صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

اشارات قرآنية من كتاب السبايا للسيد الحسني (ح 10)
د . فاضل حسن شريف

جاء في کتاب سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم للسيد نبيل الحسني عن الدفاع عن حق علي عليه السلام في الوصاية والخلافة التي اغتصبت: إنّ من الآثار التي أظهرها إخراج النساء إلى أرض كربلاء هو الدفاع عن حق علي عليه السلام في الوصاية والخلافة التي اغتصب بلحاظ كونه أول الحقوق التي انتهكت وضيّعت، وإن الأمة التي اغتصبت حق الله في تعيين الخليفة وجعله في مقام الوصاية لرسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وتعديهم على هذا المقام ودفع صاحبه الشرعي عنه وإعطائهم أنفسهم الحق في الاختيار والتعيين على الرغم من نهي القرآن عن ذلك لحري بها أن تنساق إلى ما هو أعظم من الانتهاكات لمقام الخلافة، وهو سفك دماء حجة الله ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسفك دماء أهل بيته وولده وأصحابه. قال تعالى: "وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى‌ عَمَّا يُشْرِكُون‌" (القصص 68). وقال سبحانه: "وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبينا" (الاحزاب 36). من هنا: كان دفاع بنات النبوة عن الشريعة وإرجاع الحق إلى موضعه ولو من باب الاحتجاج على الخصم الذي لم ينته من التعدي على تلك الحرم الإلهية التي كشفت حقيقة اعتقاده وثقافته الشرعية التي تختلف جذرياً عن المعطيات القرآنية والتعاليم السماوية. كان المنهاج الدفاعي يترتب على مجموعة من الخطب التي استخدمت فيها العلاجات المناسبة والأدوات الفعالة لاستئصال هذا الورم الخبيث الذي ضرب بجذور العقيدة الإسلامية.
وعن الأثر الإرشادي يقول السيد الحسني في كتابه: لما دنا هذا الشيخ الشامي من الإمام زين العابدين عليه السلام قال للإمام: (الحمد لله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم). ههنا أفاض الإمام من لطفه على هذا المسكين المغتر بتلك التمويهات الضالة ساعياً لتقريبه من الحق وإرشاده إلى السبيل وهكذا أهل البيت عليهم السلام تشرق أنوارهم على من يعلمون صفاء قلبه وطهارة طينته واستعداده للهداية. فقال عليه السلام له: (يا شيخ أقرأت القرآن؟). قال بلى: قال عليه السلام: (أقرأت "قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‌" (الشورى 23)؟) وقرأت "وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى‌" (الانفال 41) قال الشيخ: نعم قرأت ذلك، فقال عليه السلام: (نحن والله القربى في هذه الآيات). ثم قال له الإمام: (أقرأت قوله تعالى: "إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيرا" (الاحزاب 33). قال: بلى. فقال عليه السلام: (نحن أهل البيت الذين خصهم الله بالتطهير). قال الشيخ: بالله عليك أنتم هم فقال عليه السلام: (وحق جدنا رسول الله إنا لنحن هم من غير شك). فوقع الشيخ على قدميه يقبلهما ويقول أبرأ إلى الله ممن قتلكم وتاب على يد الإمام مما فرط في القول معه وبلغ يزيد فعل الشيخ وقوله فأمر بقتله.
يقول السيد نبيل الحسني عن تصحيح مسار سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأمة: إن هذا الأثر هو من أدوم الآثار وأقواها استمرارية، بل: يكاد يكون هذا الأثر هو الثمرة الأبرز في خروج بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى كربلاء. لكن قبل الخوض في بيان مصاديق هذا الأثر نتعرض أولاً إلى بيان مسألة صغيرة لغرض تحديد الوجه في السير في بيان هذه المصاديق، وهذه المسألة هي: التفاوت في رتب الإيمان، وذلك أن القرآن الكريم لم يجعل الأنبياء ولا المرسلين على درجة واحدة ومنزلة واحدة وإن كانوا جميعاً ممن اختارهم ا لله سبحانه للنبوة والرسالة، إذ يجعل القرآن التفاضل فيما بينهم ضمن الحقائق القرآنية فيقول سبحانه: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْض‌" (البقرة 253). وهذه السنة الكونية حينما جرت في الصفوة من الخلق والمنتجبين لحمل الشريعة كيف لا تكون في غيرهم من بني آدم؟ ولذا: لابد من التفريق بين منزلة الإسلام ومنزلة الإيمان كما نص عليها القرآن الكريم حيث قال سبحانه: "قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإيمانُ في‌ قُلُوبِكُمْ" (الحجرات 14). بمعنى ينحصر التفاوت في الرتب الإيمانية بين اللسان والقلب، فالمسلم من نطق الشهادتين دون أن يقر بها قلبه، والمؤمن من قرّ بها قلبه وإن لم يجهر بها أمام الناس وتلك معضلة لدى الناس لاسيما أن الإنسان محكوم بما يصدر عنه من أقوال وأفعال وفي الأغلب الأعم لا يلتفت أكثر الناس إلا إلى ما يخرج من الأفواه لا إلى ما يصدر من الأفعال وتلك حقيقة يمكن مشاهدتها في كثير من الشواهد التأريخية والمواقف الحياتية. فكيف يكون لهم المنزلة عند الله تعالى ورأس الحسين عليه السلام يحمل على الرمح ويطاف به البلاد وهو الأمر الذي جعل زيد بن أرقم يتعجب أشد التعجب مما يرى ويسمع من الرأس المقدس حينما طيف به في أزقة الكوفة، قائلاً: (مر به علي وهو الرأس الشريف على رمح وأنا في غرفة، فلما حاذاني سمعته يقرأ: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً" (الكهف 9). فقف والله شعري وناديت: رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب). والحادثة تكشف بوضوح عن آثار هذه المأساة في عقيدة المسلم بشكل خاص وفي عقيدة غير المسلم بشكل عام. من هنا: نجد أن عقيلة بني هاشم السيدة زينب عليها السلام قد أزاحت هذا الصدأ عن قلوب كثير من المسلمين حينما خاطبت ابن معاوية لعنه الله تعالى بقولها له: (أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أن بنا على الله هواناً؟ وبك عليه كرامة؟. وأن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلاً مهلاً أنسيت قول الله تعالى: "وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلي‌ لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلي‌ لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ" (ال عمران 178)). ولذا: فإن قضية الحسين وقضية عاشوراء بشكل خاص إنما هي نواة الحركة الإصلاحية للأنبياء والمرسلين عليهم السلام التي يرتكز عليها قطب العدل والقسط وهو المهدي الموعود والحجة المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. فبه يتحقق الدين الواحد الذي يظهره الله تعالى على الديانات كلها فلا يبقى إنسان على الأرض لا يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله. "وَ ما تَوْفيقي‌ إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنيب‌" (هود 88).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/08/09



كتابة تعليق لموضوع : اشارات قرآنية من كتاب السبايا للسيد الحسني (ح 10)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net