قراءة في كتاب ( السيدة زينب - عقيلة بني هاشم ) للكاتبة المصرية « بنت الشاطىء » ( ٣ )
يحيى غالي ياسين
يحيى غالي ياسين
الحالة الوجدانية الحزينة التي تختزنها الكاتبة اتجاه السيدة زينب ؏ وما جرى على أهل البيت ؏ كانت حاضرة مع أولى الحروف التي خطتها عن حياة السيّدة ، وهذا ما حدى بها أن تمزج أخبار سعادة ولادة السيدة بنبوءات ذاعت عند مولدها تشير الى دورها الفاجع في مأساة كربلاء ، فلم تخفِ هذه الحقائق التاريخية مثلما حاول أن يخفيها أو يكذّبها غيرها ..
نعم وبطريقة ذكية استدلّت على صحّة تاريخية هذه النبوءات وبعبارات سلسة ، فتقول مثلاً : ( ربما لا يكون لأكثرها - أي نبوءات المأساة - مكان عند المؤرخين المدرسيين ، لكن لها مكانها في المنهج النقلي ، وتفسيرها الوجداني ) ، فنعتت المُنكرين بأنهم مؤرّخون مدرسيون ..!
وأسترسلت في دعم صحّة هذه النبوءات أيضاً من خلال ذكر المصادر التي ثبتتها فتقول : [ كانت المأساة معروفة فيما يقولون قبل موعدها ( موعد مأساة كربلاء ) بأكثر من نصف قرن من الزمان ، ففي مسند الإمام أحمد بن حنبل ٨٥/١ أن جبريل ؏ أخبر محمداً ص وآله بمصرع الحسين وآل بيته في كربلاء . ونقل ابن الأثير في الكامل ٣٨/٤ أن النبي ص وآله أفضى بذلك الى أم سلمة رض ، فلما قُتل الحسين ؏ أعلمت الناس بقتله ... ]
ثم تتسائل مستغربة ، جاعلةً من القارىء حَكَماً ، حيث تقول ما مفاده : أنترك روايات مؤرّخينا وأخبار ثقاتنا أم نقول أنها مرويات من مخترعات الرواة وإضافات المنقبيين ورؤى الحالمين كما يقرره المستشرق البريطاني دونالدسون في كتابه ( عقيدة الشيعة) والبلجيكي لامنس في ( فاطمة وبنات محمد) ..!!
وعليه تُحسب للكاتبة لحد الآن رصانة منهجها وطريقة عرضها ونصرتها لحقائق عقدية وتاريخية وبدون تأثيرات جانبية .. فهي لا تعيش عُقد مذهبية اذن .
( ٤ )
انتقلت الكاتبة بعد ذلك الى صبا زينب الحزين والمملوء بالفجائع ، وأولها رحيل جدها صلى الله عليه وآله وهي في الخامسة من عمرها الشريف ، وما أعقبها من فترات حزن وألم على البيت العلوي عموماً وعلى أمها الزهراء عليها السلام خاصّة ، وذلك بعد أن تجمّعت عليها مصيبة الرحيل ومصيبة هجوم القوم على الدار ومصيبة غصب الخلافة من بعلها ومصيبة غصب إرثها ، حتى أصبحت الزهراء أحد البكائين الخمسة ، بل أضافت الكاتبة زين العابدين ؏ الى العدد ليصبح عددهم ستا ، وأحسَنَت الإضافة .
ويستمر مسلسل الحزن في صبا زينب ؏ حتى وصل الدور الى فقد أمّها وهي في عمر أحوج ما تكون فيه البنت الى حنان الأم ورعايتها .. هذا الفقد الذي هدّ أركان أشجع رجال زمانه وهو أبيها فكيف بمثل زينب ..!!
زينب الصغيرة يتيمة الأم المثقلة بوصية أمها وهي على فراش الموت : أن تصحب أخويها وترعاهما وتكون لهما من بعدها أمّا .. بأي مصيبة تعيش زينب ..!
لم تجد الكاتبة شيئاً تحاول من خلاله فتح نافذة فرح أو سعادة لزينب الصبية خلال السنوات العشر من عمرها غير أنها قالت : ( اذا استطعنا أن نتناسى الى حين أحزان تلك الصبية .. ألفينا جانباً آخر من الصورة مشرقاً ، حيث تبدو زينب في بيت أبيها ذات مكانة أكبر من سنها ، أنضجتها الأحداث وهيأتها لأن تشغل مكان الراحلة الكريمة ، فتكون للحسن والحسين وأم كلثوم أمّا .. ) .
وكما ترى هل هذه إشراقة فرح أم فصل من فصول حزن ومأساة زينب ..!
والكلام هو الكلام في الكاتبة وإجادتها في عرض حقائق تاريخية مهمة بقوالب كتابية سلسلة من شأنها رفع موانع لم يستطع كتّاب آخرون رفعها من أمامهم رغم بداهتها نقلاً ووجدانا .. يتبع
5 جمادى الأولى
ولادة زينب الكبرى ؏
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat