدف بطبيعة وواقع الحال هذه المجالات الحيوية الهامة لكلا العملاقين النوويين .
فالمواجهة الحامية في مجلس الأمن بين روسيا والصين من جهة وبين أمريكا وأزلامها من جهة أخرى لم تنعكس في ميدان الصراع مع إسرائيل بأي شكل , إذ استمرت العلاقات الجيدة بين روسيا وإسرائيل وبين الصين وإسرائيل دون أن تتأثر بهذا الصراع الذي هو أساس جميع الصراعات والحروب في المنطقة منذ تأسيس الكيان المشؤوم , لا بل أن روسيا السوفيتيتة كانت أكثر حزما من روسيا الاتحادية فيما يخص الصراع مع إسرائيل .
لا شك أن كلا العملاقيين النويين قد احتاطا جيدا من خطط الغرب واستهدافاته لكليهما , وأسسا فضاءهما الجيوسياسي عبر منظومة شنغهاي ومجموعة بريكس , وأسسا العديد من المشاريع الاستراتجية ماليا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا في هذا الفضاء سيما فيما يخص أمن الملاحة والأمن السيبراني وتحويل الأموال , واتخذا العديد من الخطوات والقرارات غير المفعلة حتى الآن كما يجب .
ومع تشديد العقوبات الغربية على سوريا وإيران وتطبيق قانون قيصر فقد بدأت الأعباء تتزايد وتتفاقم على منظومة المقاومة وجمهورها , وجاءت الحرب الروسية في أوكرانيا لتزيد الوضع سوءاً وتزيد من استياء وتساؤلات جمهور المقاومة حيال ما يحصل , وعن مواقف الحلفاء مما يحصل سيما روسيا والصين , فليس بالأمر السهل تقبل صورة التعاون الروسي مع تركيا في مجال بناء محطات الطاقة النووية ومد أنابيب الغاز الروسي إلى البحر الأسود في الوقت الذي يبدو فيه وكأن روسيا تتهاون فيه مع السرقات الأمريكية للثروات النفطية السورية شمال شرق الفرات وتدير ظهرها لمشاريع استخراج النفط والغاز قبالة الشواطئ السورية وعلى مرمى حجر من أهم البوارج الحربية الروسية على الرغم من توقيع عقودها .
لقد طفح الكيل وجثمت أمواج مظلمة من الأسى الثقيل على صدور جمهور المقاومة والمقاومين وبدؤوا التشكيك بموقف الحلفاء بل وبنواياهم , إذ ليس مقبولا البتة عند هذا الجمهور أن الحليفة والصديقة روسيا التي تسيطر على 45 % من صناعة الوقود النووي العالمي تقوم وبانتظام بتزويد المفاعلات النووية الأمريكية بالوقود النووي لكي ينعم الأمركيون بالطاقة ليل نهار , وتعرض تشيد المزيد من محطات الطاقة النووية للأتراك الذين أسقطوا مقاتلتها السوخوي عام 2015م في سوريا , بينما يرزح السوريين بلا كهرباء ولا وقود ولا غاز .
إن هذه المقاربات والمقارنات لم تكن سهلة على جمهور المقاومة سيما على السوريين الذي اعتادوا على اتخاذ المواقف المبدئية على المستويين الرسمي والشعبي منذ عهد الرئيس حافظ الأسد وحتى اليوم .
فإيران انضمت إلى نادي المقاومة بعد نجاح الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني عام 1979 في إسقاط نظام الشاه وكان حدث تحويل سفارة الكيان الصهيوني إلى سفارة فلسطين أيقونة انضمامها إلى نادي المقاومة بعد أسبوع واحد من انتصار الثورة . ولكن إيران كانت أكثر مرونة من سوريا فيما يخص المواقف المبدئية , فهي طيلة سنوات الربيع الصهوني المشؤوم حتى اللحظة ما تزال تحتفظ بعلاقات مميزة مع قطر ومع تركيا في إطار المصالح المشتركة , وهما أبرز داعميه ورعاته ومموليه .
أما سوريا فقد نسجت علاقاتها وفقا للمبادئ والقيم العليا التي تنتهجها في سياستها التزاما بقضايا الشعب والأمتين العربية والإسلامية حيث تنتمي , فحاربت وسالمت واتخذت صراطها على بوصلة هذه القيم وناصرت وأيدت ودعمت جميع حركات التحرر العالمي , وهذا ما أكسب سوريا وقيادتها احتراما وتقديرا عالميين حتى من قبل أشدّ أعدائها حربا لها , حتى أن إحدى أبرز الصحف العبرية عنونت خبر وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2000 بالعبارة الشهيرة التالية ( مات أشرف أعداء إسرائيل ) , واستمرار هذا النهج في عهد الرئيس بشار صبب صدمة كبيرة لمن لم يجدوا حيلة سوى انتظار رحيل حافظ الأسد ليرحل معه نهجه ومبادئه وقيمه العليا التي أضرت بمصالحهم ونسفت مشاريعهم ,ثم لم يجدوا حيلة معه سوى بإطلاق مارد التكفير والإرهاب والإجرام والفوضى بخطة شمشونية أتى هذا الطوفان المجيد طوفان الأقصى ليعيد المارد إلى قمقمه ويلقيها في قاع سحيق .
ويبدو لي الآن أن القهر والضيق والشعور بالخيبة من الحلفاء والأصدقاء الذي هيمن على جمهور المقاومة لم يكن سوى جزءا من خطط موضوعة على مراحل , كان يستحسن في إحداها لضمان النجاح , أن تبدو منظومة المقاومة هزيلة وضعيفة ومستباحة حتى من قبل الأصدقاء والحلفاء ...
ويتوجب علينا اليوم أن نعرف الهدف الحقيقي الذي تم إنشاء الكيان الصهيوني لأجله وتم التعامل معه كاستثمار حسب ما يؤكد الرئيس بايدن .. أين هو الاستثمار ؟ أين الأرباح ؟ فالهدف من أي استثمار أن يجني صاحبه الأموال لا أن ينفقها وحسب .. والغرب ما يزال ينفق على هذا الكيان بسخاء وبلا حساب منذ إنشائه وحتى اليوم .. فمن أين يجني الغرب أرباح هذا الاستثمار ؟؟!!!
لعلكم ما زلتم تذكرون تصريحات الرئيس بوش الأبن عن حربه الصليبية في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول والإلهام الإلهي الذي أتاه وقاده إلى احتلال العراق عام 2003م بلاد ميزفوطاميا بلاد ما بين النهرين مهد الكتاب المقدس ومنشأ الحروب والمعارك المقدسة , فحتى اسم الحرب ينتسب إلى تلك الحربة مثقفة السنان الذي ترونه في الآثار الفراتية المكتشفة منصوباً في محاريب المعابد القديمة في ذلك المهد واسم المعركة نفسه ينتسب إلى العراق كما تنتسب الأعراق إليه أصلا لانتشارها .. وحتى مصطلح النفير العام ينتسب إلى اسم العاصمة الدينية السومرية المقدسة : نفّر (نيبور) ..
فالحروب الصليبية سارت على طريق الحج المسيحي المقدس , وما ثمة حج مسيحي في تلك القدس التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني خادم المصالح الغربية , ثمة حائط لبكاء ونواح الحراديم وحسب ... وللحديث بقية
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat