وعن وجود العقيلة زينب عليها السلام يقول السيد نبيل الحسني في كتابه سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم: يتضح لنا أهمية وجود عقيلة النبوة زينب بنت فاطمة عليهما السلام في كربلاء وذلك بتقويضها هذا الفكر الهدام وإصلاح البنية الفكرية للمسلمين بتقديم معطيات قرآنية ونبوية استطاعت أن تعيد للمسلم هويته الإسلامية الملتصقة بالقرآن الكريم والسنة النبوية. فنراها تقف كالجبل الشامخ في مجلس يزيد بن معاوية الذي سعى جاهداً على تثبيت هذا المعتقد في أذهان الناس حينما التفت إلى مجموعة من وجهاء أهل الشام فقال لهم: أتدرون من أين أتى ابن فاطمة وما الحامل له على ما فعل والذي أوقعه فيما وقع؟ قالوا: لا، قال: يزعم أن أباه خير من أبي وأمه فاطمة بنت رسول الله خير من أمي وجده خير من جدي وأنه خير مني وأحق بهذا الأمر مني فأما قوله: أبوه خير من أبي فقد حاج أبي أباه إلى الله عز ّ وجل وعلم الناس أيهما حكم له، وأما قوله: أمه خير من أمي فلعمري إن فاطمة بنت رسول الله خير من أمي، وأما قوله: جده خير من جدي فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر وهو يرى أن لرسول الله فينا عدلاً ولا نداً، ولكنه إنما أُتي من قلة فقهه ولم يقرأ: "قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ" (ال عمران 26). وقوله تعالى: "وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ" (البقرة 247) وكان الذي دفع يزيد بن معاوية إلى هذه المقولة هو افتضاح أمره حينما خاطبته العقيلة زينب عليها السلام: (أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة، وأن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ" (ال عمران 178)).
وعن وجود الامام زين العابدين عليه السلام يقول السيد الحسني: ولقد حرص كذلك ولاة بني أمية على بث هذا المعتقد في أذهان الناس لاسيما في الكوفة حينما خاطب عبيد الله بن زياد لعنه الله تعالى الإمام زين العابدين عليه السلام بقوله: ما اسمك؟. قال: (أنا علي بن الحسين). فقال له: أو لم يقتل الله عليا؟ فقال الإمام زين العابدين عليه السلام: (كان أخ لي أكبر مني يسمى علياً قتله الناس). فرد عليه ابن زياد، بل قتله الله. أي تثبيت المعتقد الجبري وأن الحاكم غير مذنب؛ لأن الله هو الذي قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان جواب الإمام السجاد عليه السلام كالصاعقة التي هدت أركان هذا الفكر المنحرف فقال: ) اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا" (الزمر 42). "وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ" (ال عمران 145). فكبر على ابن زياد أن يرد عليه الإمام زين العابدين بهذا الجواب الذي قوض معتقده الفاسد ولذا أمر بقتله. وعليه: نجد بوضوح تجلي هذا الأثر في خروج العيال إلى أرض الطف.
وعن تجلي مصداق التوحيد في حركة العقيلة زينب الإصلاحية للمجتمع يقول السيد نبيل الحسني في كتابه: بهذا الفكر الهدام وبهذه العقيدة الفاسدة يتوجه عبيد الله بن زياد الذي ارتضع من ثدي النفاق إلى ربيبة التوحيد وسليلة الطهر والنبوة زينب قائلاً لها: (كيف رأيت صنع الله بأخيك وبأهل بيتك)؟ ونلاحظ هنا بوضوح: كيف يعتقد ابن زياد بأنه الموكل بحفظ التوحيد فهو يعرف الله تعالى وأن الله سبحانه هو الذي صنع بأخيها الحسين عليه السلام وبأهل بيتها كل تلك المجازر من تقطيع الرؤوس وذبح الأطفال حتى الرضيع وسبي النساء وسحق جسد الحسين بحوافر الخيل والتمثيل بالأجساد وغيرها من الجرائم كل هذا يجعله ابن زياد من صنع الله تعالى. "سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الصافات 159). لكن السؤال المطروح إذا كان الله تعالى قد صنع ذلك فبمن فعله، صنعه؟ أليسوا هؤلاء أهل بيت حبيبه وسيد أنبيائه ورسله صلى الله عليه وآله وسلم، فلماذا يصنع بهم ذلك، ألانهم خرجوا لإقامة التوحيد له سبحانه وحفظ شريعته من ابن زياد ومعاوية ومن ولاه على رقاب المسلمين؟ إذن: المعركة معركة فكر، ومعركة توحيد: وما أشبه اليوم بالأمس! فما زال أتباع أهل البيت عليهم السلام يُفعل بهم ما فعله ابن زياد بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والدعوة هي نفسها: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ فكان جوابها أشد من سيوف الطالبيين وأمضى من ضربات الصالحين على تلك العقول المريضة لتستأصل بكلماتها تلك الأورام الخبيثة التي كادت أن تميت القلوب التي تستمع إليها. فقالت صلوات الله وسلامه عليها: (ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يابن مرجانة).
وعن تلازم مفهوم الجمال والتوحيد عند العقيلة زينب عليها السلام يقول السيد الحسني: من المفاهيم التي تألقت في كلام العقيلة زينب عليها السلام هو مفهوم التوحيد، والتوحيد كعقيدة إيمانية ترافق حركة الإنسان منذ ولادته وهي الفطرة إلى وفاته، فقد تفاوت الناس في هذه الرتبة الإيمانية وتفاوتوا في مفهومهم للتوحيد؛ حتى ورد في الحديث النبوي الشريف عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قيل له: يا رسول الله لقد شوهد عيسى بن مريم عليه السلام يمشي على الماء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لو زاد يقينه لمشى على الهواء). وفي إبراهيم قال عزّ وجل: "وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" (الانعام 75). ومن هنا: نلمس أن مفهوم التوحيد عند العقيلة زينب عليها السلام يرقى إلى تلك الرتبة التي تحدث عنها القرآن الكريم والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فزينب الكبرى رأت بعين اليقين جمال الملكوت وأيقنت أن هذا الجمال والجلال لا يصدر إلا عن الجميل الذي أضفى من جماله على هذا الكون.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat