صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

طوفان و طوافون و يطوفون في القرآن الكريم (ح 1)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


قال الله تعالى عن الطوفان "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ" ﴿الأعراف 133﴾ الطُّوفَانَ: ال اداة تعريف، طُّوفَانَ اسم، الطُّوفانَ: الأمطار المغرقة المتلفة للزرع، فأرسلنا عليهم سيلا جارفًا أغرق الزروع والثمار، وأرسلنا الجراد، فأكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم، وأرسلنا القُمَّل الذي يفسد الثمار ويقضي على الحيوان والنبات، وأرسلنا الضفادع فملأت آنيتهم وأطعمتهم ومضاجعهم، وأرسلنا أيضًا الدم فصارت أنهارهم وآبارهم دمًا، ولم يجدوا ماء صالحًا للشرب، هذه آيات من آيات الله لا يقدر عليها غيره، مفرقات بعضها عن بعض، ومع كل هذا ترفَّع قوم فرعون، فاستكبروا عن الإيمان بالله، وكانوا قومًا يعملون بما ينهى الله عنه من المعاصي والفسق عتوًّا وتمردًا، و "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" ﴿العنكبوت 14﴾ الطُّوفَانُ: المطر الشديد والماء الكثير طاف عليهم فأغرقهم، ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك، فلم يستجيبوا له، فأهلكهم الله بالطوفان، وهم ظالمون لأنفسهم بكفرهم وطغيانهم.
جاء في معاني القرآن الكريم: طوف الطوف: المشي حول الشيء، ومنه: الطائف لمن يدور حول البيوت حافظا. يقال: طاف به يطوف. قال تعالى: "يطوف عليهم ولدان" (الواقعة 17)، قال: "فلا جناح عليه أن يطوف بهما" (البقرة 158)، ومنه استعير الطائف من الجن، والخيال، والحادثة وغيرها. قال: "إذا مسهم طائف من الشيطان" (الاعراف 201)، وهو الذي يدور على الإنسان من الشيطان يريد اقتناصه، وقد قرئ: ﴿طيف﴾ (وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ويعقوب. انظر: الإتحاف ص 234) وهو خيال الشيء وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة. ومنه قيل للخيال: طيف. قال تعالى: "فطاف عليها طائف" (القلم 19)، تعريضا بما نالهم من النائبة، وقوله: "أن طهرا بيتي للطائفين" (البقرة 125)، أي: لقصاده الذين يطوفون به، والطوافون في قوله: "طوافون عليكم بعضكم على بعض" (النور 58) عبارة عن الخدم، وعلى هذا الوجه قال عليه السلام في الهرة: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) (الحديث عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قال كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليس بنجس، إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات.
قال الله تعالى عن طائف ومشتقاتها "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ" ﴿الأعراف 201﴾ طائف اسم، طائف: لمم أو وسوسة، و الطيف: ما يتخيله المرء في قلبه أو نومه، وقيل: الطيف ما يتخيله المرء، طائِفٌ من الشيطان: وسوسة و هَمٌّ بالذنب، و الطائف الشيطان نفسه، مسّهم طائف: أصابتهم لمّة أي وسوسة ما، إن الذين اتقوا الله مِن خلقه، فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه، إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكَّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان، و "فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ" ﴿القلم 19﴾ فَطَافَ: فَ حرف سببية، طَافَ فعل، طائف: بَلاءٌ و عذابٌ (نارٌ مُحْرقة)، فَطَافَ عَلَيْهِمُ طَائِفٌ: نار فأحرقتها، فأنزل الله عليها نارًا أحرقتها ليلا وهم نائمون، فأصبحت محترقة سوداء كالليل المظلم، و "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" ﴿البقرة 125﴾ لِلطَّائِفِينَ: لِ حرف جر، ل اداة تعريف، طَّائِفِينَ اسم، واذكر أيها النبي حين جعلنا الكعبة مرجعًا للناس، يأتونه، ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه، ومجمعًا لهم في الحج والعمرة والطواف والصلاة، وأمنًا لهم، لا يُغِير عليهم عدو فيه، وقلنا: اتخِذوا من مقام إبراهيم مكانًا للصلاة فيه، وهو الحجر الذي وقف عليه إبراهيم عند بنائه الكعبة. وأوحينا إلى إبراهيم وابنه إسماعيل: أن طهِّرا بيتي من كل رجس ودنس؛ للمتعبدين فيه بالطواف حول الكعبة، أو الاعتكاف في المسجد، والصلاة فيه و "وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" ﴿الحج 26﴾ لِلطَّائِفِينَ: لِ حرف جر، ل اداة تعريف، طَّائِفِينَ اسم، واذكر أيها النبي إذ بَيَّنا لإبراهيم عليه السلام مكان البيت، وهيَّأناه له وقد كان غير معروف، وأمرناه ببنائه على تقوى من الله وتوحيده وتطهيره من الكفر والبدع والنجاسات، ليكون رحابًا للطائفين به، والقائمين المصلين عنده.
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله سبحانه "فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ، وَالْجَرادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ" (الاعراف 133) أى: وأغرقنا بالطوفان أولئك الذين كذبوا بآياتنا من قوم نوح لأنهم كانوا قوما عمى البصائر عن الحق والإيمان لا تنفع فيهم المواعظ ولم يجد معهم التذكير. وهذه سنة الله في خلقه أن جعل حسن العاقبة للمؤمنين، وسوء العذاب للجاحدين. فأرسلنا على هؤلاء الجاحدين عقوبة لهم الطوفان. قال الآلوسى: أي: ما طاف بهم، وغشى أماكنهم و حروثهم من مطر وسيل، فهو اسم جنس من الطواف. وقد اشتهر في طوفان الماء، وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس وجاء عن عطاء ومجاهد تفسيره بالموت، وفسره بعضهم بالطاعون وكانوا أول من عذبوا به. وقوله سبحانه "فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ" (العنكبوت 14) بيان لسوء عاقبة المكذبين لنوح عليه السلام- بعد أن مكث فيهم تلك المدة الطويلة. والطوفان: قد يطلق على كل ما يطوف بالشيء على كثرة وشدة من السيل والريح والظلام، وقد غلب إطلاقه على طوفان الماء، وهو المراد هنا.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: لما كان نوح ابن ستمائة سنة صار طوفان الماء على الأرض. فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان. ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض. دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك ذكر وأنثى. كما أمر الله نوحا. قال تعالى "وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ" (العنكبوت 14). ما جاء في أمر الطوفان في أخبار الأمم وأساطيرهم: قال صاحب المنار في تفسيره: قد ورد في تواريخ الأمم القديمة ذكر للطوفان منها الموافق لخبر سفر التكوين إلا قليلا ومنها المخالف له إلا قليلا. وأقرب الروايات إليه رواية الكلدانيين، وهم الذين وقع الطوفان في بلادهم قد نقل عنهم (برهوشع) و (يوسيفوس) أن (زيزستروس) رأى في الحلم بعد موت والده (أوتيرت) أن المياه ستطغى وتغرق جميع البشر، وأمره ببناء سفينة يعتصم فيها هو وأهل بيته وخاصة أصدقائه ففعل. وهو يوافق سفر التكوين في أنه كان في الأرض جيل من الجبارين طغوا فيها وأكثروا الفساد فعاقبهم الله بالطوفان. وقد عثر بعض الإنجليز على ألواح من الأجر نقشت فيها هذه الرواية بالحروف المسمارية في عصر آشور بانيبال من نحو ستمائة وستين سنة قبل ميلاد المسيح ، وأنها منقولة من كتابة قديمة من القرن السابع عشر قبل المسيح أو قبله فهي أقدم من سفر التكوين. وروى اليونان خبرا عن الطوفان أورده أفلاطون وهو أن كهنة المصريين قالوا لسولون الحكيم اليوناني إن السماء أرسلت طوفانا غير وجه الأرض فهلك البشر مرارا بطرق مختلفة فلم يبق للجيل الجديد شيء من آثار من قبله ومعارفهم. وأورد (مانيتون) خبر طوفان حدث بعد هرمس الأول الذي كان بعد ميناس الأول، وهذا أقدم من تاريخ التوراة أيضا، وروي عن قدماء اليونان خبر طوفان عم الأرض كلها إلا (دوكاليون) وامرأته (بيرا) فقد نجوا منه. وروي عن قدماء الفرس طوفان أغرق الله به الأرض بما انتشر فيها من الفساد والشرور بفعل أهريمن إله الشر، وقالوا: إن هذا الطوفان فار أولا من تنور العجوز (زول كوفه) إذ كانت تخبز خبزها فيه ، ولكن المجوس أنكروا عموم الطوفان وقالوا: إنه كان خاصا بإقليم العراق وانتهى إلى حدود كردستان. أن الطوفان عم البقاع اليابسة من الأرض جميعا أو معظمها الذي هو بمنزلة الجميع. فالحق أن ظاهر القرآن الكريم ظهورا لا ينكر أن الطوفان كان عاما للأرض، وأن من كان عليها من البشر أغرقوا جميعا ولم يقم لهذا الحين حجة قطعية تصرفها عن هذا الظهور.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/10/18



كتابة تعليق لموضوع : طوفان و طوافون و يطوفون في القرآن الكريم (ح 1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net