صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

مفهوم العدو في القرآن الكريم (ح 4)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كل مجموعة حلقات من هذه السلسلة تنشر في موقع.

تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن العدو "قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ" ﴿طه 123﴾ قال الله تعالى لآدم وحواء: اهبطا من الجنة إلى الأرض جميعًا مع إبليس، فأنتما وهو أعداء، فإن يأتكم مني هدى وبيان فمن اتبع هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا، ويهتدي، ولا يشقى في الآخرة بعقاب الله، و "فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ" ﴿الشعراء 77﴾ قال إبراهيم: أفأبصرتم بتدبر ما كنتم تعبدون من الأصنام التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر، أنتم وآباؤكم الأقدمون من قبلكم؟ فإن ما تعبدونهم من دون الله أعداء لي، لكن رب العالمين ومالك أمرهم هو وحده الذي أعبده. هو الذي خلقني في أحسن صورة فهو يرشدني إلى مصالح الدنيا والآخرة، وهو الذي ينعم عليَّ بالطعام والشراب، وإذا أصابني مرض فهو الذي يَشْفيني ويعافيني منه، وهو الذي يميتني في الدينا بقبض روحي، ثم يحييني يوم القيامة، لا يقدر على ذلك أحد سواه، والذي أطمع أن يتجاوز عن ذنبي يوم الجزاء، و "وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ" ﴿القصص 15﴾ عَدُوِّهِ: عَدُوِّ، اسم هِ ضمير، ودخل موسى المدينة مستخفيًا وقت غفلة أهلها، فوجد فيها رجلين يقتتلان: أحدهما من قوم موسى من بني إسرائيل، والآخر من قوم فرعون، فطلب الذي من قوم موسى النصر على الذي من عدوه، فضربه موسى بجُمْع كفِّه فمات، قال موسى حين قتله: هذا من نزغ الشيطان، بأن هيَّج غضبي، حتى ضربت هذا فهلك، إن الشيطان عدو لابن آدم، مضل عن سبيل الرشاد، ظاهر العداوة. وهذا العمل من موسى عليه السلام كان قبل النبوة، و "فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ" ﴿القصص 19﴾ فلما أن أراد موسى أن يبطش بالقبطي، قال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس؟ ما تريد إلا أن تكون طاغية في الأرض، وما تريد أن تكون من الذين يصلحون بين الناس، و "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" ﴿فاطر 6﴾ يا أيها الناس إن وعد الله بالبعث والثواب والعقاب حق ثابت، فلا تخدعنَّكم الحياة الدنيا بشهواتها ومطالبها، ولا يخدعنَّكم بالله الشيطان. إن الشيطان لبني آدم عدو، فاتخذوه عدوًّا ولا تطيعوه، إنما يدعو أتباعه إلى الضلال، ليكونوا من أصحاب النار الموقدة.
جاء في تفسير التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى "فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ" ﴿الشعراء 77﴾ قال‌ ابراهيم‌ "فإنهم‌" عدوّ لي‌ يعني‌ الأصنام‌ جمعها جمع‌ العقلاء، ‌لما‌ وصفها بالعداوة ‌الّتي‌ تكون‌ ‌من‌ العقلاء، لان‌ الأصنام‌ كالعدوّ ‌في‌ الصورة بعبادتها، و يجوز ‌أن‌ ‌يکون‌، لأنه‌ ‌کان‌ منهم‌ ‌من‌ ‌لا‌ يعبد ‌إلا‌ اللّه‌ ‌مع‌ عبادة الأصنام‌ فغلب‌ ‌ما يعقل‌ و لذلك‌ استثناه‌، ‌فقال‌ "إِلّا رَب‌َّ العالَمِين‌َ" (الشعراء 77) لأنه‌ استثناء ‌من‌ جميع‌ المعبودين‌، و ‌علي‌ الوجه‌ الأول‌ ‌يکون‌ الاستثناء منقطعاً و تكون‌ "‌إلا‌" بمعني‌ لكن‌ ‌ثم‌ وصف‌ رب‌ العالمين‌. قوله تعالى "وَ دَخَل‌َ المَدِينَةَ عَلي‌ حِين‌ِ غَفلَةٍ مِن‌ أَهلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَين‌ِ يَقتَتِلان‌ِ هذا مِن‌ شِيعَتِه‌ِ وَ هذا مِن‌ عَدُوِّه‌ِ فَاستَغاثَه‌ُ الَّذِي‌ مِن‌ شِيعَتِه‌ِ عَلَي‌ الَّذِي‌ مِن‌ عَدُوِّه‌ِ فَوَكَزَه‌ُ مُوسي‌ فَقَضي‌ عَلَيه‌ِ قال‌َ هذا مِن‌ عَمَل‌ِ الشَّيطان‌ِ إِنَّه‌ُ عَدُوٌّ مُضِل‌ٌّ مُبِين‌ٌ" (القصص 15) اخبر ‌تعالي‌ ‌ان‌ موسي‌ "دَخَل‌َ المَدِينَةَ" (القصص 15) يعني‌ مصر، و ‌قيل‌: غيرها "عَلي‌ حِين‌ِ غَفلَةٍ مِن‌ أَهلِها" (القصص 15) ‌قيل‌: إنه‌ ‌کان‌ وقت‌ القائلة. و ‌قيل‌: لأنهم‌ غفلوا ‌عن‌ ذكره‌ لبعد عهدهم‌ ‌به‌. و ‌قيل‌: انه‌ ‌کان‌ يوم عيد ‌لهم‌ ‌قد‌ اشتغلوا بلهوهم‌ و لعبهم‌. و ‌قوله‌ (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَين‌ِ يَقتَتِلان‌ِ هذا مِن‌ شِيعَتِه‌ِ وَ هذا مِن‌ عَدُوِّه‌ِ) ‌قال‌ مجاهد: يعني‌ ‌من‌ شيعته‌ إنه‌ ‌کان‌ اسرائيلياً، و الآخر إنه‌ ‌کان‌ قبطياً. و ‌قال‌ ‌إبن‌ إسحاق‌: ‌کان‌ أحدهما مسلماً، و الآخر كافراً "فَاستَغاثَه‌ُ الَّذِي‌ مِن‌ شِيعَتِه‌ِ عَلَي‌ الَّذِي‌ مِن‌ عَدُوِّه‌ِ" (القصص 15) ‌ أي ‌ استنصره‌ لينصره‌ "فَوَكَزَه‌ُ مُوسي‌" اي‌ دفع‌ ‌في‌ صدره‌، و جميع‌ كفه‌ (و لكزه‌) مثل‌ وكزه‌ و لهزه‌ (فقضي‌ ‌عليه‌) اي‌ مات‌، ‌فقال‌ عند ‌ذلک‌ موسي‌ "هذا مِن‌ عَمَل‌ِ الشَّيطان‌ِ" (القصص 15) اي‌ ‌من‌ اغوائه‌ ‌حتي‌ زدت‌ ‌من‌ الإيقاع‌ ‌به‌، و ‌إن‌ ‌لم‌ اقصد قتله‌. و ‌قيل‌: ‌ان‌ الكناية ‌عن‌ المقتول‌، فكأنه‌ ‌قال‌: ‌ان‌ المقتول‌ ‌من‌ عمل‌ الشيطان‌ اي‌ عمله‌ عمل‌ الشيطان‌. ‌ثم‌ وصف‌ الشيطان‌ بأنه‌ "عدّو" للبشر ظاهر العداوة. و ‌قوله‌ "هذا مِن‌ شِيعَتِه‌ِ وَ هذا مِن‌ عَدُوِّه‌ِ" (القصص 15) إشارة ‌الي‌ الرجلين‌ اللذين‌ أحدهما ‌من‌ شيعة موسي‌، و الآخر ‌من‌ عدوه‌ إنما ‌هو‌ ‌علي‌ وجه‌ الحكاية للحاضر ‌إذا‌ نظر اليهما الناظر ‌قال‌ ‌هذا‌ ‌من‌ شيعته‌ و ‌هذا‌ ‌من‌ عدوه‌.
جاء في کتاب مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "اهبطا منها جميعا" (طه 123) "بعضكم لبعض عدو" (طه 123) والمعنى فيه: ما عليه الناس من التعادي والمخالفة وتضليل بعضهم لبعض، والهبوط: النزول إلى الأرض، والمستقر: موضع الاستقرار أو الاستقرار، "ومتاع" أي: تمتع سورة البقرة / 37 و 38 بالعيش *"إلى حين" إلى يوم القيامة، وقيل: إلى الموت. قال السراج: لو قيل: "ولكم في الأرض مستقر ومتاع" (الاعراف 24) لظن أن ذلك غير منقطع، فقيل: "إلى حين" (الاعراف 24) أي: إلى حين انقطاعه.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا" (فاطر 6) إلخ. تعليل للنهي المتقدم في قوله :"وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ" (فاطر 5) والمراد بعداوة الشيطان أنه لا شأن له إلا إغواء الإنسان وتحريمه سعادة الحياة وحسن العاقبة، والمراد باتخاذ الشيطان عدوا التجنب من اتباع دعوته إلى الباطل وعدم طاعته فيما يشير إليه في وساوسه وتسويلاته ولذلك علل عداوته بقوله "إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ" (فاطر 6). فقوله "إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِير" (فاطر 6) في مقام تعليل ما تقدمه والحزب هو العدة من الناس يجمعهم غرض واحد، واللام في "لِيَكُونُوا" للتعليل فكونهم من أصحاب السعير علة غائية لدعوته، والسعير النار المسعرة وهو من أسماء جهنم في القرآن. قوله تعالى "فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ" (القصص 19) إلى آخر الآية، ذكر جل المفسرين أن ضمير "قالَ" للإسرائيلي الذي كان يستصرخه وذلك أنه ظن أن موسى إنما يريد أن يبطش به لما سمعه يعاتبه قبل بقوله "ِانَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ" (القصص 18) فهاله ما رأى من إرادته البطش فقال "يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ" (القصص 19) إلخ، فعلم القبطي عند ذلك أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس فرجع إلى فرعون فأخبره الخبر فائتمروا بموسى وعزموا على قتله. وما ذكروه في محله لشهادة السياق بذلك فلا يعبأ بما قيل: إن القائل هو القبطي دون الإسرائيلي، هذا ومعنى باقي الآية ظاهر. وفي قوله "أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما" (القصص 19) تعريض للتوراة الحاضرة حيث تذكر أن المتقاتلين هذين كانا جميعا إسرائيليين، وفيه أيضا تأييد أن القائل "يا مُوسى أَتُرِيدُ" (القصص 19) إلخ، الإسرائيلي دون القبطي لأن سياقه سياق اللوم والشكوى.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/11/03



كتابة تعليق لموضوع : مفهوم العدو في القرآن الكريم (ح 4)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net