صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

مفهوم كلمة العرش في القرآن الكريم (ح 1)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن العرش: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا" ﴿يوسف 100﴾ الْعَرْشِ: سرير الملك. وأجْلَسَ أباه وأمه على سرير ملكه بجانبه؛ إكرامًا لهما، وحيَّاه أبواه وإخوته الأحد عشر بالسجود له تحية وتكريمًا، لا عبادة وخضوعًا، وكان ذلك جائزًا في شريعتهم، وقد حَرُم في شريعتنا؛ سدًا لذريعة الشرك بالله. وقال يوسف لأبيه: هذا السجود هو تفسير رؤياي التي قصصتها عليك من قبل في صغري، قد جعلها ربي صدقًا، وقد تفضَّل عليَّ حين أخرجني من السجن، وجاء بكم إليَّ من البادية، من بعد أن أفسد الشيطان رابطة الأخوة بيني وبين إخوتي. إن ربي لطيف التدبير لما يشاء، إنه هو العليم بمصالح عباده، الحكيم في أقواله وأفعاله. قوله جل جلاله "اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ" ﴿الرعد 2﴾ استوى على العرش: استواءً يليق به سبحانه. الله تعالى هو الذي رفع السموات السبع بقدرته من غير عمد كما ترونها، ثم استوى أي علا وارتفع على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، وذلَّل الشمس والقمر لمنافع العباد، كلٌّ منهما يدور في فلكه إلى يوم القيامة. يدبِّر سبحانه أمور الدنيا والآخرة، يوضح لكم الآيات الدالة على قدرته وأنه لا إله إلا هو؛ لتوقنوا بالله والمعاد إليه، فتصدقوا بوعده ووعيده وتُخْلصوا العبادة له وحده. قوله عز وجل "قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا" ﴿الإسراء 42﴾ قل أيها الرسول للمشركين: لو أن مع الله آلهة أخرى، إذًا لطلبَتْ تلك الآلهة طريقًا إلى مغالبة الله ذي العرش العظيم.
وردت كلمة عرش ومشتقاتها في القرآن الكريم: عُرُوشِهَا، مَعْرُوشَاتٍ، الْعَرْشِ، يَعْرِشُونَ، عَرْشُهُ، عَرْشٌ، بِعَرْشِهَا، عَرْشَهَا، عَرْشُكِ. جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (عرش) "معروشات" (الانعام 141) أي مرفوعات على ما يحملها، يقال: عرشت الكرم وعرشته: إذا جعلت تحته قصبا وأشباهه ليمتد عليه، و "غير معروشات" (الانعام 141) من سائر الشجر الذي يعرش، و "العرش" سرير الملك، وقال تعالى: "ورفع أبويه على العرش" (يوسف 100) وقال: "أهكذا عرشك" (النمل 42) و "كان عرشه على الماء" (هود 7) أي ما كان تحته خلق إلا الماء قبل خلق السماوات والأرض وارتفاعه فوقها، والعروش: السقوف، قال تعالى: "وهي خاوية على عروشها" (البقرة 259) (الكهف 43) (الحج 45) أي تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها، تعلق بخاوية، فالمعنى انها ساقطة بأن سقطت سقوفها على الأرض، ثم سقطت حيطانها عليها، وإن كان خبرا بعد خبر، فالمعنى هي خاوية وهي مظلة على عروشها، على معنى ان العروش سقطت على الأرض وبقيت الحيطان مشرفة عليها، وقدم البحث عن ذلك في خوى و "يعرشون" (الاعراف 126) (النحل 68) أي يبنون. قوله تعالى "تعرج الملائكة والروح إليه" (المعارج 4) أي إلى عرشه ومهبط أوامره.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ" (السجدة 4) إنّ المراد من "ستّة أيّام" في هذه الآيات: ستّ مراحل، لأنّ أحد معاني اليوم في المحادثات اليومية: المرحلة، كما نقول: كان النظام المستبدّ يحكمنا بالأمس، واليوم يحكمنا نظام الشورى، في حين أنّ الحكومات المستبدّة كانت تحكم آلاف السنين، إلاّ أنّهم يعبّرون عن تلك المرحلة باليوم. ومن جهة اُخرى، فقد مرّت فترات ومراحل مختلفة على السماء والأرض: فيوماً كانت كلّ كواكب المنظومة الشمسية كتلة واحدة مذابة. وفي يوم آخر إنفصلت السيارات عن الشمس وبدأت تدور حولها. وفي يوم كانت الأرض كتلة نار ملتهبة. وفي يوم آخر أصحبت باردة وجاهزة لحياة النباتات والحيوانات، ثمّ وجدت الكائنات الحيّة عبر مراحل مختلفة. بعد مسألة الخلق تتطرّق الآية إلى مسألة حاكمية الله سبحانه على عالم الوجود، فتقول: إنّ الله تعالى بعد ذلك استوى على عرش قدرته وسيطر على جميع الكائنات "ثمّ استوى على العرش" (السجدة 4). كلمة (العرش) كما قلنا سابقاً، تعني في الأصل الكراسي الطويلة القوائم، وتأتي عادة كناية عن القدرة، كما نقول في تعبيراتنا اليومية: تكسّرت قوائم عرش فلان، أي إنّ قدرته وحكومته قد زالت. بناءً على هذا، فإنّ إستواء الله على العرش لا يراد منه المعنى الجسمي بأن يكون لله عرش كالملوك يجلس عليه، بل بمعنى أنّه خالق عالم الوجود، وكذلك الحاكم على كلّ العالم وتكمّل الآية مراحل التوحيد بالإشارة إلى توحيد (الولاية) و(الشفاعة)، فتقول "ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع" (السجدة 4). فمع هذا الدليل الواضح، بأنّ كونه سبحانه خالقاً دليل على كونه حاكماً، والحاكميّة دليل على توحيد الولي والشفيع والمعبود، فلماذا تنحرفون وتضلّون وتتمسّكون بالأصنام ؟ "أفلا تتذكّرون" في الحقيقة، إنّ المراحل الثلاث للتوحيد التي إنعكست في الآية أعلاه يعتبر كلّ منها دليلا على الاُخرى، فتوحيد الخالقية دليل على توحيد الحاكمية، وتوحيد الحاكمية دليل على توحيد الوليّ والشفيع والمعبود. وهنا طرح بعض المفسّرين سؤال، وهو أنّ الجملة الأخيرة تقول: ما لكم من دون الله من وليّ ولا شفيع، ومعناها أنّ وليّكم وشفيعكم الوحيد هو الله سبحانه وحده، فهل من الممكن أن يشفع أحد عنده؟ ويمكن الإجابة على هذا السؤال من ثلاثة جوانب: 1 ـ بملاحظة أنّ جميع الشفعاء لا يشفعون إلاّ بإذنه تعالى "مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ" (البقرة 255)، يمكن القول بأنّ الشفاعة بالرغم من كونها من قبل الأنبياء وأولياء الله، إلاّ أنّها تعود إلى الله سبحانه، سواء كانت الشفاعة لغفران الذنوب والعفو عن العاصين، أم للوصول إلى النعم الإلهيّة، والشاهد على هذا الكلام الآية التي وردت في بداية سورة (يونس) بمضمون هذه الآية تماماً، حيث تقول "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ" (يونس 3). 2 ـ إنّنا عند التوسّل بالله نتوسّل بصفاته، فنستمدّ من رحمته ورحمانيّته، من كونه غفّاراً غفوراً، ومن فضله وكرمه، فكأنّنا قد جعلناه شفيعاً إلى نفسه، ونعتبر هذه الصفات واسطة بينها وبين ذاته المقدّسة، وإن كانت صفاته عين ذاته في الحقيقة، وهذا هو نفس الشيء الذي جاء في دعاء كميل في عبارة علي عليه السلام العميقة المعنى: (واستشفع بك إلى نفسك). 3 ـ المراد من (الشفيع) هنا: الناصر والمعين، ونحن نعلم أنّ الناصر والوليّ والمعين هوالله وحده، وما قيل من أنّ الشفاعة هنا بمعنى الخلق وتكميل النفوس يعود في الحقيقة إلى نفس هذا المعنى.
جاء في كتاب مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني: "ربّ العرش" وقد ورد لفظ العرش في الذكر الحكيم 22 مّرة واُضيف إليه الرب 6 مرّات قال سبحانه:"عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" (التوبة 129). وقال تعالى "فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الانبياء 22). وقال سبحانه "قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" (المؤمنون 86). وقال عزّ من قائل "فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" (المؤمنون 116) وقال تعالى "اللهُ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" (النمل 26). وقال تعالى "سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الزخرف 82) ثم إنّ الذكر الحكيم يبيّن خصوصيات عرش الرب بتوصيفه بالعظيم تارة وبأنّه له حملة ثمانية اُخرى، يقول تعالى "وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ" (الحاقة 17). وبأنّه تحُفُّه الملائكة ثالثة، يقول تعالى "وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ" (الزمر 75). وقد بلغ العرش في العظمة مكاناً بحيث إنّ الله تعالى يعرّف نفسه به ويقول تعالى "وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ المَجِيد" (الروج 14-15)، ويقول تعالى "رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ" (غافر 15). هذا هو العرش وهذه هي خصوصياته في القرآن المجيد، إنّما الكلام فيما يراد منه في هذه الآيات. أقول: إنّ "العرش" لغة هو سرير الملك ولا تحتاج إلى ذكر نصوص أهل اللّغة. قال سبحانه: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ" (يوسف 100) وقال سبحانه في ملكة سبأ: "وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ" (النمل 23) وقال سبحانه: "أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ" (النمل 38)، "قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ" (النمل 41). وبما أنّ الأصل في العرش هو الارتفاع. قال سبحانه: "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ" (الانعام 141). وربّما يطلق على البناء المرتفع. قال ابن فارس: العريش: بناء من قضبان يرفع ويؤلّف حتى يظلل، وقيل للنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم يوم بدر: ألا نبني لك عريشاً. وكل بناء يستظل به عرش وعريش، ويقال لسقف البيت عرش. قال تعالى: "فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا" (الحج 45) والمعنى أنّ السقف يسقط ثمّ يتهافت على الجدران ساقطة، ومن هذا الباب العريش وهو شبه الهودج يتخذ للمرأة تقعد فيه على بعيرها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/02/02



كتابة تعليق لموضوع : مفهوم كلمة العرش في القرآن الكريم (ح 1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net