صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم ح(22) : قريش بعد النبي (صلى الله عليه واله) 
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تقدم ان قريشاً كان لها مكانة خاصة لدى قبائل العرب لمكان البيت الحرام، ثم لمكانتهم التجارية، وكانت لهم علاقات وروابط واسعة مع القبائل العربية في الحجاز لقربهم منهم، وان الاسلام لم يفقد قريش تلك العلاقات والروابط، بل بقيت القبائل المرتبطة بقريش على ولائها لقريش، كما ان القبائل التي كانت تميل الى بني هاشم كانت مع النبي (صلى الله عليه واله) حتى بعد قيام الدولة النبوية وكانت خزاعة وبكر مثالاً للقبائل وتحالفاتها.
وعندما شع نور الاسلام واتخذ من المدينة المنورة مركزاً للانطلاق والانتشار، حملت قريش عداءً سافراً للإسلام لأنه كان يشكل تهديداً وجودياً لمكاسبها عبر القرون، اذ يمتد التنافس بين بطون قريش مع بني عبد مناف لعقود طويلة قبل ظهور الاسلام، لأن الهاشميين على قلة عددهم قياساً ببطون قريش الاخرى، كان لهم السؤدد والتقدم على بقية البطون،(وقال أبو جهل : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن به ولا نتبعه ابداً إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه . فنزل ﴿وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى﴾) ، لم تكن زعامات القبائل العربية بصورة عامة وزعامات قريش بصورة خاصة تؤمن بعبادة الأوثان، الا انها كانت طريقة للسيطرة على ابناء القبائل وحفظ الهوية القبلية فالدين لا ينفك عن حياة الفرد والمجتمع، سواء كان الفرد والمجتمع متمسكين بتعاليم الدين ام لا، وسواء كان ما يتدين به الانسان حقاً ام باطلاً، فإن للارتباط بما وراء المادة اثر محسوس في حياة الانسان في جميع ادواره الحياتية على الأرض، وعند قراءة تاريخ الانسان على الأرض، لا يجد الباحث ان موجة الحاد وانكار لما وراء المادة قد ساد الأرض حتى وان اتفق وجود دعاة لهذا السلوك، فإنهم سرعان ما يتضائل دورهم وينتهي وجودهم، ولم تخل المجتمعات يوماً من عقيدة بقوة خفية تستجيب دعائها وتسخر الظروف المختلفة لمصالحها، حتى جعلت مجتمعات الشرك القديمة لكل ظاهرة طبيعية ذات اثر ايجابي او سلبي صنماً تتوسل عنده، فإله للحرب وآخر للخصب وهكذا، كما لم تخل عقائد الامم من اعتقاد بالحياة الآخرة كما في عقائد المصريين الذين عثر في مقابرهم على المصوغات الذهبية والمجوهرات حيث كانوا يعتقدون انهم سيحيون حياة اخرى في عالم آخر بعد الموت.
ومما يدل على ان زعامات القبائل العربية لم تكن تؤمن ايماناً حقيقياً بالوثنية انهم بمجرد ان انهار محور الشرك في جزيرة العرب بفتح مكة سارعت قبائل العرب الى اعتناق الاسلام، ومن ابى منهم انما كان ما يدفعه لرفض الدخول في الاسلام الحفاظ على استقلالهم السياسي، لانهم لا يرغبون ان يكونوا تبعاً لغيرهم، ولما فقدوا هذا العنصر دخلوا الاسلام، ولم يعودوا لعبادة الاوثان. فكان الشرك في جزيرة العرب بالدرجة الاساس ديانة يسوقها الزعماء للسيطرة على ابناء قبائلهم، ولذا كان لكل قبيلة كبيرة صنمها الخاص، بل كانت القبائل التي تسكن شمال جزيرة العرب من جهة الغرب تحرم للحج او العمرة عند صنم كبير لها في اطراف بلادهم، فكان موضع وجود ذلك الصنم كالميقات للحج او العمرة، والقبائل التي لم تتمكن ان تضع اصنامها في مكة كانت تختار لها اماكن خارج مكة تقدم عندها قرابينها.
وما ان دخلت قبائل العرب الاسلام طوعاً او كرهاً، وتحررت من عبادة الاصنام واصبحت ضمن اطار الدولة الواسعة التي ترأسها النبي (صلى الله عليه واله) واحست بالأمن في ظل دولته، اذ لم يستهدف النبي (صلى الله عليه واله) مكانة الزعامات القبلية الاجتماعية لعدم تعارضها مع احكام الدين الحنيف، حتى انتهى الشرك في جزيرة العرب.
وهذا التحول الكبير في حياة القبائل العربية، وفقدان الوثنية لقيمتها الروحية، وحلول الاسلام محلها بتعاليمه السمحاء وقيمه الروحية التي تتناسب مع الفطرة الانسانية ، جعل قريش تدرك ان نفوذها القديم الذي كانت الأصنام تشكل فيه قيمة معنوية قد ذهب الى غير رجعة، وان عليها ان تركب موجة الاسلام وتعمل على تحقيق مكاسب مستقبلية ما استطاعت الى ذلك سبيلاً.
ان روح المنافسة بين بطون قريش والتي كشفت عنها كلمات ابي جهل، لم تختف من واقع الصراع بين بني هاشم وبطون قريش الاخرى، وعند مقارنة ذلك مع بني يعقوب (عليه السلام) نجد ان روح الحسد وحب الظهور والسلطة هو الحاكم في القضيتين، فلم يرض ابناء يعقوب اختيار الله تعالى ليوسف (عليه السلام) فسعوا لإزاحته عن طريقهم، وكذا لم ترض بطون قريش اختيار الله تعالى للنبي (صلى الله عليه واله) واهل بيته (عليهم السلام) فسعوا لإزالتهم عن طريقهم، كما سعى اباؤهم من قبل منافسة آباء النبي (صلى الله عليه واله) في حوادث سطرها التاريخ، وفي هذا المعنى روى الصدوق (قدس سره) عن الامام الحسين سيد الشهداء (عليه السلام):
(...عن النضر بن مالك قال : قلت للحسين بن علي بن - أبي طالب عليهما السلام : يا أبا عبد الله حدثني عن قول الله عز وجل " [ هذان ] خصمان اختصموا في ربهم " قال : نحن وبنو أمية اختصمنا في الله عز وجل قلنا : صدق الله ، وقالوا : كذب الله . فنحن وإياهم الخصمان يوم القيامة) .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/07/19



كتابة تعليق لموضوع : اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم ح(22) : قريش بعد النبي (صلى الله عليه واله) 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net