صفحة الكاتب : د . شامل محسن هادي مباركه

بعض أسرار حرب الخليج الثالثة من أرشيف الأمن القومي الأمريكي
د . شامل محسن هادي مباركه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

بين الحين والآخر، تنشر وكالة الأمن القومي الأمريكي مقتطفات عن ملفات حساسة؛ أحد أهم وأخطر الملفات هو حرب الخليج الثالثة، والتي حدثت في ٢٠ آذار ٢٠٠٣، التي أطاحت بالدكتاتور صدام حسين، بعد أن جعل شعب العراق بين مقابر جماعية وسجون وتهجير.

تتحدث التسريبات عن رؤية القيادة المركزية للولايات المتحدة الأمريكية والتي يُطلق عليها "سينتكوم CENTCOM" بقيادة الجنرال البحري السابق أنتوني زيني ومخطط غزو العراق تحت أسم "معبر الصحراء" (Desert Crossing)، من خلال سلسلة من المناورات التي أُجريت في ١٩٩٩، لتقييم نتائج الحرب المحتملة. كان هدف الحرب هو الإطاحة بصدام حسين ونظامه الدكتاتوري الدموي.

كشفت الاسرار تقييماً لمرحلتين: ما قبل الحرب بين نيسان وآيار من عام ١٩٩٩ وما بعد حزيران وتموز من نفس العام. (راجع الدراسة Post - Saddam Iraq: The War Game Desert Crossing, جون برادوس)

إختبرت المناورات الحربية في معركة "معبر الصحراء"، والتي كانت بمثابة دراسة لجزء من خطة الحرب الرئيسية المستقبلية مع العراق، السيناريوهات "الأسوأ" و"الأكثر ترجيحاً" لمرحلة ما بعد الحرب، وما بعد صدام. 

المناورات خلُصت إلى استنتاجات متشائمة بشأن النتائج المباشرة المحتملة لمثل هذه الحرب. من المثير للاهتمام أن بعض هذه الاستنتاجات تشبه الأحداث التي وقعت بالفعل بعد الإطاحة بصدام. 

قُدِّمت توصيات لمزيد من التخطيط فيما يتعلق بتغيير النظام في العراق قبل الشروع فيه. كانت إنتاجًا مشتركًا بين وكالة الأمن القومي و بمساعدة وزارتي الدفاع والخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية، مع جهات أخرى لم تُسمِها الوكالة.

التوصيات:

١- تغيير النظام قد يسبب عدم استقرار إقليمي من خلال فتح الأبواب أمام "القوى المتنافسة التي تسعى إلى السلطة" والتي بدورها يمكن أن تسبب "تجزئة مجتمعية على أسس دينية و/أو عرقية" 

٢- استعداء الدول الأقليمية 

٣- هناك مخاوف من أن الحدود الآمنة واستعادة النظام المدني قد لا تكون كافية لتحقيق الاستقرار في العراق إذا تم النظر إلى الحكومة البديلة على أنها ضعيفة، أو خاضعة لقوى خارجية، أو بعيدة عن التواصل مع الحكومات الإقليمية الأخرى. 

٤- استراتيجية الخروج من العراق ستكون معقدة، بسبب اختلاف الرؤى لعراق ما بعد صدام بين الأطراف المشاركة في الصراع.

٥- قدمت صورة تشاؤمية عند مناقشة طبيعة الحكومة العراقية الجديدة. إذا قامت الولايات المتحدة بتشكيل حكومة انتقالية، فمن المرجح أن تواجه صعوبة.

٦- سفك الدماء على نطاق واسع حيث تسعى مختلف الفصائل إلى القضاء على أعدائها.

٧- إنشاء حكومة ديمقراطية في العراق ليس أمرا ممكنا، ولكن قد يكون من الممكن تشكيل حكومة عراقية تعددية جديدة تضم زعماء قوميين، مما يشير إلى أن الزعماء القوميين يمثلون قوة استقرار. 

٨- اقترحت التوصيات أن يكون الدور الأمريكي مساعداً في تشكيل الحكومة الانتقالية في العراق.

عند إلقاء محاضرته في معهد الشرق الأوسط في تشرين الأول ٢٠٠٢، إعترض الجنرال زيني على وجهة النظر القائلة بأن الحرب إما حتميةٌ أو مرغوبٌ بها. حول مسألة تشكيل حكومة جديدة لتحل محل صدام حسين قال "كان الله في عوننا إذا اعتقدنا أن هذا التحول سيحدث بسهولة". 

استخف زيني، كما يقول، بآراء مؤيدي الحرب الذين قللوا من أهمية رؤيته: "لست متأكداً من الكوكب الذي يعيشون عليه، لأنه ليس الكوكب الذي أنا أعيش عليه". 

بعد الانتهاء من محاضرته، أجاب على سؤالٍ: من الضروري التعامل مع ملف صدام حسين "في نهاية المطاف"، إلا أن ذلك "يمكن أن يحدث بعدة طرق" باستثناء الحرب.

تبنى الحاكم المدني پول بريمر بعض ما كان يعتقده زيني، من المشاركة الأمريكية في تشكيل حكومة مؤقتة، و جعل شخصيات عشائرية وقومية تدير البلاد، مع نظام محاصصة طائفي و عرقي، وغيرها. (راجع كتاب "عام قضيته في العراق"، پول بريمر)

حاول پول بريمر انشاء نظام يستطيع من خلاله تشكيل حكومة مؤقتة، لكنه واجه رفضاً شديداً من آية الله العظمى السيستاني، فبعث السيستاني رسائل تهديد الى سلطة الاحتلال  في"فسح المجال امام العراقيين ليحكموا بانفسهم من دون تدخل في شؤونه". (راجع مقال صحيفة لوس انجلوس تايمز U.S. Ignores This Ayatollah in Iraq at Its Own Peril في ١٦ تشرين الثاني ٢٠٠٣).

لم يكتفِ الحاكم المدني بذلك، حاول ان يجعل قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية دستوراً دائمياً، مما دفع السيستاني لان يبعث الى مجلس الأمن رسالة يطالب "بعدم ذكر قانون الادارة المؤقت في قرار الامم المتحدة، لانه كُتِبَ تحت تأثير الاحتلال، وانه لا يتفق مع القانون، ويرفضه أغلبية الشعب العراقي". في ٢٣ آذار ٢٠٠٤، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً: "النضال من أجل العراق: السياسة؛ آية الله الشيعي يحذر الأمم المتحدة من المصادقة على دستورٍ ترعاه الولايات المتحدة"، (The Struggle for Iraq: Politics; Shiite Ayatollah is Warning U.N. Against Endorsing Charter Sponsored by U.S).

يذكر المقال: حذر رجل الدين الشيعي الأكثر نفوذاً في العراق، السيستاني، من "عواقب وخيمة" إذا أيدت الأمم المتحدة الدستور المؤقت الذي ترعاه الولايات المتحدة لعراق مستقل والذي تم تبنيه على خلفية الاحتجاجات الشيعية قبل أسبوعين.

شعرت امريكا و الدول المتحالفة معها بخطورة المرحلة، فقرر مجلس الأمن تسليم السيادة للعراقيين بقراره المرقم ١٥٤٦، مع اعطاء حرية للشعب العراقي بتحديد آلية تشكيل حكومة مؤقتة للتمهيد لانتخابات برلمانية عامة، ثم كتابة دستور دائم للبلد. (راجع  الرابط على صفحة الامم المتحدة، المكتبة الإلكترونية، Resolution 1546 (2004) / adopted by the Security Council at its 4987th meeting, بتاريخ ٨ حزيران ٢٠٠٤)،

ينص القرار: يؤيد مجلس الامن تشكيل حكومة مؤقتة ذات سيادة للعراق، والتي ستتولى المسؤولية والسلطة الكاملة بحلول ٣٠ حزيران ٢٠٠٤ لحكم العراق مع الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات تؤثر على مصير العراق بعد الفترة الانتقالية المحدودة حتى يتم تشكيل حكومة انتقالية منتخبة.

لو لم يكن المرجع السيستاني دام ظله حاضراً، لاصبح العراق ولاية أمريكية، حالُهُ حال الدول المنبطحة للسياسة الأمريكية كالاردن ومصر، وغيرها من بلدان العالم.

العراق وشعبه مدينٌ للسيستاني، فقد حافظ المرجع الأعلى على استقلال العراق، و أعادَ كرامةَ الشعب وعزته بعد ظُلمٍ تجاوز ثلاثة عقود في ظل حكم البعث الشمولي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . شامل محسن هادي مباركه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/12/30



كتابة تعليق لموضوع : بعض أسرار حرب الخليج الثالثة من أرشيف الأمن القومي الأمريكي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net