السردية الفلسطينية في مواجهة العدوان.. انتصار إعلامي واختراق لآلة الكذب الصهيونية

استطاعت السردية الفلسطينية ونقلها لحقائق العدوان على غزة ان تكذب كل الروايات المفبركة لـ”إسرائيل” رغم وقوف كبريات الصحف ووسائل الإعلام الغربي إلى جانب الاحتلال وممارساته الإجرامية بحق شعب أعزل حتى لا يمتلك قوت يومه.

ومع آلاف الفلسطينيين الذين قتلوا وآلاف المنازل والأبراج السكنية التي تهدمت وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس في غزة بقيت تلك الوسائل المساندة للاحتلال بتصوير الأمر بشكل عكسي ووضعت الضحية مكان الجلاد وكان الإعلام الغربي الرسمي يروي سردية واحدة، تصوّر القاتل في موقع الضحية، وهي سردية بدأت تتآكل تدريجياً مع مرور الأيام.

السردية الفلسطينية في مواجهة الآلة الإعلامية الغربية
وفي الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب على الأرض، ثمة حرب أخرى لا تقل أهمية، ميدانها الإعلام، وأطرافها الاحتلال وداعموه، في مواجهة المقاومة وجيوش من المتعاطفين من مختلف أرجاء العالم.

وعلى الرغم من الانحياز الغربي الرسمي سياسياً وإعلامياً لصالح “إسرائيل”، فإن السردية الفلسطينية بدأت بالتفوق، وصار صوت المقاومة مسموعاً، ولم يعد بإمكان الاحتلال وحلفائها أن يخفوا حقيقة ما يحدث في الأرض الفلسطينية من انتهاكات، وهذا ما دفع الاحتلال إلى عزل غزة، وقطع الاتصالات والإنترنت عنها.

رواية الاحتلال
منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” يوم 7تشرين ، صبت وسائل الإعلام الغربية سيلاً من الروايات المكذوبة، كان أبرزها رواية “قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين” في المستوطنات المحيطة بغزة، وهي رواية تبناها الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل أن يتراجع عنها البيت الأبيض، تحت ضغط الرأي العام والحقيقة.

وانخرطت وسائل إعلام من المفترض أنها عريقة، في مسلسل الأكاذيب، وفي مقدمتها شبكة “سي إن إن” و”بي بي سي”، اللتان روَّجتا معلومات مضللة، وظهر مراسلوها وهم يسوّقون الكذب على الهواء، كما عرض الإعلام الغربي أدلة زائفة حول مسؤولية حماس عن القصف الذي طال مستشفى “المعمداني”، قبل أن يتبين لاحقاً زيف تلك المزاعم.

منح الإعلام الغربي والأمريكي تحديداً، مساحة واسعة للسردية الإسرائيلية، بل ظهر سياسيون ومنظّرون إسرائيليون وغربيون، على تلك الشاشات، وهم يصفون الفلسطينيين بأنهم أقل درجة من البشر، بل وصل الأمر إلى حد تشكيك الإعلام في حجم وأعداد الضحايا، وظهر بايدن، وهو يتبنى هذا التشكيك، وتناولته وسائل الإعلام الأمريكية وتلك المنحازة إلى “إسرائيل” على نطاق واسع.

السردية الفلسطينية ورواية المقاومة
وعلى الرغم من الآلة الإعلامية الضخمة التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، فإنها لم تصمد أمام رواية المقاومة، التي تستمد قوتها من الحقيقة وحدها، وكونها صادرة عن الضحية، فضلاً عن استفادتها من التعاطف العالمي، وتوفر وسائل إعلام غير تقليدية بديلاً لإيصال المعلومة بالصوت والصورة.

مشاهير  يتحدثون عن جرائم إسرئيل

وكان لافتاً في هذه المرحلة، انخراط مشاهير عرب وأجانب في تبني رواية الشعب الفلسطيني، على غرار مقابلة الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف مع الإعلامي بيرس مورغان، والتي حظيت بشعبية عارمة، وتم تداولها في أرجاء العالم، ومثله كثير من المشاهير.

وانتشرت عشرات الفيديوهات، لناشطين ومشاهير غربيين تحدثوا عن جرائم “إسرائيل”، وأبدوا تعاطفهم مع سكان غزة، وهو أمر لم يكن مألوفاً قبل عصر التواصل الاجتماعي، وكانعكاس لهذا التحول، ولتأثير السردية الفلسطينية، عمّت مظاهرات واسعة عواصم دول الغرب وأمريكا ودول أخرى.

هذا التفوق الذي حققته السردية الفلسطينية خلال الأيام الماضية، أثار انزعاج “إسرائيل”، ليخرج زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، محذراً من أن التغطية الإعلامية الموضوعية تضر “إسرائيل”.

لابيد ذهب إلى أبعد من ذلك، بمطالبة حكومات الغرب الحليفة لبلاده، “بالتغطية الأحادية الجانب باعتبارها السبيل الوحيد لجعل الناس يَصلون إلى الاستنتاجات التي تصب في صالح إسرائيل”.

تأثير جرائم الاحتلال ومصداقية السردية الفلسطينية
بالنسبة للأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة، كانت الرواية الإسرائيلية هي المهيمنة في الدوائر الإعلامية والسياسية والدبلوماسية الغربية، لكنها سريعاً ما انكسرت، لصالح السردية الفلسطينية التي بدأت تتغلب بشكل واضح.

ويقول مندوب اليمن لدى اليونسكو محمد جميح: إن “الجريمة الإسرائيلية كان لها دور، في تغيير نمط التناول الإعلامي، وربما إلى حد ما السياسي والدبلوماسي الغربي”.

وأضاف جميح في تصريحات، أن عديداً من الساسة الغربيين بدؤوا يطلقون تصريحات مختلفة، ويقولون إنه يجب على “إسرائيل” أن تراعي قواعد القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، مستدلاً بحديث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي أشار إلى أن ما حدث في 7 أكتوبر لم يأتِ من فراغ، وإنما حصيلة معاناة منذ عقود.

الإعلام غير التقليدي وتبنيه للسردية الفلسطينية
وأشار جميح إلى أن العامل الآخر في تفوق الرواية الفلسطينية مؤخراً يتمثل في “وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام غير التقليدية”، لأن الوسائل التقليدية الغربية، مثل “سي إن إن”، و “بي بي سي”، وكبريات الصحف، لوحظ انحيازها بشكل شبه كامل إلى السردية الإسرائيلية.

وقال: إن “وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على كسر احتكار وسائل الإعلام التقليدية الغربية للمعلومة والتحليل والصورة وأيضاً للحدث، ونقل كل شيء أولاً بأول، عبر هذه الوسائل غير التقليدية، التي تعد أكثر شعبوية وأكثر وصولاً إلى القطاعات الواسعة في المجتمعات الغربية، سواء الأمريكية أو الأوروبية”.

تصدّع الرواية الإسرائيلية
كذب الرواية الإسرائيلية كان له دور أيضاً في انكسارها أمام السردية الفلسطينية المُحقة، وحول هذا يقول مندوب اليمن لدى اليونسكو محمد جميح: “أدى الكذب المبالغ فيه إلى نتائج عكسية”، مستدلاً بفبركة خبر “ذبح المقاومين الفلسطينيين لأطفال إسرائيليين أو يهود رضع”، كما جاء في الرواية الإسرائيلية المفبركة.

ولفت إلى سقوط الإعلام الإسرائيلي، والإعلام الغربي المؤيد له، في هذه الكذبة، التي افتُضحت في ما بعد، مشيراً إلى أن بايدن أعلن عن تعاطفه مع أسر الضحايا، قبل أن يتراجع البيت الأبيض.

واستطرد جميح قائلاً: “كان لذلك تأثير كبير في اهتزاز مصداقية الإعلام الإسرائيلي، كذلك الحديث عن استهداف المقاومين، لليهود في مستوطنات غلاف غزة، وإحراقهم أحياءً وبقر بطون الحوامل، وذبح الأجنة، هذه أحداث من خيال كاتب سيناريو مبدع، لكنها في الأخير كذب صريح، وهذا ساعد على تصدع الرواية الإسرائيلية لما يجري في غزة”.

الإعلام والدبلوماسية العربية
الإعلام العربي، خصوصاً الناطق بالإنجليزية كان له دور أيضاً في كسر احتكار الإعلام الإسرائيلي والمؤيد للاحتلال للحدث، وعن هذا يقول جميح: “كان لذلك دور كبير، القنوات الناطقة بالعربية في مواجهة الدعاية الإسرائيلية الموجهة للعرب، قناة الجزيرة، قامت بأدوار كبيرة”.

ولفت إلى أن “الجزيرة الناطقة بالإنجليزية كان لها دور كبير في إحداث اختراق إعلامي، والوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المتلقين الغربيين، بحكم أنها ناطقة بالإنجليزية”.

وأشار إلى أن “نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي والصحفيين والناشطين والعاملين في الحقل الإنساني والصحي والإغاثي، كان لهم دور كبير، أولئك الذين ينقلون أولاً بأول ما يجري في غزة بالصوة والصورة، فالصورة أكثر إيصالاً ودلالة من الكلمات”.

ونوّه مندوب اليمن لدى اليونسكو، إلى أن “الجانب الدبلوماسي العربي، كان له دور في الأمم المتحدة ومؤسساتها (مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة، وحتى في اليونسكو)”، وأضاف: “كان للسفراء العرب دور كبير في تغيير الرواية الإسرائيلية والتركيز على الجرائم الإسرائيلية في غزة”.

انهيار حجج الموقف الغربي
بدوره، يرى رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، سمير فالح، أن “الموقف السياسي الرسمي في أوروبا كان حاسماً في الوقوف مع (إسرائيل) وتجريم فعل المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر، واعتباره عملاً إرهابياً”، لافتاً إلى انسياق “معظم وسائل الإعلام الغربية في الخط ذاته، وقامت بتزيينه وسوّقت له بوسائل مختلفة”.

وأضاف فالح لـ”الخليج أونلاين”: “بعض الحكومات الغربية ذهبت إلى أبعد من ذلك، بإصدار تعليمات بمنع كل صوت مخالف لهذا الخط؛ كمنع المظاهرات، تجريم استعمال بعض المصطلحات، والضغط على بعض المؤسسات الإسلامية لإصدار مواقف في هذا الخط نفسه”.

وأشار إلى أنه “مع مرور الأيام وتطور الأحداث، بدأت هذه السردية تشهد تراجعاً، ليس رسمياً وإنما على مستوى المجتمع المدني وبعض الشخصيات العامة والحقوقية”.

وأوضح أن “حجم القتل والدمار والكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة، والتي فرضت نفسها على وسائل الإعلام، ساهمت بشكل كبير في اختراق المشهد والعودة بالصراع في فلسطين إلى ما قبل 7 أكتوبر، أي إلى حجم الظلم المتراكم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني منذ عقود.

مجزرة “المعمداني”
ولفت فالح إلى أنَّ قصف مستشفى المعمداني في غزة “كان حدثاً فارقاً تكثّفت على أثره موجات التضامن والوقوف مع معاناة أهل غزة، بل دفعت السلطات الرسمية، أو بعضها، إلى التخفيف من الحدّة في التعامل مع وجهة النظر الأخرى، وتزايدت على أثر هذا الحدث التحركات الميدانية من مظاهرات ووقفات احتجاجية، كانت جرعة أخرى في صالح تغيير السرديّة السائدة”.

وقال: “اليوم ومع تواصل القصف على غزة وتزايد عدد الشهداء والجرحى والمشردين وتواصل الحصار وقطع المواد الأساسية واستهداف المستشفيات، لم يعد لمن بقي من أصحاب الموقف الرسمي من حجج للاستمرار على الموقف نفسه”، مشيراً إلى أن كل من هو متحرر من الحسابات السياسية والأيديولوجية، يتجه إلى التضامن أكثر مع المظلمة بحق الشعب الفلسطيني.

ولفت فالح إلى أن مناصري الحق الفلسطيني، وأمام أحادية الرأي في كثير من وسائل الإعلام الغربية، تحولوا إلى منصات التواصل الاجتماعي لنقل حقيقة الأوضاع في الميدان وتكذيب ودحض المغالطات والأخبار الزائفة، وقد تمّ هذا بنجاح وفق تقديره، مما ساهم أكثر في تغيير الرؤية إلى الأحداث.

المصدر: الخليج أونلاين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/10/29



كتابة تعليق لموضوع : السردية الفلسطينية في مواجهة العدوان.. انتصار إعلامي واختراق لآلة الكذب الصهيونية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net