صفحة الكاتب : سالم مشكور

الفساد في القطاع الخاص أيضاً
سالم مشكور

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا يمكن القبول بتحكم دولة أخرى بنشاط عراقي سواء أكان رسميا أم خاصاً، كما حدث مع شركة فلاي بغداد مؤخراً، لكن سوء أداء هذه الشركة واستهانتها بمصالح الركاب وكراماتهم، لم يترك أمام الناس فرصة لرفض الإجراء الاميركي والتعاطف مع الشركة، بل يبدو الارتياح واضحاً حيال الضربة التي تلقتها الشركة وأدى إلى وقف نشاطها.

وكم تمنينا أن يأتي الإجراء العقابي من الحكومة العراقية، استجابة لاستغاثات الناس، وصوناً لحقوقهم التي طالما تعاملت معها هذه الشركة بازدراء واستهانة لاطمئنانها بأنها محمية من أي عقاب. الخزانة الاميركية لم تفرض عقوباتها على هذه الشركة، بسبب تقصيرها في عملها وسوء تعاملها وخدماتها، إنما لأسباب تتعلق بمصالح السياسة الأميركية حصراً. لم يشفع لشركة فلاي بغداد أنها كانت «تدلّل» الاميركان عبر تولي نقل قطعاتهم العسكرية في قاعدة عين الأسد وأربيل، كما كشف عنه المتحدث باسم الشركة في برنامج تلفزيوني، ولم يجنبها ذلك الإجراء الاميركي.

الشكوى من الشركة لا تقتصر على ركاب رحلاتها الدائم من تأخر مواعيدها بشكل مستمر ولساعات طويلة، دون اعتذار أو تعويض لركابها، بل تمتد الشكوى إلى موظفين في المطار والخطوط الجوية العراقية، اذ يؤكدون أن الشركة زحفت على مساحة وحقوق العراقية، وهي تحصل على ما تريد بإشارة منها، فلا طلب لها يردّه المسؤولون ولا خطوط نقل تريدها الّا ووافق على ذلك المسؤولون فوراً. يبدو أن «الغطاء» السياسي كان يدفع الشركة إلى التقصير في خدماتها، دون خوف من إجراء ضدها. وما كشفه المتحدث باسم الشركة عن توليها نقل الجنود الأميركيين في العراق يكشف أن هذه الشركة كانت موهومة بغطاء أميركي أيضا، يحميها من أية مساءلة عن تقصير، فكان الإجراء من الجانب الأميركي لا من الحكومة العراقية.

موضوع فلاي بغداد والشكوى الدائمة منها دون أي اجراء حكومي ضدها، يجب أن يفتح ملف القطاع الخاص، وقدرته على العمل بكفاءة ونزاهة في ظل الفساد. في الدول ذات الاقتصاد الحر يكون القطاع الخاص هو عماد النظام الاقتصادي، وواجب الحكومة هو تقديم التسهيلات لهذا القطاع، ليتمكن من العمل دون معوقات. في المقابل فان الحكومة تقوم بمراقبة أداء القطاع الخاص لتضمن الالتزام بالقوانين والضوابط خصوصا المتعلقة بجودة السلع والخدمات.

في الولايات المتحدة مثلا يوجد مكتب مراقبة باسم «مكتب الجودة» مهمته مراقبة أداء القطاع الخاص، وبمكان كل مستفيد تقديم الشكوى لهذا المكتب ضد أية مؤسسة أو شركة تقصّر مع المستهلك، وهناك عقوبات شديدة ضد المقصّرين تجعلهم يجهدون في تحسين أدائهم ومستوى خدماتهم. من أساسيات الاقتصاد الحر وجود المنافسة العادلة بين منتجي السلع والخدمات، وهو ما يؤدي إلى المنافسة في الجودة والاسعار. فهل كانت لدينا شركة طيران خاصة إلى جانب فلاي بغداد؟ أليس هذا مدعاة للسؤال عن الاسباب؟

آليات تنظيم عمل القطاع الخاص ومراقبة أدائه لن تكون مجدية بوجود الفساد. فأصحاب الشركات يسعون إلى تقليل إنفاقهم وزيادة أرباحهم، وهو ما يقلل من مستوى جودة سلعهم وخدماتهم، وفي ظل الفساد والغطاء الذي يؤمنه مسؤول فاسد أو جهة حزبية أو حكومية، سيتمكن المستثمر من تحاشي أية عقوبات أو محاسبة حكومية له بسبب تقصيره. السياسي أو المسؤول الفاسد يقدم هذه «الخدمة» للمستثمر لقاء حصة أو رشوة والنتيجة هي أن القطاع الخاص يكون قد انخرط بالفساد ذاته، الذي يمنع المؤسسة الحكومية من تقديم الخدمة بالشكل المطلوب.

القطاع العام بترهله وابتلائه بفساد ضمير لدى كثير من العاملين والمسؤولين فيه لا يمكنه تقديم خدمة حقيقية، لكن القطاع الخاص سيعجز عن ذلك أيضا في ظل الغطاء، الذي يؤمنه فاسدون كبار لمستثمرين مقصّرين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سالم مشكور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/01/31



كتابة تعليق لموضوع : الفساد في القطاع الخاص أيضاً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net