ساعة الوداع لسيد الشهداء (عليه السلام) بقلم : آية الله الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء.
قل لي بربك: ريشة أي رسام مصور مهما كان فنانا بارعا ومصورا باهراً يستطيع ان يمثل ويصور لك حالة الحسين (عليه السلام) بعد الظهر بساعتين من يوم عاشوراء بعد مصرع جميع أولاده واخوته وبني أخيه وبني عمومته جعفر وعقيل وجمهرة اصحابه، حتى الأطفال والشباب الذي لم يبلغ الحلم، فها هي جثثهم على رقعة الأرض المحمرة بدمائهم في حر الهجير تصهرهم الشمس نصب عينه بين المعركة و المخيم، وقد خفقت أجنحة المنية على رأسه، وجراحاته تشخب دما، وقد بنى عليه درعه بنيانا، وحال العطش بينه وبين السماء كالدخان؛ ولما رأى أنه لم يبق بينه وبين الشهادة إلا سويعة، ليس بينه وبين هبوط جسده المبضع إلى الأرض وعروج روحه المعذبة إلى السماء...
نعم لم يبق إلا هذه الحملة الأخيرة يدخل إلى الميدان ثم لا يخرج منه إلا و رأسه على السنان.
نعم من ذا الذي يقدر أن يصور لك الحسين (عليه السلام) وقد تلاطمت أمواج البلاء حوله، وصبت عليه المصائب من كل جانب، وفي تلك الحال عزم على توديع العيال ومن بقى من الأطفال، فاقترب من السرادق المضروب على حرائر النبوة وبنات علي والزهراء (عليهما السلام)، فخرجت المخدرات من الخدور كسرب القطا المذكور، فاحطن به وهو سابح بدمائه، فهل تستطيع ان تتصور حالهن وحال الحسين (عليه السلام) في ذلك الموقف الرهيب؟! ولا يتفطر قلبك! ولا يطيش لبك! ولا تجري دمعتك!
اما أنا فيشهد الله -وكفى به شهيدا - اني أكتب هذه الكلمات عصر هذا اليوم من محرم سنة 1373هج ولعلها الساعة التي وقف فيها (عليه السلام) لوداع أهل بيته، أكتب والقلب يرتجف، والقلم يرتعش، والعين تدمع، والحشا تذوب وتتلاشى، لا أدري كيف اعبر؟ وكيف اصور ذلك الموقف المهول؟ وأعجب كيف لم تسقط السماء على الأرض أسى وحزنا ولوعة وشجوا!
غيرة الله يريد ان يرتحل من هذه الدنيا، ويترك هذه الحرائر المخدرات في تلك الصحراء، يتركهن في الصحراء بين جثث القتلى ومصارع فتيانهن، وبين الوحوش الكاسرة التي قتلت رجالهن واطفالهن!!!
تدبر ما شئت، وفكر ما وسعك التفكير، وتأمل كيف حاله (عليه السلام) في فراقه لهن، وهن بذلك الوضع الشائك، وكيف حالهن في فراقهن له، وهو غيرة الله وهن ودائع رسوله! !!
تجسمت للحسين (عليه السلام) عند التوديع في تلك البرهة القصيرة، وتمثل له كل ما تصبه سحائب المصائب على هذه الحفنة من اليتامى والنسوة الثواكل اللاتي ما فيهن إلا من فقدت عزيزها من ولد أو أخ أو زوج، وكم فيهن من فقدت كل أولئك وكل عميد لها وزعيم.
مشى الدهر يوم الطف أعمى فلم
يدع عميدا لها إلا وفيه تعثرا
.... .
محمد الحسين كاشف الغطاء
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat