السيدة زينب (عليها السلام) والرسالة الإلهية
سجى الخفاجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سجى الخفاجي

كانتْ مدةُ سبي العقيلةِ زينب (عليها السلام) أربعين يوماً أما طريق زينب الرسالي فهو مستمرٌ إلى يومِنا هذا.
طريقُ السبي الذي استمرَ لأربعين يوماً كانَ يعدُ -ظاهراً- انتصاراً ليزيد، أما طريقُ الحقِّ الذي انتصرَ بدمِ الحُسين (عليه السلام) واثناء طريق السبي كانَ متمثلاً بالسيدةِ زينب (عليها السلام) فهو مستمرٌ إلى الآن، يستلمه جيلٌ بعدَ جيلٍ، وهي (عليها السلام) تعلمُ بالانتصارِ الحقيقي لصالحِ منْ كان، فهي بشهادةِ الإمام المعصوم زين العابدين (عليه السلام) عالمةٌ غيرُ معلمةٍ وفاهمةٌ غيرُ مفهمةٍ.
هي منْ قالتْ ليزيد (عليه لعائن الله): "فوَالله لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها -أي لا تغسله-، وهل رأيُك إلا فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد"
كانتِ السيدةُ (عليها السلام) على يقينٍ منْ استمرارِ تلك الرسالة الحقّة، وليستْ أياماً معدودة وتنتهي القضيةُ التي منْ أجلِها تحمّلتْ ما تحمّلتْ منَ المصائبِ.
الرسالةُ الإلهيةُ ليستْ كرسالةِ البشر، فمثلُ يزيد كانَ يظنُ نفسهُ انتصرَ وحصلَ على مبتغاه، لكنَّ حقيقةَ الأمرِ كانَ ذلك الانتصارُ ظاهرياً فقط ولمْ يتجاوزْ أياماً وذهبتْ ذكراهُ للأبدِ وأصبحَ مزبلةً للتاريخِ لا يمرُّ أحدٌ على اسمهِ إلا ولعنهُ.
أما زينب (عليها السلام) فمنْ جهةِ كونها امرأة من ثمّ تكون عاطفية وتنكسرُ لما تشاهدهُ منْ مصائبَ، خصوصاً إذا أُصيبتْ بولدها فلذةِ كبدها وأخيها السند والحامي والمدافع عنها لكنَّ هذهِ السيدة فاقَت الصفات والتي توجدُ عادةً عند كلِّ النساءِ.
فلمْ تنكسرْ ولمْ تحبطْ عزيمتُها ولم تجزعْ على أولادها بل لمْ تبكِ عليهم بكاءَ الخاسرين.
هي أعظمُ منْ أنْ تُفضّلَ أولادها على إمامِ زمانها، فهي لمْ تأخذْ الحسين أخاً فقط وتبكي عليهِ، بل بكتْ وندبتْ أمامَ زمانها وقائدها، فإذا كانتْ تبكي فهي تبكي فقدَ إمام الأمة وحجة الله على ارضهِ.
نستلخصُ منْ حياةِ السيدة زينب (عليها السلام) أثناء مسيرتها منْ كربلاء إلى الشام عدةَ دروسٍ التي منْ أهمها:
1- معرفةُ الحقّ والتضحية في سبيلهِ.
2- عدمُ التراجع بطريقِ الحقِّ حتى إنْ فقدنا أقرب وأعز ما نملك منَ الناسِ.
3- عدمُ الخضوع للظالمِ وإنْ كنا بأكبرِ مراتبِ المظلوميةِ.
4- التفكيرُ بكيفيةِ إيصال رسالة الحقّ وكيفَ تكونُ مستمرةً إلى آخرِ الزمانِ.
فمنَ النقطةِ الأولى نستنتجُ:
أنَّها (عليها السلام) عرفَت الحقَّ حقَّ المعرفةِ فضحتْ بكلِّ ما لديها وذلك الحقُّ هو الحُسين (عليه السلام).
فهي تعلمُ إمامَ زمانها وأنَّهُ مفترضُ الطاعةِ وليسَ مجردَ أخٍ وتأخذُها العاطفة بحقِّ الاخوةِ.
فالثمرةُ منْ هذه النقطةِ: علينا معرفة إمام زماننا وإتباعه والتضحية في سبيلهِ.
ونستنتجُ منَ النقطةِ الثانية:
لمْ تتراجعْ عنْ طريقِ الحقِّ بالرغمِ مما شاهدتْ وعاشتْ منْ مصائبَ لا يتحملها عشراتُ الرجالِ فضلاً عنِ النساءِ.
أعطتْ اولادها وفلذاتِ كبدها ولم تبال، وسارَتْ في ذلكَ الطريقِ من كربلاء إلى الكوفةِ ومنَ الكوفةِ إلى الشامِ ولاقتْ منَ التعذيبِ والتجريحِ لكنَّها لمْ تتنازلْ لهم ولو بمقدارِ ذرةٍ.
فالثمرةُ منْ هذهِ النقطةِ: علينا أنْ لا نتراجعَ عنْ طريقنا عندما يكونُ طريقَ الحقِّ وأنْ لا نستسلمَ للأعداءِ، والأهمّ منْ ذلك علينا بتقويةِ عقيدتنا لكي نمضي ونحنُ مطمئنون لا يتحكمُ بنا أحد ولا ننعق مع كلِّ ناعقٍ.
ونستنتجُ منَ النقطةِ الثالثةِ:
كانتْ (عليها السلام) تتكلمُ بقوةٍ وشجاعةٍ وصلابةٍ أمامَ الأعداءِ، لمْ تُظهرْ لهم أنها حزينةٌ لما جرى عليهم في كربلاء.
ولمْ تنكسرْ أمامهم، وبالرغمِ منْ كونها امرأة لكنها كانتْ أصلب منَ الرجالِ بموقفها وكلامها.
فمن كلماتٍ لها (عليها السلام) والتي تُبيّنُ لنا مدى شجاعتها وقوتها:
"أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة ؟! وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده! فشَمَختَ بأنفِك، ونظرتَ في عِطفِك، جَذلانَ مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مُستَوسِقة، والأمورَ مُتَّسِقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا. مهلاً مهلا!…..ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك!!"
فقالتْ كلَّ ذلكَ الكلام وهي في مجلسِهم وتحتَ ظُلمهم.
لكنْ منْ خلالِ كلامها نلاحظ أنهم أسروا حركتها البدنية لكنَّهم لمْ يستطيعوا أسرَ بلاغتها وقوتها وأثبتتْ شجاعتها وبينتْ رسالتها.
فالثمرة منْ هذهِ النقطةِ: علينا أنْ نتعلمَ القوةَ والشموخَ وعدم التذلل أمامَ الاعداءِ لأنَّ طريقنا هو طريق الحقّ وطريق الحقّ هو العالي والشامخ فلا يمكنُ أنْ يخضعَ للظالمِ مهما يكونُ.
ونستنتجُ منَ النقطةِ الرابعةِ:
كانتْ (عليها السلام) تفكرُ كيفَ تبقى محافِظةً على الرسالةِ التي جعلها الإمام الحُسين (عليه السلام) امانةً عندها، فقدْ حافظتْ على الرسالةِ ثُمَّ لمْ تجزعْ على ما ضحتْ بهِ وقدمتهُ فهي وباقي العلويات لمْ يخمشنَ وجهاً ولمْ يشقّنَ جيباً ولمْ يتأسفنَ على ما قدمنَ في سبيلِ الله (تعالى)
ومن كلامِ السيدة زينب (عليها السلام "عندما قال لها ابْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ الله بِأَخِيكِ وَأَهْلِ بَيْتِكِ؟ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ، فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمَعُ الله بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِـمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا بْنَ مَرْجَانَةَ".
فأوصلنَ الرسالةَ على أكملِ وجهٍ.
فالثمرةُ منْ هذهِ النقطةِ: علينا أنْ نفكرَ كيفَ نحافظُ على رسالةِ إمامِ زماننا، وأنْ نكونَ ممنْ يعينهُ، لا أنْ نكونَ نحنُ منْ يقفُ في طريقهِ بذنوبنا ومعاصينا فنؤذي قلبَ الحجّة ونؤخر ظهوره الشريف.
وعلينا أيضاً أنْ نأخذَ عبرةً منْ هذا الدرس بعدمِ الاعتراض على حكمِ الله (تعالى) بل الرضى بقضائهِ (سبحانه) وتمام التسليم لهُ.
قالَ الإمامُ المهدي (عجل الله فرجه الشريف): "فليعمَل كلُّ امرئٍ مِنكم بما يقرّبُ به مِن محبّتِنا، ويتجنّبُ ما يُدنيه مِن كراهتِنا وسخطِنا"
وقالَ الإمام الحسين (عليه السلام): "رِضَى اللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ".
إذن رضى الله (تعالى) ورضى أهل البيت (عليهم السلام) أحدهما مرتبط بالآخر.
والمعصيةُ تجلبُ سخطَ الله (عز وجل) ولأجلِ سخط الله (تعالى) يسخطُ أهلُ البيتِ (عليهم السلام).
الخلاصةُ: كلُّ عملٍ محرمٍ نتركُهُ طاعةً لله (تعالى) وحُباً بأهلِ البيتِ (عليهم السلام)، وكلُّ عملٍ واجبٍ نعملهُ طاعةً لله (تعالى) وحباً بأهلِ البيت (عليهم السلام).
فمنْ أرادَ القربَ منَ الله (تعالى) وأهلِ البيت (عليهم السلام) ويكونُ مفضلاً عندهم ومتميزاً عنْ غيرهِ فليعملْ بما يحبونهُ ويترك ما يكرهونه لهُ، وليجدَّ وليجتهدَ بالخدمةِ للدين والعمل بهِ. فيكونُ هو صاحبَ رسالةٍ ويساعدُ إمامَ زمانهِ لكي يفلحَ في الدُّنيا والآخرة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat