البريء والأبرياء في القرآن الكريم (ح 6)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

كل مجموعة من حلقات هذه السلسلة تنشر في أحد المواقع.
جاء في کتاب مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "لا أحب الآفلين" (الانعام 76) أي: لا أحب عبادة الأرباب المحتجبين بحجاب، المتغيرين من حال إلى حال، المنتقلين من مكان إلى مكان، فإن ذلك من صفات الأجسام ودلائل الحدوث، وقوله: "لئن لم يهدني ربى" (الانعام 77) تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها وهو آفل مثل الكواكب يكون ضالا، وأن الهداية إلى الحق تكون بتوفيق الله تعالى ولطفه، وقوله: "هذا أكبر" (الانعام 78) أيضا من باب استعمال الإنصاف مع الخصوم، ثم قال: "إني برئ مما تشركون" (الانعام 78) من الأجرام التي تجعلونها شركاء. قوله تعالى "فعلى إجرامي" (هود 35) معناه: إن صح وثبت أني "افتريته" (الانعام 78) فعلي عقوبة إجرامي أي: افترائي، وكان حقي حينئذ أن تعرضوا عني "وأنا برىء" (الانعام 78) أي: ولم يثبت ذلك وأنا برئ منه، ومعنى "مما تجرمون" (الانعام 78): من إجرامكم في إسناد الافتراء علي، فلا وجه لإعراضكم عني. سورة التوبة مدنية، وهي مائة وتسع وعشرون آية كوفي، ثلاثون بصري، عد البصري "برئ من المشركين" (التوبة 3). وعن الصادق عليه السلام قال: (الأنفال وبراءة واحدة ). وعن علي عليه السلام: (لم ينزل "بسم الله الرحمن الرحيم" على رأس سورة براءة، لأن "بسم الله" للأمان والرحمة، ونزلت براءة لرفع الأمان وللسيف). وقيل: إن السورتين كانتا تدعيان القرينتين، وتعدان السابعة من السبع الطوال.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً" (النساء 112) حيث يدل على أنه كان هناك شيء من المعاصي التي تقبل الرمي كسرقة أو قتل أو إتلاف أو إضرار ونحوها ، وأنه كان من المتوقع أن يهتموا بإضلال النبي صلى الله عليه وآله في حكمه والله عاصمه. فالتدبر يقرب أن القصة كأنها سرقة وقعت من بعضهم ثم رفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وآله فرمى بها السارق غيره ممن هو بريء منها، ثم ألح قوم السارق عليه صلى اللهعليه وآله أن يقضي لهم، وبالغوا في أن يغيروه صلىاللهعليهوآله على المتهم البريء فأنزلت الآيات وبرأه الله مما قالوا. وفي تفسير القمي : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام : أن إنسانا من رهط بشير الأدنين ـ قالوا : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وقالوا: نكلمه في صاحبنا أو نعذره أن صاحبنا بريء فلما أنزل الله "يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ" (النساء 108) إلى قوله "وَكِيلاً" (النساء 109) أقبلت رهط بشر فقالوا: يا بشر استغفر الله وتب إليه من الذنوب. فقال: والذي أحلف به ما سرقها إلا لبيد فنزلت "وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً" (النساء 112). ثم إن بشرا كفر ولحق بمكة، وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشرا وأتوا النبي صلىاللهعليهوآله ليعذروه قوله "وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ" (النساء 113) إلى قوله "وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيما" (النساء 113). قوله تعالى "وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ" (يوسف 53) تتمة كلام يوسف عليه السلام وذلك أن قوله "أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ" (يوسف 52) كان لا يخلو من شائبة دعوى الحول والقوة وهو عليه السلام من المخلصين المتوغلين في التوحيد الذين لا يرون لغيره تعالى حولا ولا قوة فبادر عليه السلام إلى نفي الحول والقوة عن نفسه ونسبة ما ظهر منه من عمل صالح أو صفة جميلة إلى رحمة ربه، وتسوية نفسه بسائر النفوس التي هي بحسب الطبع مائلة إلى الأهواء أمارة بالسوء فقال "وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي" (يوسف 53) فقوله هذا كقول شعيب عليه السلام "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ" (هود 88).
عن كتاب نفحات القرآن للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قتل الأبرياء: إنّ الإسلام يكن احتراماً كبيراً لدماء الناس إلى درجة اعتبر معها قتل الواحد وكأنّه قتل لجميع الناس: "مَن قَتَلَ نَفساً بِغَيرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً" (المائدة 32). واعتبر إراقة دم المؤمن تستحق الغضب الإلهي والعذاب العظيم: "وَمَن يَقتُل مُؤمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَاعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" (النساء 93), وبهذا فقد انذر قاتل المؤمن بأربع عقوبات كبرى وهي: 1- الخلود في جهنّم، 2- غضب من اللَّه، 3- لعنة من اللَّه، 4- العذاب العظيم، وهذا أقصى ما أظهره الإسلام إزاء احترام دم المؤمن، لأنّه لا يوجد في القرآن أي موضع يشتمل على مثل هذه العقوبة . قوله تعالى "وَاذَا أُلقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوا هُنَالِك ثُبُوراً" (الفرقان 13) لو التفتنا إلى عبارة "مكاناً ضّيقاً" لوجدنا التفسير تجسيد لأعمالهم في هذه الدنيا حين كانوا يزجّون بالأبرياء في الزنزانات ويقيّدونهم بالسلاسل، أو يفرضون عليهم مثل هذه القيود في الحياه الاجتماعية فيصبحون كالسجناء مسلوبي القدرة على أيّة حركة.
جاء في جريدة الوفد عن تحريم قتل النفس البشرية في القرآن والسنة للكاتب أحمد الجعفري: الإسلام دين العدل والاعتدال، دين السلم والمسالمة، دين المحبة والتقوى، والشريعة الإسلامية شديدة الحرص على توجيه سلوك الإنسان وأخلاقه، وحماية حياته من أي اعتداء، وتكفل عزته وكرامته. جعل الإسلام للنفس الإنسانية مكانة محترمة، فمدح في كتابه الكريم إحياء النفس وذم قتلها فقال تعالى: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة 32). قتل الإنسان جريمة كبرى لا يرضاها الله تعالى، ولا يرضاها الأنبياء ولا سُمح بها بجميع الكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله سلام الله عليهم أجمعين. لذا نطلب من كافة الناس اتباع الشرائع السماوية بألا يتقاتلوا ولا يعينوا قاتلا، ولا يشتركوا في قتل أحد من البشر مهما كان دينه أو طائفته، ولنتعاون جميعا على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان، كما جاء في الكتاب العزيز: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (المائدة 2) ومن هذا المنطلق سنعرض بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تحرم قتل الإنسان والتنكيل والتعذيب. قال الله تعالى في كتابه الكريم (القرآن): "إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (المائدة 33). "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" (النساء 93). "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا" (الفرقان 68). "وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" (الاسراء 33). "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل 90). تحريم قتل النفس في الأحاديث النبوية الشريفة: عن أبي سعيد وأبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار) رواه الترمذي. عن أبي سعيد عن رسول الله قال: (يخرج عنق من النار يتكلم يقول وكلت اليوم بثلاثة بكل جبار وبمن جعل مع الله إلها آخر وبمن قتل نفسا بغير نفس فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم) رواه أحمد والبزار والطبراني. عن البراء بن عازب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق) رواه ابن ماجه بإسناد حسن، ورواه البيهقي والأصبهاني وزاد فيه: (ولو أن أهل سمواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار). روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيها خالدا مخلدا أبدا، ومن تحسَّى سُمّا نفسه فسُمّه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا). عن عبدالله ابن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائجة الجنة) رواه البخاري والنسائي، (من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما) (من قتل نفسا معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها). روى النسائي والبيهقي من حديث بريدة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat