صفحة الكاتب : عادل علي عبيد

الشاعر علي الياسري .. مظان التجلي
عادل علي عبيد

ورقتي التي المحت لبعض فقراتها مساء اليوم والتي قدمتها ضمن الاحتفالية التي اقامها منتدى الزبير الادبي في قاعة جمعية المكتبة الاهلية في الزبير لمناسبة فوز الشاعر المبدع علي الياسري بجائزة شاعر الشباب العرب التي اشرفت عليها الجامعة العربية بمشاركة شعراء من الدول العربية .

 في الابداع تتحقق قدرات المبدع على استخدام واستثمار مهاراته العقلية ، التي تمهد لاستقطاب مهارات جديدة ، وافكار اخرى تدخل ضمن دائرة الهضم والخلق التي تفضي لأفكار جديدة . هكذا يكسر الابداع الاطواق التقليدية ، والمشاهد النمطية للسلوك ، كما يكسر اوثان واصنام الوراثة . لذلك يصبح الابداع كراهن يمتلك قدحة التطور لدى المبدعين . وهنا تنبثق مرحلة جديدة للإبداع تندرج في حجم المقدرة على ايجاد الافكار ، ولا باس ان نقول : صناعة الافكار . فضلا عن ايجاد الحلول والبدائل والمعالجات .

وقد يؤدي هذا الابداع الى مرحلة حساسة ومهمة ، تلك هي مرحلة الابتكار بعدما يعطف بوصلته ويوجه كشافاته ، املا بالوصول الى الافكار ذاتها ، والبحث عنها ، وايجادها وحصرها ضمن رؤى ومفاهيم جديدة ، ويحرص هنا على تهذيبها وتعضيدها وبلورتها ، وصولا الى دخولها ضمن الدائرة الانتاجية .
الذي اثارني هنا في قصيدة الشاعر علي الياسري ( اليوم الاول في الجنة )هو تمازج حالة الابداع والابتكار ضمن نصه ، لا اقول من انني قرأت نصا يتميز به شعر الياسري عن بقية قصائده ، فهو شاعر صانع ذكي متمكن من نصه وادواته ، بقدر ما اقول – وليسمح لي هنا – ان هنالك قصائد جسدها (علي ) هي افضل وابصر واكثر ابداعا من نصه ، وعذرا ، فهذا الراي على الرغم من انه يحرك بعض المكامن في محمول شاعرنا المبدع ، الا انه يحسب له في مجال ترسيخ الابداع كسمة غالبة على النص ، أي نص .
واذا كان بعض الشعراء قد وصف ورمم مشهدا او صورة او عالما لم يعيشه ، او وصف البعض الآخر من الشعراء الاستثنائيين البحر ولم يركبه ، ووصف الخمرة خير وصف وهو لم يحتسها او يشربها . فاجد ان عليا هنا قد فعلها ، بل ان امورا اخرى لم تكن البتة ضمن حياته التي اعرفها عن قرب ! فالحديث عن الزوجة والاطفال والبيت والجنة حديث لم يلجه الشاعر او يخضه في حياته ، ولكن الخصب الذي تمتلكه ثقافته في استلهام ما يحيطه من مفاصل اساسية وقائمة في الحياة ، جعله يحلق بعيدا ليقطف الاوراق الخضر من تلك العوالم المتوارية خلف سدم الذاكرة واقاصي الاحتمال .
انا احبس انفاسي هنا لهذا لذكاء الاستثنائي من خلال المناورة بين توظيف الصورة وتصدير الشاعرية الذي اعتمده الشاعر ، بعدما ضرب واقام اطناب خيامه ، وسلط كشافات بوصلته على مساحات معتمة من خلال استشراف الصورة ، فقّرب البعيد ، وابعد القريب ، بل طاف وهاجر وحلق ليستجلب النائي ويجعله ضمن دائرة القائم الشاخص ! فاشتغل على مفهوم العود الابدي والحتمية التاريخية بطريقة ثانية غريبة ، من خلال عالمه الطوبائي الجديد . ليعلن ويقول : بضرس قاطع جريء : ان حياتنا الفانية جميلة جدا ، وتستحق ان نلتفت اليها ، ولو حللنا في الجنان ، فهناك ما يستحق الاسف على الجمال القديم ، الذي يتمثل ببيت في حي شعبي يؤكده ويتوجه بعبارة (للغاية) حتى تصورت انه يقصد بيتا في منطقة (الحواسم) كما يسمونها . ولكن هذا البيت معزز بتوابل زمن الشاعر ، مثل الشجار العائلي ، الطفلة التي تلعب امام الباب ، الخوفُ من لص طيب ، وبيت تنقصهُ امرأةٌ محاطةٌ بالأواني ، ترتدي دشداشةٍ قصيرة مملوءةٍ برائحة البصل في مطبخ بالكاد ، امرأةٌ تغرقُ في أزيز الزيتِ على النار ، وتنتظر خلف الباب طفلها العائدَ من المدرسة، يصفعها زوجٌ عصبي، لخطئها في مقدار الملح، لكنه نسى اللطمةَ، بعد ثوانٍ، بسبب كلماتهِ المالحة ! ... ويسترسل شاعرنا المبدع وبطريقة توظيف الحكاية الجميلة المعززة بعنصر المفارقة ، التي تجبرك على مسك آخر تلابيبها ، خوفا من ان يفلت منك مشهدا جميلا ليصور ويحن على حياة بيت الدنيا الجميل ، مقارنة ببيت الجنة الجديد . فيجعل صراخ الزوجة على زوجها الميت جميلا حين تغرب بعض الاستحضارات والتهويمات عن افقك ، ويعود ليشهر حنينا غريبا حتى على العتمة والموت والسواد ورائحة الغذاء المحروق على الطباخ . وهو هنا وبطريقة حاذقة معززة بالحيرة الوردية يحسم نصه الذكي بتحدٍ ، يجهر به يقول : ولكن ، من ذا يقول ؟
وهكذا يختم الشاعر المبدع نصه الرصين بالتلويح لاستدرار دهشة القارئ ، واسقاط اوراق التوقعات والاحتمالات بطريقة مبنية على اليقين .. ليس سوى اليقين .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عادل علي عبيد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/12/30



كتابة تعليق لموضوع : الشاعر علي الياسري .. مظان التجلي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net