هجرة العقول العراقية والعربية: اسبابها ونتائجها وحلولها
محمد الربيعي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الربيعي

في العالم لا يختلف اثنان حول خطورة هجرة العقول والكفاءات المهاجرة، فشأن هذا الموضوع شأن المواضيع الساخنة الاخرى التي تعرقل حل المشاكل والقضاء على الازمات ودفع مسيرة التطور الاقتصادي والاجتماعي الى الامام. وفي صدد تقديم اجوبة شافية للاسباب الداعية لهجرة الادمغة العراقية، وبصورة عامة العربية، ساحاول في هذه المقالة الاجابة عن بعض الاسئلة حول تاريخ ودوافع الهجرة وانواعها وعن اسباب الهجرة وعجز العراق من الاستفادة من كفاءات الخارج.. لماذا يترك الموهوبون بلادهم ويهاجرون؟ ما هي عواقب مثل هذه الهجرات خاصة على قطاع التعليم؟ ما هي السياسات التي يمكن اعتمادها لوقف مثل هذه الهجرات من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة؟
ما هي هجرة العقول؟
هجرة العقول هي ظاهرة تتمثل في انتقال الأفراد ذوي المهارات العالية من بلد إلى آخر، مما يسبب فقداناً للقوى العاملة والإمكانات الاقتصادية للبلدان المصدرة (1). يمكن أن يحدث هذا لعدة أسباب، بما في ذلك:
- الفرص المهنية: قد يبحث الأفراد ذوو المهارات العالية عن فرص عمل أفضل في بلدان أخرى، حيث قد تكون الرواتب أعلى أو الفرص أكثر تنوعا.
- الظروف السياسية والاقتصادية: قد يهاجر الأفراد ذوو المهارات العالية من البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي.
- العوامل الاجتماعية والثقافية: قد يهاجر الأفراد ذوو المهارات العالية من البلدان التي لا تلبي احتياجاتهم الاجتماعية أو الثقافية.
يمكن أن يكون لهجرة العقول تأثير سلبي كبير على البلدان المصدرة، فيمكن أن تؤدي إلى انخفاض الإنتاجية والابتكار، وزيادة البطالة، وانخفاض القدرة التنافسية.
تشير العديد من الدراسات إلى ظاهرة هجرة العقول العربية، لكن معظمها يعتمد على بيانات من دراسات سابقة. من الدراسات المهمة في هذا المجال دراسة الجامعة العربية (2)، التي تشير إلى أن فرنسا تستقبل 40% من العقول المهاجرة، والولايات المتحدة 23%، وكندا 10% ، ويقدر أن هجرة العقول تكلف الدول العربية ما لا يقل عن 200 مليار دولار سنوياً.
الهجرة حلم الباحثين العرب
يشير تقرير لمركز الخليج للدراسات الستراتيجية (3) إلى أن استطلاعا حديثا أجراه المركز شمل 1000 باحث في العالم العربي، وجد أن 91٪ منهم يرغبون في الهجر. ومن بين هؤلاء، ذكر 68٪ أنهم يرغبون في الذهاب إلى أوروبا، و55٪ إلى أمريكا الشمالية. كما يشير التقرير إلى أن الدوافع المالية لا تأتي دائما في المقدمة بالنسبة للباحثين العرب الذين يرغبون في الهجرة. ففي الدول الخليجية، ذكر 62٪ من الباحثين أنهم يريدون السفر إلى الخارج للاستفادة من المزيد من الحرية الأكاديمية، بينما ذكر 26٪ فقط أن دوافعهم تتعلق بدفع أجور أعلى.
تاريخ هجرة العراقيين
يتناول الدكتور عبد الحسين شعبان في مقالته على موقع الجزيرة (4) تاريخ هجرة العراقيين منذ تأسيس المملكة العراقية في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي شملت المسيحيين واليهود بشكل خاص. ويذكر أن الوضع السياسي المضطرب بعد انقلاب حزب البعث واندلاع الحرب مع إيران كان سببا آخر للهجرة. ويشير إلى أن الحصار الاقتصادي أجبر مئات الآلاف على مغادرة العراق بسبب فقدان الأمل في التغيير. ويستعرض أثار الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، والذي أدى إلى هجرة كبيرة بسبب التفجيرات ووجود الميليشيات. ويذكر إن عام 2006 كان أسوأ عام للهجرة، بينما تحسن الوضع قليلا في عام 2007، وعاد بعض العراقيين إلى بلادهم. ويعتقد أن هناك حوالي أربعة ملايين عراقي يتواجدون في الشتات، بالإضافة إلى ستة ملايين نزحوا داخليا بسبب داعش، لكن معظمهم رجعوا إلى مناطقهم. ويلفت الاهتمام إلى استمرار هجرة الأكراد إلى أوروبا، وزيادة عدد الضحايا جراء ذلك. ويبلغنا الكاتب إن العراقيين هاجروا بشكل أكبر وأسرع من غيرهم من العرب، سواء من لبنان أو سوريا، اللذين هاجرا قبلهم بوقت طويل.
في المقال نفسه، يذكر شعبان أن الهجرة العراقية لم تتوقف عن الارتفاع سنة بعد سنة، بسبب الظروف المعيشية الصعبة والأزمات السياسية والفقر والبطالة. فمثلاً، أصبح عدد العراقيين الذين يهاجرون إلى أستراليا أكثر من عدد الهنود وغيرهم، مقارنة بما كانوا عليه في بداية التسعينات.
يصنف شعبان الهجرات التي شهدها العراق في الزمن الحاضر إلى ست فترات رئيسية، أدت إلى خروج ملايين العراقيين من بلادهم. هذه الفترات هي: هجرة نهاية السبعينات بسبب الإضطهاد، هجرة حرب الخليج، هجرة تشريد الأسر العراقية، هجرة احتلال الكويت، هجرة سقوط الديكتاتورية، وهجرة التهجير الداخلي والخارجي للمسيحيين وغيرهم من الأقليات.
نسب المهاجرين إلى الدول الأوروبية ونسبة الكفاءات
وفقا لتقرير من المفوضية الأوروبية (5)، تختلف نسبة المهاجرين والكفاءات بين الدول الأوروبية باختلاف حجمها وسكانها. نلاحظ أن الدول الأوروبية المتقدمة التي تستطيع استيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين مقارنة بسكانها تجذب معظم الهجرات. مثلا، في لوكسمبرغ التي يبلغ عدد سكانها حوالي 650 ألف نسمة، يشكل المهاجرون نحو نصف هذا الرقم. أما في المملكة المتحدة التي يبلغ عدد سكانها 67 مليون نسمة، فإن نسبة المهاجرين لا تزيد عن 13.5%، وما يعادل أكثر من 9 ملايين مهاجر. لكن هذه العلاقة بين حجم الدولة ونسبة المهاجرين ليست ثابتة في جميع الدول الأوروبية، فهناك عوامل أخرى تؤثر على توزيع المهاجرين على البلدان الأوروبية، مثل اللغة وفرص العمل والثقافة الاجتماعية وسهولة الوصول وطلب اللجوء. كما أن العلاقات الأوروبية المشتركة تلعب دورا في تحديد عدد اللاجئين في كل دولة.
ووفقا لتقرير "هجرة الأدمغة" الذي أصدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (6)، فإن نسب هجرة الأفراد ذوي المهارات العالية تفوق نسب هجرة الأفراد ذوي المهارات الضعيفة في معظم الدول. يظهر هذا التحيز في المهارات في نسب الهجرة بشكل واضح في الدول ذات الدخل المنخفض. تعاني الدول الصغيرة والفقيرة من أعلى نسب هجرة الأدمغة فتفقد هذه الدول التي تضررت بشدة بهجرة أكثر من 80٪ من "أدمغتها" إلى خارج حدودها مثل هايتي وجامايكا والعديد من الدول الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة. هناك حوالي 20 دولة أخرى تخسر بين ثلث ونصف خريجي جامعاتها. معظم هذه الدول في أفريقيا جنوب الصحراء (مثل ليبيريا وسيراليون والصومال) وآسيا (مثل أفغانستان وكمبوديا). وتعتبر بعض الدول الصغيرة ذات الدخل المرتفع، مثل هونغ كونغ وأيرلندا، استثناءات.
مؤشر هجرة العقول
يقيس مؤشر هجرة العقول (7) الآثار الاقتصادية لانتقال البشر (لأسباب سياسية أو اقتصادية) وكيف يؤثر ذلك على تطور الدولة. كلما كان المؤشر أعلى، كانت الهجرة أكثر. هذا التفسير مبني على نتائج 177 دولة لسنة 2022. المتوسط العالمي للمؤشر هو 5.21. أعلى الدول العربية في مؤشر الهجرة والتي تنتمي إلى أعلى 20 دولة هي فلسطين وسوريا والسودان. بينما تحتل المغرب موقعا متقدما بمؤشر 7.40 والعراق قريب منه بمؤشر 6.40.