صفحة الكاتب : زاهر حسين العبدالله

شجاعة الإمام الحسن (ع) أمام الطغاة
زاهر حسين العبدالله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى‏ بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‏ أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥)}النساء.
مقدمة :
حياة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام تحمل عدة أبعاد واليوم سنركز على بعد من شخصيته وقليل من يتعرض له وهو إعلان كلمة الحق أمام سلطان جائر فهو يقول كلمة الحق ولا يخشى في الله لومة لائم خصوصاً إذا كان الطرف الثاني يتقصد الحط من مقام النبوة والرسالة والإمامة فيغضب لله سبحانه ويعري المشروع المزيف أمام الأشهاد ليكون عبرة لمن يعتبر.
فلو رجعنا لتفسير هذه الآية للعلامة الطباطبائي فإنه يقول :
القسط هو العدل، والقيام بالقسط العمل به والتحفظ له، فالمراد بالقوامين بالقسط القائمون به أتم قيام وأكمله، من غير انعطاف وعدول عنه إلی خلافه لعامل من هوی و عاطفة أو خوف أو طمع أو غير ذلك.
‏وهذه الصفة أقرب العوامل وأتم الأسباب لاتباع الحق وحفظه عن الضيعة، و من فروعها ملازمة الصدق الشهادة في أداء الشهادة والقيام بها. (١)
فقد ورد في هذه الآية المباركة واجب الدفاع عن كرامة الإنسان بالطرق التي تتناسب مع طبيعة الشخص ومكانته ومعرفته حدوده الشرعية فقد تجلت هذه الصفة في شخصية الإمام الحسن الزكي روحي فداه في مقارعة الظالمين بلسانه الشجاع من خلال خطاباته ورسائله ومواقفه مع طغاة عصره.
ومثل هذه الروايات ما أرسله الإمام الحسين عليه السلام لأشراف الكوفة حينما طلبوا أن يحضر عندهم فذكرهم بكلمات حري بأن تكتب بماء الذهب حيث ورد في الرواية :
(ودعا الحسين بدواة وبيضاء وكتب إلى أشراف الكوفة ممن كان يظن أنه على رأيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة، ورفاعة بن شداد، وعبد الله بن وأل، وجماعة المؤمنين أما بعد فقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال في حياته: " من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله " وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وإني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله... إلخ.(٢)
فقد جسد في هذه الوصية التي أرسلها الإمام الحسين عليه السلام إلى أشراف الكوفة الإمام الزكي عليه السلام قولاً وعملاً في تعامله مع طغاة عصره.
ونذكر هنا مواقف للإمام الزكي عليه السلام يكشف فيها كيف تعامل مع طغاة عصره صادعاً بكلمة الحق الشجاعة والمزلزلة التي تضع الوضيع في حجم الطبيعي.
فقد كان طغاة عصره يتفاخرون بأنسابهم وبملكهم وما انتهى أمر الناس إليهم يريدون بذلك إحراج الإمام الحسن المجتبى روحي فداه ولكن هيهات وهو ابن الأنبياء وسليل الأوصياء في مفاخرة طويلة ينقلها الشيخ الطبرسي في الاحتجاج وسننقل منها محل الشاهد
💡[وروى الشعبي أن معاوية قدم المدينة فقام خطيبا فقال: أين علي بن أبي طالب؟
فقام الحسن بن علي فخطب وحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إنه لم يبعث نبي إلا جعل له وصي من أهل بيته، ولم يكن نبي إلا وله عدو من المجرمين، وإن عليا عليه السلام كان وصي رسول الله من بعده، وأنا ابن علي، وأنت ابن صخر، وجدك حرب، وجدي رسول الله، وأمك هند وأمي فاطمة، وجدتي خديجة وجدتك نثيلة، فلعن الله ألأمنا حسبا، وأقدمنا كفرا، وأخملنا ذكرا، وأشدنا نفاقا، فقال عامة أهل المجلس: آمين. فنزل معاوية فقطع خطبته وروي أنه لما قدم معاوية الكوفة قيل له: إن الحسن بن علي مرتفع في أنفس الناس فلو أمرته أن يقوم دون مقامك على المنبر فتدركه الحداثة والعي فيسقط من أنفس الناس وأعينهم، فأبى عليهم وأبوا عليه إلا أن يأمره بذلك فأمره، فقام دون مقامه في المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد أيها الناس فإنكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا لتجدوا رجلا جده نبي لم تجدوا غيري وغير أخي، وإنا أعطينا صفقتنا هذا الطاغية - وأشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية - وهو في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله من المنبر ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين، وأشار بيده إلى معاوية.
فقال له معاوية: ما أردت بقولك هذا؟
فقال: ما أردت به إلا ما أراد الله عز وجل، فقام معاوية فخطب خطبة عيية فاحشة، فسب فيها أمير المؤمنين عليه الصلاة السلام، فقام إليه الحسن بن علي عليهما السلام فقال له - وهو على المنبر -: ويلك يا بن آكلة الأكباد أو أنت تسب أمير المؤمنين عليه السلام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أدخله الله نار جهنم خالدا فيها مخلدا وله عذاب مقيم ".
ثم انحدر الحسن عليه السلام عن المنبر ودخل داره، ولم يصل هناك بعد ذلك أبدا..(٣)

في هذا السجال الذي وضع حداً لزهو الملوك ولغرور الحاشية وعلم العامة مكانة أهل البيت عليهم السلام ومقاماتهم التي خصهم الله تعالى بها نستفيد منه ما يلي :
١-إظهار كلمة الحق في إثبات حق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم واجب على الخبير الذي يعي عواقب الأمور.
٢-الشجاعة لا تقف عند السيف بل تكون أشد على العدو إذا كانت بلسان الحق إذا أفحم المتحدث خصمه ووضعه في حجمه الطبيعي.
٣-أن تنتصر للحق الذي يحبه الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وليس العصبية العمياء المبنية على العناد والقبلية.
٤-ليس كل من ظن أنه نال الملك والجاه والسلطان ظلماً يعني بالضرورة أنه نال السعادة فإن كلمة حق تكشف كل مشاريع الزيف في حق مثل هذا السلطان وتهدم عرشه من جذوره.
٥-تكشف لنا أن الإمام الحسن الزكي روحي فداه حفظ دماء المسلمين ولكنه لم يتنازل عن تاج الإمامة والشرف الذي خصه الله به سبحانه وتعالى ولا يتوانى عن الإعلان به في أي وقت وزمان حتى أمام طغاة عصره.
٦-أخيراً الإمام الحسن المجتبى أرواحنا فداه استطاع أن يقوم بدوره الفاعل الذي كشف مشروع الطغاة الذين أرادوا أن يتستروا خلفه بالإسلام ليخدعوا به عامة الناس وواجه ببسالة كل إعلامهم المضلل الذي سعى طغاة عصره إلى ترسيخه في أتباعهم حتى بات كل من يعرفهم أنهم أرادوا الدنيا متاعاً وأرادوا حكم رقاب الناس غرضا ولم يعرفوا دين الله ولا عهده ولا ذمته فمهد لثورة تحيا بها معالم الإسلام من جديد وتعود فيه روح الدين الحنيف وهي التي قادها أخوه الإمام الحسين عليه السلام ليكمل ما بدأه الحسن الزكي أرواحنا فداه
و الحمد لله رب العالمين. 

المصادر :
(1) تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ١٠٨.
(2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٨١.
(3) الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٤٢٠.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زاهر حسين العبدالله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/08/23



كتابة تعليق لموضوع : شجاعة الإمام الحسن (ع) أمام الطغاة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net