نظرية السجن الأخلاقي والإنساني عند الأمام علي عليه السلام
نهاد الدباغ
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نهاد الدباغ

السجن هو ذلك المكان الذي فيه تسلب حرية الشخص المقيم به، بسبب اقترافه ذنبا ما أو جريمة، وهو مكان منعزل ومغلق عن المجتمع، بمعنى أخر، هو طريقة لاحتجاز شخص بموجب حكم قضائي صادر من القاضي لتنفيذ العقوبة التي أصدرتها تلك المحكمة.
أن فكرة السجن كمؤسسة إصلاحية علاجية تأهيلية طبقت في بدايات الدولة الإسلامية في عهد وخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
ذلك المفكر العظيم، حيث أهتم بالسجن اهتماما كبيرا فبنى أول سجنا في الكوفة من قصب وأطلق علية اسم (نافعا) لأنه عليه السلام أراد من خلال هذه التسمية أن يكون السجن لمن أقترف ذنبا نافعا له وليس ضارا ففيه يتم تأهيله وتصحيح أفكاره العدوانية ويمضي بطريق الحق المستقيم.
وكان هذا السجن قد صنع من (البواري) وذلك لتوفير الإضاءة والتهوية الكافيتين ولكن للأسف فأن بعض المجرمين أستغل شفقة ورحمة الإمام علي (عليه السلام) وأساء الاستفادة من هذا السجن فقام بعض المسجونين بثقب حائط ذلك السجن وهربوا منه، مما أضطر بالأمام علي (عليه السلام) لبناء سجن محكم من الطين وسماه(المخيس)٠
وضع أمير المؤمنين عليه السلام قواعدا أخلاقية لمعاملة المساجين أهمها الحفاظ على كرامة الإنسان إنسانيا أولا ولأنه مسلم ثانيا.
ولوجود السجون أهمية كبيرة في حكومة أمير المؤمنين (علية السلام) لمنع الرذيلة أن تسود في المجتمع، فيتم عزل الجناة من الاختلاط بين الناس مع ضمان نيلهم العقوبة التي يستحقونها والمقررة لهم بعد ثبوت إدانتهم وذلك لجعل النظام القضائي أقوى في المجتمع.
عند البحث عن نشأة السجون رأينا أنه لا يوجد مصدر يتحدث بدقة عن بدايات وجود السجون ولكن القرآن الكريم تحدث عن السجن في قصة النبي موسى عليه السلام عندما هدده فرعون بالسجن قال له (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) سورة الشعراء/الآية 29
حيث كان سجنه مرعبا، يحبس الشخص في مكان تحت الأرض لا يبصر ولا يسمع فيه أي أحد، لأجل ذلك نرى أنه قد تكون بدايات السجن بدأت من العهد الفرعوني.
لو تتبعنا كتاب الله لرأينا أن لفضة السجن وردت في القرآن الكريم تسع مرات، مرة واحدة في قصة موسى (عليه السلام) وثمان مرات في قصة يوسف (عليه السلام).
بعد بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) في العصر الإسلامي نجد أن فكرة وجود السجون كانت موجودة في زمنه (صلى الله علية وأله وسلم) وخاصة في المدينة بعد تأسيس الدولة الإسلامية كانت حاضرة في الواقع ولكنها كانت بدائية.
فالإنسان المسلم حينما يضعف إيمانه، ويقوم بالاعتداء على حقوق الأخرين أو يخون أو يقوم بأعمال ضارة بالمجتمع لا ترضي الله ورسوله يسجن بربطه بأسطوانة من أسطوانات المسجد أو يسلم إلى أحد البيوت للسجن هناك.
وفي عهد خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تطورت فكرة السجون بسبب اتساع رقعة العالم الإسلامي فلم يكن المسجد المكان المناسب للسجن حيث كثرت المشاكل بازدياد عدد المسلمين فكان لا بد من حلول جذرية.
لأجل ذلك بنى الأمام علي عليه السلام سجنا (نافعا) كما ذكرنا بداية وكان سلام الله علية يتحفظ على المذنب المدان في السجن حتى أذا كانت جريمته تستحق السجن يسجن.
راعى أمير المؤمنين في السجن الشروط الإنسانية منها عدم التضييق على المسجونين وأوجب لهم مجموعة من الحقوق ومنها له الحق في ممارسة الشعائر الدينية بحيث كان يطلق سراحه في الجمعة والعيدين وبعد إكمال العبادة تتم أعادتهم للسجن وأيضا لهم الحق في التطبيب فيجعل لكل مجموعة خادما يرعى شؤونهم وطبيب يتكفل بعلاج السجين فأن كان المرض مستعصيا يقوم الإمام بإخراجه من السجن إلى بيته ويقوم الطبيب بعلاجه في بيته وقد يرفع عنه الحكم، وله الحق في التعليم حيث يرسل إ ليهم معلمين يعلمونهم القراءة والكتابة ويعلمونهم التعاليم الدينية وهو أمر مهم عند أمير المؤمنين عليه السلام، حيث كان يدخل مجرما ويخرج صالحا، وأيضا له الحق في التواصل مع عائلته ومحبيه وأصدقائه وله الحق أيضا في الرفاهية حيث يخرج لصحن السجن ليتفرجوا، وله الحق في تعجيل محاكمته وهذا الحق مهم جدا لأن عدم محاكمته ضياعا لحقه لذا فقد كان أمير المؤمنين علي عليه السلام أول ما يقوم به هو النظر في شأن المسجونين في كل يوم جمعة فمن كان عليه حدا أقامه ومن لم يكن عليه حدا أخلى سبيله٠
وكان سلام الله علية يتابع طعامهم وشرابهم ويصرف لهم كسوة صيفية وأخرى شتوية.
بعدما جاؤوا له بابن ملجم (لعنه الله) الذي اغتاله في المحراب وهو يصلي سلام الله علية قال لأبنائه الحسنين (عليهم السلام): أطعموه مما تأكلون، واسقوه مما تشربون، ولا تقيدوا له قدما، ولا تكبلوا له يدا
ذلك هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أب للجميع يعامل الجميع معاملة إنسانية، محب لهم لا يعامل أحدا بحقد أو كمنتقم، حتى المذنب يعامله برحمة حتى يرجع عن غيه ويرجع
للطريق المستقيم، فالسجن في نظر الإمام علي عليه السلام هو (تصحيح الفرد وتهذيبه في السجن بالطريقة التي تجعله إنسانا سويا مستقيما عندما يخرج بعد انتهاء العقوبة).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat