اشارات قرآنية في كتاب القضاء والشهادات للسيد الخوئي (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

هذه الحلقات تنشر كل حلقة منها في موقع مختلف.
جاء في كتاب القضاء والشهادات للسيد ابو القاسم الخوئي عن قضاء الفاسق: أن لا يكون فاسقاً، وإلاّ فلا ينفذ حكمه، وذلك مضافاً إلى عدم الخلاف والتسالم على ذلك للنهي عن الركون إلى الظالم "وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللّه مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ" (هود 113) ولا شك في أنّ الركون إلى حكم الفاسق في المحاكمة ركون إلى الظالم. أما بالنسبة إلى اعتبار العدالة في الشاهدين فقد دل على ذلك الكتاب كقوله تعالى: "وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ" (الطلاق 2) وكذا الروايات الدالة على اعتبار العدالة فيهما، والحكمة في هذا الاعتبار لعلها واضحة، إذ لو لم تعتبر فيهما لاختل النظام، وحصلت المفاسد الكثيرة بشهادة غير المتجاهر بالفسق، وبذلك تبطل حقوق الناس وأموالهم، ولا يمكن التعدي من ذلك إلى قاضي التحكيم الذي يتراضى به المترافعان، إذن فلا تعتبر العدالة فيه.
وعن حكم الحاكم يقول آية الله السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره: أن للحاكم أن يحكم بين المتخاصمين بالبيّنة وبالاقرار وباليمين، كذلك له أن يحكم بينهما بعلمه الوجداني وقطعه بأن الحق للمدعي أو للمنكر، ولا يطالبهما لا بالبيّنة ولا باليمين، إذ بعد ثبوت منصب الحكومة له تشمله الآيات الكريمة كقوله تعالى:"وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" (النساء 58)، و "وَإِنْحَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ" (المائدة 42)، وغيرهما. ولا شك في أن الحكم بمقتضى العلم والقطع الوجداني حكم بالعدل. هذا بالنسبة إلى ثبوت مال أو زوجية، أو نفيهما، ونحو ذلك. ولا فرق في ذلك بين حق اللّه وحق الناس. نعم، لا يجوز إقامة الحدّ قبل مطالبة صاحب الحق وإن كان قد علم الحاكم بموجبه على ما يأتي.
وعن اليمين يقول المرجع السيد الخوئي قدس سره في كتابه القضاء والشهادات: اليمين الذي تثبت به الدعوى لابد وأن يكون يميناً باللّه عزّ وجلّ وبأسمائه ككلمة اللّه، أو ما اختص به، كقولك والذي فلق الحب، أو الذي نفسي بيده، أو الذي خلق السماوات والأرض، ونحو ذلك مما هو مختص به سبحانه. ولا يختص ذلك بلفظ مخصوص، بل يصح بكل مبرز كان. كما لا يعتبر أن يكون بالعربية، فيصح بما يرادفه، فكل بحسب لغته. وذلك لإطلاق قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار: (إن اللّه عزّ وجلّ يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به عزّ وجلّ). ومثلها صحيحة محمّد بن مسلم، قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام قول اللّه عزّ وجلّ: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" (الليل 1)، و "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى" (النجم 1) وما أشبه ذلك، قال: إن للّه عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به).
وعن الدين يقول السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: معتبرة حماد بن عثمان، فإنّ فيها: (كان علي عليه السلام يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي)، إلى غير ذلك من الروايات التي يجزم بأنّ ذهاب القدماء إلى الاختصاص إنّما هو من أجلها. وأما ما ذكره المشهور من التعدي إلى جميع الماليات، فلم نعثر لهم على أي مستند صحيح أو غير صحيح. وأما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فليس فيها دلالة على جواز شهادة رجل واحد ويمين في مطلق الماليات، قال: (دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر عليه السلام فسألاه عن شاهد ويمين، فقال: قضى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وقضى به علي عليه السلام عندكم بالكوفة، فقالا: هذا خلاف القرآن، فقال: وأين وجدتموه خلاف القرآن؟ قالا: إن اللّه يقول "وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ" (الطلاق 2) فقال: قول اللّه "وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ" (الطلاق 2) هو لا تقبلوا شهادة واحد ويميناً، ثم قال: إن علياً عليه السلام كان قاعداً في مسجد الكوفة، فمرّ به عبداللّه بن قفل التميمي ومعه درع طلحة، فقال علي عليه السلام: هذه درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فقال له عبداللّه بن قفل: اجعل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين، فجعل بينه وبينه شريحاً، فقال علي عليه السلام هذه درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فقال له شريح: هات على ما تقول بيّنةً، فأتاه بالحسن فشهد أنّها درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فقال شريح: هذا شاهد واحد، ولا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر فدعا قنبر فشهد أنّها درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فقال شريح: هذا مملوك، ولا أقضي بشهادة مملوك، قال: فغضب علي عليه السلام وقال: خذها، فإنَّ هذا قضى بجور ثلاث مرات، قال: فتحول شريح وقال: لا أقضي بين اثنين حتى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث مرات؟ فقال له: ويلك أو ويحك إني لما اخبرتك أنّها درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة فقلت: هات على ما تقول بينةً، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: حيث ما وجد غلول اُخذ بغير بيّنة، فقلت رجل لم يسمع الحديث فهذه واحدة. ثم أتيتك بالحسن فشهد فقلت: هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر، وقد قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بشهادة واحد ويمين، فهذه ثنتان. ثم أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فقلت: هذا مملوك، وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً. ثم قال: ويلك أو ويحك إن إمام المسلمين يؤمن من اُمورهم على ما هو أعظم من هذا).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat