لا إِكْراهً فِي الدِّينِ" الكره ومشتقاتها في القرآن الكريم (ح 8)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

تكملة للحلقتين السابقتين قال الله تعالى عن كره ومشتقاتها "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ" ﴿محمد 26﴾، و "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ" ﴿محمد 28﴾، و "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" ﴿الحجرات 7﴾ واعلموا أن بين أظهركم رسولَ الله فتأدبوا معه؛ فإنه أعلم منكم بما يصلح لكم، يريد بكم الخير، وقد تريدون لأنفسكم من الشر والمضرة ما لا يوافقكم الرسول عليه، لو يطيعكم في كثير من الأمر مما تختارونه لأدى ذلك إلى مشقتكم، ولكن الله حبب إليكم الإيمان وحسَّنه في قلوبكم، فآمنتم، وكرَّه إليكم الكفرَ بالله والخروجَ عن طاعته، ومعصيتَه، أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الراشدون السالكون طريق الحق، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ" ﴿الحجرات 12﴾.
قال الامام الصادق عليه السلام كما جاء في البحار: كأني أنظر القائم وفيه آية المتوسمين وهي السبيل المستقيم وإن الله ينزع الخوف من قلوب شيعته ويسكنه قلوب أعدائه، فواحدهم أمضى من سنان، وأجرى من ليث يطعن عدوه برمحه ويضربه بسيفه ويدوسه بقدمه، وحد الله للشيعة في أسماعهم وأبصارهم حتى يكون بينهم وبين القائم بريد كلمهم، ويسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه، وأرتفع الجور في أيامه، وآمنت به السبل حتى تمشي المرأة ما بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على الثبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه، وأخرجت الارض بركانها ورد كل حق الى أهله ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الاسلام وأعترفوا بالايمان "وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا" (ال عمران 83).
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: والفرق الجوهري بين السنة الإسلامية والسنن غيرها في الغاية والغرض ، فغرض الإسلام أن تنال الدنيا صلاحها ، وغرض غيره أن تنال ما تشتهيها ، وعلى هذين الأصلين يتفرع ما يتفرع من الروع قال تعالى "وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (البقرة 216)، وقال تعالى "وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" (النساء 19). وقوله "وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" (يونس 82) ذكر الاجرام من بين أوصافهم لأن فيه معنى القطع فكأنهم قطعوا سبيل الحق على أنفسهم وبنوا على ذلك بنيانهم فهم على كراهية من ظهور الحق ، ولذلك نسب الله كراهة ظهور الحق إليهم بما هم مجرمون في قوله "وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" (يونس 82) وفي معناه قوله في أول الآيات "فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ" (يونس 75). وقوله "وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ" (التوبة 46) أي جزاء بنفاقهم وامتنانا عليك وعلى المؤمنين لئلا يفسدوا جمعكم، ويفرقوا كلمتكم بالتفتين وإلقاء الخلاف. قوله تعالى تعالى "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه" (الانبياء 18)، وقال تعالى "ويريد الله أن يحق الحق بكلماته" (الانفال 7)، وقال تعالى "ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون" (الانفال 8) ولا معنى لاحقاق الحق ولا لابطال الباطل إلا إظهار صفتهما. والظاهر أن المراد بقوله "لَيَخْرُجُنَ" الخروج إلى الجهاد على ما وقع في عدة من الآيات كقوله "وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالا" (التوبة 47).
جاء في موقع دار العلوم عن تسامح الاسلام مع ابناء الديانات الاخرى للدكتور عبد الرحمن عميرة: علاقة المسلمين بغيرهم علاقة تعارف وتعاون، وبر وعدل، ومن مقتضيات هذه العلاقة تبادل المصالح، وإطراد المنافع، وتقوية الصلات الإنسانية، والمعاشرة الجميلة، والمعاملة بالحسنى والتعاون على البر والتقوى، وهذا مما دعا ويدعو إليه الإسلام البشرية قاطبة. ومن سماحة الإسلام كفالة الحرية الدينية لغير المسلمين. ولهذا قرر الإسلام المساواة بين المسلمين وأهل الديانات الأخرى فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وكفل لهم حريتهم الدينية ومنها عدم إكراه أحد منهم على ترك دينه أو إكراهه على عقيدة معينة، يقول الله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة 256) وفي هذا المبدأ من مبادئ الإسلام يتجلى تكريم الله للإنسان واحترام إرادته وفكره ومشاعره، وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه والتعبير هنا في هذه الآية يرد في صورة النهى المطلق "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة 256). من حق أهل الكتاب أن يمارسوا شعائر دينهم، فلا تهدم لهم كنيسة ولا يكسر لهم صليب، يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (اتركوهم وما يدينون) بل ومن حق زوجة المسلم (اليهودية والنصرانية) أن تذهب إلى المعبد أو الكنيسة ولا حق لزوجها في منعها من ذلك. يقول الله تعالى: "وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (العنكبوت 46) السماحة حتى في المجادلة والنقاش والتحدث لأن دعوة الله التي حملها نبي الله نوح عليه السلام والرسل بعده، حتى وصلت إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم هي دعوة واحدة من عند إله واحد، ذات هدف واحد، هو رد البشرية إلى ربها وهدايتها إلى طرقه وتربيتها بمنهاجه، وأن المؤمنين بكل رسالة لإخوة المؤمنين بسائر الرسالات كلهم أمة واحدة، تعبد إلهاً واحدًا وأن البشرية قاطبة تسير في هذا الطريق. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، "وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم" (العنكبوت 46)).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat