السيّدُ الصافي يؤكّد على ضرورة الاهتمامِ بما يصدرُ عن المبلِّغ من كلامٍ وسلوك
المشروع التبليغي لزيارة الاربعين
المشروع التبليغي لزيارة الاربعين
أكّد المتولي الشرعي العتبة العباسية المقدسة الأستاذ في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف
سماحة السيد أحمد الصافي، على ضرورة الاهتمام بما يصدرُ عن المبلِّغ من كلامٍ وسلوك.
جاء ذلك في كلمةٍ له خلال المؤتمر الثاني عشر لمبلِّغي زيارة الأربعين، الذي حمل شعار (زيارة الأربعين من أبرز مظاهر نصرة الإمام الحسين عليه السلام)، وأدناه نصّ الكلمة:
تَعلمون الظرف الذي مرّ به الإمام الحسن(عليه السلام) الذي كان مُعِزّاً للمؤمنين، حتّى دخل عليه بعضٌ من أصحابه وقالوا: السلام عليكم يا مذلّ المؤمنين، وإنّه (عليه السلام) كان مُعِزّاً للمؤمنين ونحن نشهد هذا اليوم ذكرى شهادته، سائلين الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يسيرون على نهجه، وجعلنا الله من المؤمنين وجعلنا أعزّةً ببركات سيدي ومولاي الإمام الحسن(عليه السلام).
إنّ التبليغ من المهامّ المقدّسة، بل هو في الواقع من مهامّ الأنبياء الذين يبلّغون رسالات ربّهم ويخشونه ولا يخشون أحداً، والتبليغ عبارة عن مهمّة مركّبة من ثلاثة أمور نصطلح عليها مقوّمات التبليغ، ومقوّمات الشيء داخلةٌ في حقيقته، فإذا انفصل أحد هذه الأمور انتفى هذا المركّب، فهي داخلة في مقوّماته وليس في إطلاقه، والأمر الأوّل من مقوّمات التبليغ هو المبلِّغ (باسم الفاعل)، والأمر الثاني هو المبلَّغ (باسم المفعول)، والأمر الثالث هو مادّة التبليغ بعيداً عن المعنى اللغوي والاصطلاحي.
السؤال: ما هي المسؤوليّة الحقيقية التي تقع على المبلِّغ؟ أو ما هو المطلوب منه؟ أو ما هي الصفات التي تتوفر عنده حتّى يتحقّق التبليغ؟ وهذا سؤالٌ نحتاجه جميعاً عن إدارة هذا المشروع المبارك، فموضوع المبلِّغ من الموضوعات التي هي بسيطة من جهة وشائكة من جهةٍ أخرى، بسيطة لأنّ هذه الصياغة العامة المعروفة بطريقة الأنبياء(عليهم السلام) والمبلِّغ، ليدعوا الناس إلى شيء لابدّ أن يتلبس به، فميدانكم الأوّل أنفسُكم إن قدرتُم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتُم عنها كنتُم على غيرها أعجز، وحالة التبليغ يقوم بها أشراف الناس والنخب البشريّة وهم الأنبياء(سلام الله عليهم وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام)، ولابدّ أن نمرّ بالأنبياء(عليهم السلام) ونقف عند كلّ نبيّ بمقدار ما تبيّنه الآيات ونستكشف خصوصيّة معينة عند هذا النبيّ.
قطعاً نحن نؤمن بعصمة الأنبياء(عليهم السلام) في مقام عقيدتنا، والعصمة تكون من العوامل الدافعة للمبلِّغ ولا تكون من العوامل المانعة، ما يعني في مقام العمل نحن سنركن إلى ركنٍ وثيق، لأن النبيّ (عليه السلام) عندما يبلّغ بهذه الطريقة معناه أنّ هذه الطريقة هي طريقةٌ صحيحة، والنبيّ الآخر عندما يبلّغ بهذه الطريقة يعني أيضاً أن هذه الطريقة هي صحيحة، واختلاف الأساليب أمرٌ طبيعيّ جدّاً باختلاف المجتمعات، فلم يكن الأنبياء(عليهم السلام) يعانون ما عاناه نوح (عليه السلام) مثلاً من الفترة الطويلة أن يلبث في قومه 1000 سنة إلّا 50، وهذه الفترة الطويلة تحتاج إلى أساليب تتماشى مع طبيعة المجتمع، الذي كان يعانيه نوح (عليه السلام)، بالنتيجة وصل الحال إلى انتهاء جميع أساليب التبليغ وعُدِمت عوامل الهداية في أمثال هؤلاء.
إنّ سلاح المبلِّغ الحقيقيّ هو الله تبارك وتعالى، فعندما يتّكلُ على الله تعالى في كلّ ما يتفوّهُ به ستكون النتائج عظيمة، ولابدّ أن لا نتّكل على قدراتنا البلاغية والخطابيّة، فالله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً هيّأ أسبابه، وحتّى الفعل الذي يخرج من شخصٍ ويؤثّر في الآخر ويستجيب له، فالله سبحانه وتعالى أولى بحسنات العبد منه، وهذا الارتباط والعبودية الحقيقية أو الالتفاتية التي يلتفت الإنسان إليها.
إن النبي (صلّى الله عليه وآله) يتحدّث عنه القرآن الكريم في مسألةٍ لها علاقة بمؤتمرنا، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران (فبِما رحمةٍ من الله لِنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلب لانفَضّوا مِن حَولِك..)، والنبيّ (صلوات الله عليه وآله) مرسَلٌ من الله تعالى، وهذه الرسالة لابدّ من وجود جهةٍ تسمعها وأيضاً لابدّ أن تتحقّق، فهذه المميّزات للنبي(صلّى الله عليه وآله) أراد أن يبيّنها القرآن الكريم بأنّ النبيّ مبلِّغٌ، لأنه لم يكن فظّاً أو غليظَ القلب، واللين في الآية الكريمة معناه اخفضْ جناحك للمؤمنين والمبلِّغ أحرى بذلك، وكان الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً فقد كانوا يواجهون النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بأقذع الألفاظ والتصرّفات والخطاب الذي كانوا يفتقدون أدبه، رغم ذلك يقول القرآن الكريم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ)، القدرة التي كانت عنده (صلّى الله عليه وآله) على أن يتحمّل هؤلاء.
ومن مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) أنّهم لا يقبلون أن نقول إلهي حاسبني بعدلك أبداً بل حاسبني برحمتك لأنّ رحمتك موازينها عندك ورحمتك وسعت كلّ شيء، والذي يأتي إليك لا تجعله ييأس وينكسر، فهذا شابٌّ في لحظة من اللحظات فعل فعلاً شنيعاً لكن هذا ليس نهاية الدنيا، على المبلِّغ أن يُخرجَه من هذا الذلّ إلى العزّة في طاعة الله، (وإن الراحل إليك قريب المسافة) فهو يطلب حلّاً من خلالك، ويريد أن يعرف ما هي رحمة الله تعالى، وما هي رحمة أهل البيت(عليهم السلام)، فهو كمريضٍ يحتاج لأملِ الطبيب وأنت هو الأمل، وكلّنا نحتاج لرحمة الله تعالى، ومن أوضح مصابيح رحمة الله في زماننا هو الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، ولا شكّ أنّه يرعى مسيرة الأربعين المباركة ويرعى هذا الجمع المبارك، عندما يتصدّون لخدمة الزائرين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat