اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم : ح 17 التفضيل في المجتمعات - المجتمع العربي2
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

وبعد النبي ابراهيم (عليه السلام) انتشر في قبائل العرب ديانات مختلفة فكان اهل سبأ يعبدون الشمس كما نصت على ذلك الآيات الكريمة التي تناولت عصر سليمان (عليه السلام)، والظاهر انهم اعتنقوا اليهودية في عهد سليمان (عليه السلام)، ثم اعتنقوا النصرانية بعد ذلك فانتشرت النصرانية في اليمن واطرافها، وكان من بين النصارى الذين لم يدخلوا الاسلام وجاءوا للمناظرة مع النبي (صلى الله عليه واله) نصارى نجران في قصة خلدها القرآن الكريم فيما عرف بآية المباهلة، كما كانت قبيلة كلب من القبائل النصرانية في جزيرة العرب، وكذلك كانت ديانة المناذرة والغساسنة ومن تبعهم، اما قبائل جزيرة العرب فإنهم على دين الحنيفية، فكانوا يحجون البيت الحرام ويسوقون اليه البدن ويقدمون القرابين ويطوفون البيت ويسعون بين الصفا والمروة ويقفون في صعيد عرفات ثم يفيضون الى مزدلفة وينحرون اضاحيهم في منى ويبيتون فيها، وبقوا على ذلك حتى سيطرت خزاعة على البيت الحرام، بعد انتصارهم على جرهم وكلا القبيلتين من القبائل التي نزحت من اليمن الى جزيرة العرب، فقام احد زعامات خزاعة بنقل هبل من بلاد الشام الى مكة المكرمة في الوقت الذي كان الرومان فيه يدينون بالوثنية قبل اعتناقهم النصرانية، فنشر الشرك في جزيرة العرب فاصبح لكل قبيلة صنمها الذي اعتبرته واسطة بين الله وبين خلقه، ولم يبق عند العرب من الحنيفية الا اقراء الضيف وحج البيت الحرام.
وفي الفترة الزمنية الطويلة الممتدة بين زوال سلطة بني اسماعيل (عليه السلام) عن ادارة البيت الحرام نتيجة تمكن جرهم من ازاحتهم عن ادارة شؤون البيت الحرام بعد ان طغوا وافسدوا، وحتى ظهور الدعوة النبوية المباركة كان الظلم والجور والتعسف والطغيان وانتهاك الحرمات والغارة على الاموال وقتل النفس البريئة من المشاكل الاجتماعية الكبيرة التي كان يعيشها المجتمع، لذا كانوا يتمنون الخلاص مما هم فيه من واقع اجتماعي مزر، وهذا لا ينافي وجود اخلاق كريمة في اوساط القبائل العربية كالنخوة وحفظ الذمار والامانة والجود واغاثة الملهوف وحماية الجار وحفظ العهود.
وفي تلك الفترة الزمنية اي في القرن السادس الميلادي كانت الامبراطورية الفارسية تعيش خريف عمرها، وكذلك الحال في الامبراطورية الرومانية، فكثرة الحروب بين الامبراطوريتين على صعيد صراع القوى الكبرى فيما بينها، وتمزق النسيج الداخلي لكلا الامبراطوريتين نتيجة الخلافات المتجذرة بين الزعامات السياسية، اضعفت كلا من الفرس والرومان، مع حفظ حالة من تكافؤ القوى بين الامبراطوريتين فلم تعد اي منهما قادرة على ازالة الاخرى من خارطة النفوذ السياسي.
كان لمدينة مكة المكرمة وهي من مراكز بلاد الحجاز المهمة أهمية دينية قصوى لمكان وجود البيت الحرام، وتأدية العرب لمناسك الحج والعمرة فيها منذ عهد النبي ابراهيم (عليه السلام)، وفي عهد هاشم بن عبد مناف القرشي اصبح لمكة شأن تجاري هام، اذ تمكن بما اوتي من حسن السياسية والتدبير فرض ارادته على الشام واليمن وهما اهم مركزين تجاريين يحيطان بجزيرة العرب ليحول مكة الى مركز تجاري مهم بعد ان كانت مجرد ممراً للقوافل التي تحمل تجارة الشام الى اليمن وبالعكس، فاصبح لأهل مكة سفرتان تجاريتان مهمتان في كل سنة واحدة الى اليمن والاخرى الى الشام، وكان تجار قريش يسيرون تجارتهم الى البلدتين العظيمتين وقد ذكر الله تعالى قريش بنعمته عليهم في السفرتين التجاريتين في سورة الايلاف ﴿لإيلاف قريش ֍ ايلافهم رحلة الشتاء والصيف ֍ فليعبدوا رب هذا البيت ֍ الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat