صفحة الكاتب : حسن كاظم الفتال

ثنائيات المكونات البشرية العبادية
حسن كاظم الفتال

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من سلالة من طين : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ) ـ المؤمنون /12

وابتدأ الإنعام والمَن عليه بأن زينه بجوهرة العقل وتلك نعمة من أفضل وأتم وأعظم النعم الإلهية التي انعم الله جل وعلا بها على الإنسان وجعل هذه الجوهرة (العقل) موردا للثواب والعقاب تملكت الإنسان لتميزه أفضل تمييز عن باقي المخلوقات ولعلها من أبرز وأهم أمارة من أمارات التكريم التي خص الله بها الإنسان وأثبت مكانة آدميته وهذا ما بينه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) ـ الإسراء/70.

هذه النعمة أي العقل يمكن ان تكون صيرورة من صيرورات السعادة ومنشؤها هو داخل كيان الإنسان .

والعقل يمثل وظيفة الإنسانية بل يفصح عن كينونة الإنسان ويعكس للآخرين بهاء صورته الحقيقة ويظهر معالم الرقي ومراتب التألق واللياقة .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى‏ خَلَقَ العَقلَ مِن نورٍ مَخزونٍ مَكنونٍ في سابِقِ عِلمِهِ الّذي لَم يَطَّلِع عَلَيهِ نَبِيٌّ مُرسَلٌ ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، فجَعَلَ العِلمَ نَفسَهُ ، والفَهمَ روحَهُ ، والزُّهدَ رَأسَهُ ، والحَياءَ عَينَيهِ ، والحِكمَةَ لِسانَهُ ، والرَّأفَةَ فَمَهُ ، والرَّحمَةَ قَلبَهُ . ثُمَّ حَشاهُ وقَوّاهُ بِعَشرَةِ أشياءَ : بِاليَقينِ ، والإيمانِ ، والصِّدقِ ، والسَّكِينَةِ، والإخلاصِ، والرِّفقِ، والعَطِيَّةِ، والقُنوعِ، والتَّسليمِ، والشُّكرِ) .

وجاء عن أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه قوله : ( عقل المرء نظامه، وأدبه قوامه، وصدقه إمامه، وشكره تمامه ) وقال صلوات الله عليه: ( من قعد به العقل قام به الجهل )

 

ثلاثية العقل والفطرة والحواس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين تدعونا الضرورة أن نختار مكملا للعقل ليجري مجراه ويماثله أو يساويه في العمل والتعاطي أو يظهر ويبرز أهمية العقل فلعل بوسعنا أن نختار الفطرة لتؤاخي العقل وذلك ما يُكَوِّن اتحاد النفس بالعقل

والفطرة السليمة هي خلق من خلق الله لازمت تكوين الإنسان

( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) ـ الروم /30

وهي زعيمة الإنسان تسوق صاحبها إلى كل ما هو حَسَن وتحجب حاملها عن ارتكاب الخطيئة وتجنبه إطاعة الغرائز والنزوات وتحضه على أن يتخذ من الاستقامة بوصلة تحدد له المسار الصحيح والسلوك القويم باتباع الأمر الإلهي.

وكلما كانت الفطرة سليمة كانت النفس أزهى نقاءً وأكثر عصية على وسوسات الشياطين وأشد مقاومة وصمودا أمام عواصف الصراعات النفسية وهول التحديات والتداعيات وترشد إلى نيل كل ما هو فاضل أو أفضل وأجود وأحسن وربما يتخذ الفرد منها نقطة شروعٍ إلى معرفة الله جل وعلا لأنه الخالق والمانح الفطرة السليمة مما يحتم على الإنسان أن يكون اشد ميلا لتطبيق الاحكام السماوية تطبيقا حرفيا وبرغبة جامحة.

يحسب بعض العقلاء أن الفطرة السليمة قد لا تؤدي دورها وتترك أثرها الإنساني إلا عندما تندمج مع العقل الناصح المعافى في إعطاء الإيعازات للنفس اللوامة لتنتج وعيا وحصانة يبلغ من خلالها صاحب تلك النفس درجة من درجات الكمال الإنساني .

ربما إن ثمة معاييرَ تستوجب توفرَها واتباعَها لجعلها سبيلا يتم من خلاله بلوغ السلوك السوي والإعتدال التام الذي يؤدي الإنسان به دوره الآدمي وتندرس آثار السوء والخطايا والموبقات والإفساد وتعم المنفعة وتنتشر الفضيلة.

ويعتقد بعض أصحاب الشأن أن ذلك يمكن ان يتحقق عندما تتحد الفطرة مع العقل في الإنسان فتوفر له القابلية الكافية على التمييز والتحكم بالسلوك الإنساني وتحدد السلوك السوي القويم وتصبح اداةً لتسيير الانسان نحو تأسيس الفلاح .

ولولا أداة الفرز هذه لأصبح الإنسان تائها في وديان السهو والغفلة دون أن يتقي أو يتجنب الموبقات إنما يحيا غارقا في نزواته ولهواته متبعا شهواته التي تسوقه إلى الهلاك لا يقوى على التمسك بملكة التمييز والفصل بين ما هو صالح وما هو طالح بين الحق والباطل وبين الصواب والخطأ وبين ما هو نافع ومفيد وما هو ضار

ولولا جوهرة العقل لما كان للإنسان أي فائدة لوجوده ولَفَسُد كل عمل وكل عَمار واستصلاح للأرض وما فيها

وامتلاكه لهذه الجوهرة مكنه من الاستخلاف ليكون خليفة الله في الأرض : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) ـ البقرة /30

 

وللطبائع بوصلة في الإتجاهات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وثمة سمة أخرى تشارك العقل والفطرة في كيان البشر ألا وهي الطبائع أو السجايا أو الصفات التي تتجمع وتتحد لتستقر في أعماق كل شخص

وهذه الطبائع والسجايا والصفات منها ما هو فطري مما جُبِل عليها الانسان ومنها ما يكتسب بالوراثة أو بالتدريج بمرور الزمن ومعاصرة المجتمعات .

تتبعها الحواس والغرائز . كل ذلك تتمحور به شخصية الانسان وكيانه

ومثلما أن كل طبيعة أو سجية أو غريزة لها بعدها الخاص فقد تمثلت بمرادفات ومضادات .

فالحب يقابله الكره والخير يقابله الشر والصلاح يقابله الفساد وهكذا . وما على الإنسان إلا أن لا ينساق إلا لعقله السليم وفطرته ويتخذ منها غربالا إن صح التعبير فيغربل تلك المرادفات والمتضادات ليحصل على كل ما هو صالح ونقي لا شائبة فيه .

وقد جاء عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه ( لتُغربَلُن حتى لا يبقى منكم إلا الأندر ).

ومجمل ما تقدم في البحث يمكن أن يكون فرضا يلقي علينا الحجة التي ندرك من خلالها تماما إن كل هذه الصفات والطبائع والحواس المشتركة مع العقل والفطرة وسلامة القلب التي هي من أنعم الله جل وعلا وهبنا إياها جميعا الخالق البارئ الرؤوف الرحيم

وهذا ما يقضي علينا أن نوظفها جميعا أفضل توظيف لمعرفة الله جل وعلا أولا ونعد أنفسنا أفضل إعداد للعبادة ونحسن الاستجابة لقول الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ـ الذاريات /56 وحسن العبادة وصحة صيغها أن نجيد تطبيق كل ما تفرضه السماء علينا من أحكام وفرائض وكذلك نجيد عملية التعاطي مع مجريات الحياة اليومية بكل ما يرضي الله من صلاح وصفاء ونقاء ليصبح المجتمع مجتمع فضيلة

يسلك السبيل للوصول إلى الصراط المستقيم


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن كاظم الفتال
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/01/22



كتابة تعليق لموضوع : ثنائيات المكونات البشرية العبادية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net