صفحة الكاتب : د . سمير ايوب

الغموض الرجراج أحافير في الحب 
د . سمير ايوب

 

جمَعَتنا أكثرُ من مِنصة عامة، في أكثر مِن مُنتدى ثقافي أوسياسي أوديني، في العاصمة عمان وفي غيرها من مدن الأردن. لا أذكر متى كانت الأولى ولا عدَدها. 

قالتْ بجديتها المعتادة ونحن غروب الأمس، نحتسي قهوة في ظلال شجرة خروب تُطلُّ على جرش التاريخية. عبر المنابر المسموعة والمرئية، قرأت جُلَّ ما كَتبتَ، واستمعتُ لِكلِّ ما وصلَ سَمعي مِمَا قُلتَ. 

سمعتُ إسهاماتك في نقاشاتٍ بعيدةٍ عن مظانِّ العلم ودهاليزِ السياسة. إختلفتُ واتَّفَقتُ مع الكثيرِ مِما كَتبتَ ومِمّا قُلتَ. وأنا في كلِّ هذا وبعد كلِّ هذا، أدركُ أن لِمَرْجِعياتك بصمةٌ خاصة فيما تُقًرِّرُ أن تُعلِن، ولكن مما يُحيِّرُني فيك، هو غموضٌ مُتعنِّتٌ في شخصيتك، ملتصقٌ بالكثيرِ مِن سلوكياتك، وأظن أنه نتاجُ مرجعياتٍ مُختلفة مُتشابكة، لكنها في النهاية كما أظن تِلقائيةٌ مُثقلةٌ بغموضٍ يفوقُ وسامةَ طيبتك. وعند هذا الحد من التوصيف، دعني بجرأةٍ أسألك عن غموضك: أهو غموضٌ عابرٌ تجيء به الصُّدَف، أم أن الأقدارهي التي تستوجب استدعاءَه بِقصديَّةٍ مُبيتةٍ؟!

 وأنا مُسترخٍ في كرسيِّ مُريح، لدقائق تحسّستُ شَعريَ الذي كنتُ بالأمس قد شذَّبْتَه وهذَّبْتَه بِنفسي، وأنا أتابع بالصمتِ تأمُّلَ أسرابا من إجابات مُنتظمةٍ تروحُ في خاطري وتَجيء، قبل أن أجد نفسي أقول: 

يا سيدتي، مُذْ كُنتُ في بواكيرِ الشباب، في ظروفٍ مُتباينةٍ، علَّمَني أهلي ورِفاقي، أنَّ الاشتباك في قضايا الشأن العام، عبر الانتماء الوطني والاجتماعي، المتكئ على قوميته، يستلزم الحرص على السلامة فيه، بل الالتزام الصارم بدرجاتٍ مُتقدمة من الكتمان، الذي لا بد له أن يرتقي إلى نوعٍ منَ الحسِّ الأمني الطازج دائما. 

كَبُرتُ وتَشعبت مساحاتُ الاشتباك، توسّع وتعمَّق تَدَفق المعلومات، حتى أن بعضها كان يُلامس أعشاش دَبابير السياسة وحقول ألغامها، وخصوصيات قضايا التغيير والتحرير، فَثَقُلَتْ مَسؤولية الكِتمانِ المُتعمَّد، وثَقُلَت مقتضيات وتبعات التحفظ والغموض. فتعلَّمتُ فنونَ القولِ الرَّجراج والتَّوْرية، دون السقوط في مثالب الكذب. باتَ التَّحفُّظُ دِرعا ومِتراسا وأنفاقا أحتمي بها وأتغطى، أتَقوى بها وهي تنمو في أعماقي كطفلٍ في الأرحام، بعيدا عن المُتِلصِّصين والبَصَّاصين والمغرضين من كُتاب التقارير ومُفَبْرِكيها، حتى صار كل هذا جزءا من تصرفاتي وعلى صورتي. 

تابَعتُ وأنا أداعبُ حصى الأرض بعكازتي، وأتبصر وقعَ كلامي في عينيها الزُّرق: أرجوكي أن لا تَنسي يا سيدتي، أنَّ حكوماتَ بعضِ دُولِ الواق واق ، كانت وأظنها ما تزال، لا تتوانى عن تخوين مِن قد تضبطُ مِن مُواطنيها كاتِماً لسرٍّعام . تخافُ حِرصَ ناسِها على حفظ الأسرار العامة. فلا يتورعون هناك، عن فعلِ أيِّ شيءٍ لِهَتكِ المَستورِ وكشفه، تمهيدا لقراءته ومجابهته إنْ لَزِم، وهم من أجل هذا، يستعينون بجحافل لها أول وليس لها آخر، من خبراء العم جوجل وتقنياته، وأبالسة الودع، وحُواةُ قراءة الكف والفناجين، لفك طلاسم رواسب قهوة تكونين قد شربتيها لوحدك، أو مع شريك حميم مقيم، او حتى عابر سبيل.

تلاقت عيوننا المُشاغبة، ضَحِكنا وقَهْقَهنا معا حتى بانَت نواجِذنا، ومن ثم غَرقنا معا في موجٍ منَ الصَّمت الغامض الكتوم، حتى وإن قال.....


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . سمير ايوب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/07/25



كتابة تعليق لموضوع : الغموض الرجراج أحافير في الحب 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net