صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

اسس اصطفاء الافراد والجماعات  في القرآن الكريم عبد الستار الجابري ح 14 : التفضيل في المجتمعات3
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 وانعكس على صدق النية من بين اسرائيل ان الله تعالى امضى لهم - فيمن بقي من مجتمعهم -اقامة الدولة الالهية ونقلهم من التيه الى السلطان الواسع والحرية والملك، الا ان النزعة المادية لدى بني اسرائيل لم تقف عند ذلك الحد، بل طلبوا الى موسى ان يريهم الله والا كفروا بما آتاهم، وهذا يكشف ان مجتمع بني اسرائيل على الرغم من كل ما رأوه من معجزات وكرامات لم يصل الى درجة التسليم المطلق، ولكنه لا زال يحتفظ بعقيدة التوحيد ويطبق التعاليم الالهية وهذه ميزة له عن المجتمعات الاخرى التي بعث اليها الانبياء فمضوا في عصيانهم حتى اهلكهم الله، فكانت هذه الميزة فيهم تنفعهم في استمطار الرحمة الالهية، والعفو عنهم بعد كل معصية ليتم تأهيلهم للهدف المنشود
﴿وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ֍ ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ֍ وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ֍ وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ֍ فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون﴾ 
ويجد المتتبع في آيات سورة البقرة التي تناولت واقع مجتمع بني اسرائيل في التيه إن المنهج الإلهي في التعامل مع مجتمع بني اسرائيل منهج موضوعي، فهذا المجتمع كان بحاجة الى التطهير واعادة البناء، وإن هذا لن يتم الا في حال تنقية المجتمع من اسباب الانحراف على الصعيدين الفكري والاخلاقي، والطريق الاكثر اختصاراً في سبيل تحقيق ذلك عزلهم عن المجتمعات البشرية الاخرى، اذ المجتمعات التي كانت تحيطهم كانت مجتمعات وثنية سواء المصريين منهم الذين امضوا معهم قرون متعددة ام العراقيين الذي كانوا وثنيين ايضاً في ذلك الوقت، واما الامبراطورية الفارسية فإن تأثيرها الفكري بعيد عنهم لبعد المسافة، اذ ما يميز الامبراطورية الفارسية عن المصريين والعراقيين انهم كانوا يدينون بالمجوسية، ولا يبعد كونها من المذاهب الفكرية التي انحرفت عن تعاليم النبي ابراهيم (عليه السلام)، فهي من الديانات التي اقر الاسلام عليها اهلها، ولو كانت ديانة شرك لما اقروا على شركهم، فقضى الله تعالى عليهم ان يتيهوا اربعين سنة، وفي هذه الاربعين سنة تم تطهير المجتمع من العقائد والاراء الباطلة التي انتقلت اليهم من المجتمع المصري، كما ان الاجيال التي نمت في التيه خلال هذه العقود الاربعة تحررت شخصيتها من الاحساس بالعبودية والذل والاتكالية الذي اتصف به المجتمع الذي خرج من مصر مع موسى (عليه السلام)، وتمت اعادة شخصية المجتمع على يد موسى وهرون ويوشع بن نون (عليهم السلام)، ثم انزل الله تعالى اليهم التوراة في المرحلة الاخيرة من الاعداد لتكون الدستور الالهي الحاكم في مستقبل الايام، هذا على صعيد الفكر واعادة بناء الشخصية وتهيئة البنية التشريعية للدولة القادمة، واما على الصعيد الحاجات الشخصية، فان الله تعالى ضمن لهم مأكلهم ومشربهم طيلة تلك الفترة التي عاشوها، ورغم ذلك فان المجتمع الذي خرج مع موسى من مصر طلب من منه ان ينوع له في الوان الطعام لانه كان قد اعتاد نظاماً غدائياً مختلفاً عندما كان في مصر وهم يطالبون بذلك النظام الغذائي المتنوع، فأجابهم موسى (عليه السلام) ان ما تطلبونه متوفر في مصر فاذهبوا اليها لتنالوا ما تريدون، ولكن ما كان فيهم من الرعددة والجبن اسكتهم فكانوا مجتمعاً ذليلاً صاغراً، ثم بين القرآن ان هذه الخصلة من التمرد المتجذرة في بني اسرائيل كانت تدفعهم لقتل الانبياء بغير حق ومخالفة التعاليم الالهية 
﴿وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ֍ وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ֍ إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾

عبد الستار الجابري, [12/06/2023 04:07 م]
ويقرر القرآن الكريم مرحلة من مراحل بني اسرائيل قبل قيام دولتهم، اذ اخذ الله ميثاقهم ولتأكيد قدرته عليهم وتخويفهم رفع فوقهم الطور وكان ذلك تهديداً لهم انهم ان عصوا الله تعالى ولم يفوا له بالميثاق فإنهم قادر على اهلاكهم وتعذيبهم، لا ان ذلك المجتمع بمجرد ان استقر واطمأن عاد الى ما كان عليه من التمرد والمعصية، وتناسى الوعيد الالهي بالعقوبة فقام بعض بني اسرائيل بالصيد في يوم السبت بعد ان حرم عليهم، فعاقبهم الله تعالى بان مسخهم قردة و خنازير
﴿وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ֍ ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ֍ ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ֍ فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين﴾  
وفي تأكيد آخر من القرآن الكريم في ان مجتمع بني اسرائيل على الرغم من كونه مجتمع توحيد، وان خروجه عن تلك الصفة لم يكن الا نزوة عابرة في مظهر المجتمع العام، الا ان ذلك لا يعني انهم مجتمع مثالي وانهم بعيدون عن ارتكاب المعاصي، وهذا الامر انما سلطت عليه الاضواء في القرآن الكريم لأنه لا يختص بمجتمع بني اسرائيل اذ لو كان خاصاً بهم لما كان في ذكره موعظة وعبرة لمن يأتي بعدهم من مجتمعات التوحيد، فكانت قصة جريمة القتل واحياء القتيل ببعض البقرة التي ناقش بنو اسرائيل موسى (عليه السلام) طويلاً حتى ذبحوها، دليل على ان مجرد الايمان بالتوحيد ومعاصرة الانبياء (عليهم السلام) غير كاف في اثبات التقوى والورع والمثالية للمجتمع او الافراد
﴿وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ֍ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون ֍ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ֍ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ֍ قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ֍ وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ֍ فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ﴾


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/06/23



كتابة تعليق لموضوع : اسس اصطفاء الافراد والجماعات  في القرآن الكريم عبد الستار الجابري ح 14 : التفضيل في المجتمعات3
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net