من الخصوصيات التاريخية والمعنوية للصحيفة السجادية المباركة أنها المعبر الحقيقي عن العلاقة بين الإنسان وربه، ونظرته للموت ومهام تعلقه بالقدرة الالهية، وأهم سمات هذا التعلق هو طلب التوبة من الله تعالى وتجديد العهد مع الله تبارك وتعالى، يرتبط أمر التوبة بالأمور المعنوية والروحية ومنها تكشف عن مكونات النفس عند الذنب وحاجتها للمغفرة، وخاصة موضوع الكشف الذاتي عند الذنب استثارة للذهن وتهذيب تبريري وتنمية للإطاعة لله سبحانه والإنسان يدرك أن الكشف لله سبحانه هو الكشف لمن لا تخفى عليه خافية، ويعبر سماحة السيد أحمد الصافي عن المناجاة بالمتعة كونها تعد من المعتقد والتربية الروحية والفكرية والثقافة الإيمانية وهي الصورة الحية للوجود الإنساني وبما أن وجود إنسان ينسب نفسه لله تبارك وتعالى يتطلب فهم حدود العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، كونها قوام وجوده، إنها عقيدة، ويعتقد أهل الفكر أن بقاء هذه العلاقة سليمة تمثل روح الحضارة ووجدانها ونجد أن أي محاولة لتهديم الأمة لا بد أن تبدأ من نقطة تهديم هذه العلاقة، وعملية تصدع هذه العلاقة تبدأ من كثرة الذنوب وافراط التجاوز على حرمات الله تعالى، يأتي تشخيص سماحة السيد بقضية استعراض طبيعة العلاقة من قبل الإمام عليه السلام ووصفها بالجرأة والتجاوز والذنب وبالقابل نجد ستر الله تعالى، والحلم الإلهي، الإيمان بوجود هذا الحلم هو قضية شغلت الفكر التغريبي الغربي والشرقي، يريد أن لا يستمد المجتمع ثقافته من الأئمة عليهم السلام، وهذا الأمر يوضح مسألة مهمة، أن الإمام عليه السلام كان يدرك أهمية بناء هذه العلاقة روحيا مع الله سبحانه لتصمد أمام مغريات الغزو الفكري في أي عصر كان، التحصين المستقبلي، والحلم الإلهي جعل المعادلة الافتراضية وكأن العبد هو صاحب الفضل على الله تعالى، يذنب الانسان ولا يعاقب، بحث الإمام المعصوم صاغ لنا منهج التوبة بعدما عرّفنا بمعادلة مهمة الفارق بين صفات الله سبحانه وتعالى وصفات العبد، وجود الاعتراف عند الإنسان والدعوة لله برأي الإمام المعصوم عليه السلام هو محور مهم من محاور الإيمان، وأهم ما في هذال المحور رفع اليأس عن العاصين، لولا هذا الأمل الحي، لكان معظم المجتمع يغوص في آثامه، المنهج المعصوم عرّف العلم بعقيدة الأمل، بشريعة التوبة والعودة لله، والباب المفتوح، مع وجود الذنوب ومع مرارة توبيخ الإنسان لنفسه نجد هناك عدم يأس من رحمة الله تعالى، هذا الأمل هو نتاج مشروع الائمة عليهم السلام، كي لا يعبث اليأس بالأمة، واليأس من روح الله تعالى تعد من الكبائر، فما أهمية الاعتراف بالذنب مع وجود اليأس، شخص سماحة السيد الصافي الاعتراف مع اليأس بانه يضيف كبيرة إلى ذنوبه، لا بد من ولوج أبواب رحمة الله، للأسف مع وجود كليات ومعاهد لكنها أهملت هذه القيم الروحية ما عادت تذكر، وهذا الإهمال أدى إلى الاستسلام للوافد الغربي، وهذا الوافد يدرك تماما أن هذه الثقافة الروحية التي غرسها أئمة أهل البيت عليهم السلام تمثل الحصن المنيع أمام كل من يحاول أن يزرع العبث بالأمة، وينبهنا سماحة السيد الصافي إلى قول الإمام السجاد عليه السلام في مناجاته (طمعا في رأفتك) الإنسان العاقل يطمح برأفة الله تعالى لأن فيه صلاح أمر المذنبين، أن الثقافة الروحية للإمام تشخص الحصول على الرأفة، هو جذر الاصلاح، لذلك دعاة التغريب هدفهم إنهاء هذه العلاقة، وأن لا تكون العلاقة صالحة مع الله تعالى، السعي لتغيير هذه المفاهيم هو فعل تخريبي، يريد دعاة التغريب من خلال التنظير الغرائبي فك الارتباط، والاستغناء عن مفهوم الرأفة الالهي، لنتأمل في مغزى الدعاء (ورجاء لرحمتك التي بها فكاك رقاب الخاطئين)، يرى سماحة السيد الصافي أن هذا التعبير في منتهى الروعة، بمعنى أن للخاطئ رقبة مشدودة قد عقلت واستوجبت العقوبة من الله تبارك وتعالى، وينبهنا لمسألة مهمة أن لا شيء من العبد يفك رقبته، وإنما هي عملية استدراج واستدرار للرحمة من طريق البكاء أو عبارات التودد لأن الرحمة هي القادرة على عتق الرقبة، نجد في هذا الدعاء نظم وأخلاق وقيم حميدة وسلوك قويم، وهذا الرقي الروحي بتهيئة هذه الرحمة، أن لا يتمكن الشيطان من المذنبين، ليبعد عن مكامن الرحمة الإلهية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat