اشتغل كتاب (المصابيح) على توليف الأسس والمرتكزات التي تحملها الصحيفة السجادية وإخراجها للوعي المجتمعي بشرح وتفسير وموائمة مع الواقع الفكري من أجل نشر المضمون القيمي والمؤثر، يشخص لنا أهمية الصحيفة السجادية بما يحمل من عبر تحث على الطاعة والتمسك بحبل الله المتين وتسعى للنهوض بمسؤولياتنا العبادية، كتاب المصابيح لم يتعامل مع موروث الإمام زين العابدين على أنه مجرد مواعظ قيلت في زمن ماضوي، بل تعامل معها بمعطيات ومؤثرات الواقع المعاش بكل حيثياته، يبين لنا أن الإنسان لا يخلو من ذنب، لكن لا بد له أن يتدارك ذلك بالاستغفار وطلب التوبة والوقوف بين يدي الله سبحانه تعالى.
أولا- يشكل الذنب عند الإنسان محنة أزمة نفسية تنتج عدم تماسك نفسي وهذه الحال تكون بحاجة إلى من يرشدنا لكيفية التماسك
ثانيا- إن خطاب الإمام عليه السلام لا يقتصر على من حوله ومعاصريه بل له قواسم مشتركة بين كل بني الإنسان في جميع الأزمنة
ثالثا- عمل كتاب المصابيح على أن يكون وسيطا يساعدنا على فهم التوصل فقرات المنجز من أجل أن نعيش حياتنا بالشكل الأمثل، وأن نعي علاقتنا مع الله سبحانه وتعالى، وعي الإنسان يدرك أن العبد يستحق الجزاء بأول معصية لكن رحمة الله ولطفه تكرم علينا بأن يمنحنا عمرا طويلا لتدارك ذلك بالمغفرة والتوبة.
أدب الدعاء هو أدب تواصلي فاعل ومؤثر ويدخل في وظائف معرفية وقيمية وحداثية، تعرفنا أن صفة الغفار هي صيغة مبالغة، والعبد المؤمن هو كثير الدعاء ويرى سماحة السيد أحمد الصافي أن في الموروث الدعائي مغريات ومحفزات قادرة على التوجيه والرشاد، مثل هذه القراءة تذهب إلى عدة معرفيات منها علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الأخلاق، ومعرفيات فكرية وثقافية لأنها من الجانب النظري عند الأئمة عليهم السلام ترسم لنا لذائذا لقضية الخلاص في الدنيا والآخرة، قد يذنب الإنسان وهو لا يلتذ بذنبه وهناك من يشعر بلذة المال الحرام، وكلاهما ذنب، الاهتمام بإرث حضاري معصوم يجعلنا نعيش بركة وجودهم ومع أن الكثير من المفكرين كتبوا عن الصحيفة السجادية واستخرجوا علاقاتها بالمعارف الإنسانية داخل المحور النفس والمجتمع، وبما أن الباحث صاحب مكانة علمية واجتماعية تواصلية مع المجتمع، أمكانية تأثيرية واسعة هناك بعض من العلماء قسم الذنوب إلى ذنوب صغيرة وذنوب كبيرة، وبعضهم جعل الذنوب كلها كبائر لكونها تجاوزت حد من حدود الله سبحانه غفلة أو سهوا، وركز على ما بعد الذنب والرجوع إلى الفكر والعقل فيؤمن إلى اللذائذ الزائلة لا تبقى تذهب وحينها يتعرى الإنسان من لذائذ الذنب وتبقى تبعاتها، والبحث في ساحات الوعي وتأثيرات تلك اللذائذ الزائلة والتبعات المتجذرة في الوجدان، هناك لذة أخرى تعد قيمة الإنسان فيها، قدمها سماحة السيد كنموذج من نماذج الرقي الإنساني بقراءة جملة (وأذقني حلاوة المعفرة)، لاكتساب هذه الحلاوة مصادرها وطبيعتها وآثارها يسلم إلى نتيجتين
الأولى- تهيء الإنسان إلى هذه الرحمة عبر صدقه مع الله سبحانه وتعالى.
والنتيجة الثانية- استحصال ذائقة خاصة لتعرف قيمة هذه المعرفة، لتصل إلى منبع الحكمة الوجدانية أن ليس هناك إمكانية الحصول على المغفرة وحلاوتها إلا بعد أن ندعو الله سبحانه أن يغفر لنا، وفي تشخيص سماحة السيد الصافي لنتحسس لذة المناجاة نحتاج إلى تجربة، لنلج إلى العمق القصدي للبحث يرى علماء الاجتماع أن المعتقد الذي يوحد الناس بعد الأخلاق شرطا لنموه، وقضية الانقياد إلى الله سبحانه تعالى ليس بالأمر الهين، وليس بالأمر المستحيل ونتيجة الأفكار الإنسانية تأتي لكسر الجمود واليأس والتردد، بينما القضايا الروحية والقيادية لا تحتاج إلى يأس من رحمة الله أو القنوط منها، وكسر نمطية الملل بالمناجاة تحتاج إلى تمرين شخصي وإلى مطاولة بممارسة الدعاء والمناجاة حتى يتلذذ بها، وأن يطلب العفو والمغفرة حتى يتحسس حلاوة تلك المغفرة، يرى علماء الفلسفة أن الإنسان يحتاج إلى المعرفة ليدرك ويفهم ويفسر ما يجري، والمعرفة العملية تبدأ من الإنسان باعتباره فاعلا اجتماعيا يحتاج أن يعرف أن استعراض الذنوب أمام الله العالم بها، لا بد أن يحتاج إلى طلب العوض عن هذا الاستعراض، تبديل هذه الذنوب بالمغفرة والرضوان وعفو الله يسبق غضبه، يحثنا الدعاء على التمسك بالله سبحانه تعالى وبناء قواعد لهذا التمسك الذي يجعلنا قادرين على محاسبة النفس قبل أن نتعرض للمحاسبة من قبل الله سبحانه فلتحكم على الأمر من دافع الاعتقاد، ومنه بناء موقف حقيقي مع الذات، يهبنا الله سبحانه الصحة وسلامة البدن والمال والعقل وكل شيء ويريدنا أن نستعين بهذه القوى في الامتثال لأوامره، وهذا الأمر يقودنا إلى عدد من المعرفيات منها معرفة الله سبحانه ومعرفة خبايا النفس ومعرفة حكمة العقل التي تجعلنا نطلب من الله سبحانه أن يعاملنا برحمته ولا يعاملنا بعدله لأن الانسان يعرف عدم رجحان كفته أمام عدل الله لذلك عليه الاستعانة برحمته، والإمام السجاد عليه السلام لا يكتفي معاملته بالرحمة وأنماء يرجو من الله تعالى (واجعلني طليق عفوك)، يدرس سماحة السيد هذه الجملة بأسلوب التصوير الفني جعل المشهد المحسوس حيا تضافرت مكونات المشهد في وحدة جمالية متنوعة لتؤدي الدور ــ المشهد ــ أبدأ المشهد بإنسان أسير بذنوب الدنيا، ينقاد بسلسلة ولا يستطيع أن يفك القيد، يبحث عمن يفك قيده، والله سبحانه تعالى يملك المفتاح، المشهد الثاني من هذا العمل الفني مالك الحق جل علاه يقول عفوت، يتضح جمال المشهد من عنوانه البشارة، بشارة يوم القيامة ورحمة الله تحضر لتفك عنا الأسر برحمته، يصور لنا سماحة السيد الصافي مشهدا آخرا من مشاهد الرحمة، يعلق الذنب سبع ساعات، وبعدها أن فاتت الساعات دون تدارك الأمر سيكتب لكن يبقى معلقا فاذا تدارك الإنسان ذنبه بالاستغفار فان الله يعطل الحكم ولا يعذبه
الصورة الأولى- الصفحة بيضاء
الصورة الثانية- الصفحة مملوءة لكن الله تعالى لا يعذبه
تأتي هذا المشاهد التصويرية حية تتنفس المشاعر والوجدان، الإنسان ينظر إلى الصحيفة وهي مملوءة بنقاط سود يرفع راسه إلى الله يطلب الجنة زائد الرضوان ورضوان الله مطلب في غاية الأهمية، لنصل إلى ذروة المشهد التصويري عبر مسعى نيل الرضوان بالصدقات ومساعدة الناس، وسلوك طريق عفوه والاستجارة بالله سبحانه أن يجعلنا نحيا الرفعة بالدعاء ويجعل لنا بصيرة في ديننا
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat