أسباب استغفار المعصومين مع عصمتهم من الخطأ
الشيخ صالح الكرباسي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من أسباب استغفار المعصومين علیهم السلام هو تربية الناس و تعليمهم طريقة التوبة و الاستغفار، لما كان للدعاء دوراً هاماً ومشهوداً في تربية الناس وحثِّهم على الابتعاد عن الذنوب و المعاصي و سلوك النهج الإلهي.

لو رجعنا إلى كلمات رسول الله صلى الله عليه و آله و كذلك الائمة من أهل بيته عليهم السلام لوجدنا أنهم يكثرون الاستغفار و يطلبون من الله المغفرة ، الأمر الذي يستنكره البعض لأنه يرى ذلك منافياً لمقام عصمتهم عليهم السلام، و سبب استنكارهم هو أنهم يتصورون أن الاستغفار لا يكون إلا من المعصية و الذنب و ترك الواجبات و هو يتنافى مع مقام عصمتهم عليهم السلام.

أسباب استغفار المعصومين
رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي ، وَ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ‏ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً ” 1 ، و المعنى اللغوي للغين هو ما يتغشى القلب .

لكن العلامة السيد الشريف الرضي رضوان الله تعالى عليه جامع كلمات الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام في كتابه الموسوم بنهج البلاغة قال في بيان معنى هذا الحديث :   و هذا القول مجاز، و المراد أنّ الغمّ يتغشّى قلبه عليه الصلاة و السلام حتّى يستكشف غمّته و يستفرج كربته بالاستغفار، فشبّه ما تغشّى قلبه‏ من ذلك بغواشي الغيم التي تستر الشمس ، و تجلّل الافق ، و ” الغيم ” و ” الغين ” اسمان للسحاب، و سواء قال : ” يغان على قلبي ” أو قال : ” يغام على قلبي ” 2 .

و ذكر العلامة الطريحي رحمه الله في كتابه مجمع البحرين شرحاً لهذا الحديث نقلاً عن أحد العلماء فقال :  قال القاضي : ” لما كان قلب النبي صلى الله عليه و آله أتم القلوب صفاءً و أكثرها ضياءً ، و أعرفها عرفاناً ، و كان صلى الله عليه و آله مبينا مع ذلك لشرائع الملة و تأسيس السنة ميسرا غير معسر ، لم يكن له بد من النزول إلى الرخص ، و الالتفات إلى حظوظ النفس ، مع ما كان متمتعا به من أحكام البشرية ، فكأنه إذا تعاطى شيئا من ذلك أسرع كدورة ما إلى القلب لكمال رقته ، و فرط نورانيته ، فإن الشي‏ء كلما كان أصفى كانت الكدورة عليه أبين و أهدى و كان صلى الله عليه و آله إذا أحس بشي‏ء من ذلك عده على النفس ذنبا ، فاستغفر منه ” 3.

فالاستغفار هنا ليس من الذنب و المعصية حتى يكون منافياً لمقام العصمة ، بل هو بمثابة ارتباط نوراني مع الله و جلاء للقلب من الهموم و الغموم و ما يحيط بهم من كل ما يكدر صفاء الروح من أعمال غيرهم ، فهو استمداد روحاني و رقي في المنزلة الرفيعة .

الاستغفار لترك الأولى
ثم إن من من أسباب استغفار المعصومین و أولياء الله العارفين هو الاستغفار من ترك الأولى 4، حيث أنه لا ينبغي لمن يتمتع بمنزلة خاصة و مقام رفيع و شأن عظيم أن يدع أموراً خاصة رغم عدم وجوبها ، أو يفعل أموراً أخرى مباحة رغم عدم حرمتها .  و من هذا المنطلق نجد الامام زين العابدين عليه السلام يقول في مناجاته لله عَزَّ و جَلَّ : ” … أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ ذِكْرِكَ ، وَ مِنْ كُلِّ رَاحَةٍ بِغَيْرِ أُنْسِكَ ، وَ مِنْ كُلِّ سرُورٍ بِغَيْرِ قرْبِكَ ، وَ مِنْ كلِّ شغُلٍ بِغَيْرِ طَاعَتِكَ ” 5.

يقول العلاّمة المحقّق علي بن عيسى الاِرْبِلي: الاَنبياء والاَئمّة تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى ، و قلوبهم مملوءة به ، و خواطرهم متعلّقة بالمبدأ ، و هم أبداً في المراقبة، كما قال ( عليه السَّلام ): “اعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تره، فإنّه يراك “، فهم أبداً متوجهون إليه و مقبِلون بكُلِّهم عليه ، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية ، و المنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالأكل و الشرب و التفرّغ إلى النكاح و غيره من المباحات ، عَدّوه ذنباً و اعتقدوه خطيئة و استغفروا منه 6.

الاستغفار التربوي التعليمي
ثم إن من أسباب استغفار المعصومین علیهم السلام هو تربية الناس و تعليمهم طريقة التوبة و الاستغفار.

وبما أن للدعاء دوراً هاماً و مشهوداً في تربية الناس و حثِّهم على الإبتعاد عن الذنوب و المعاصي و سلوك النهج الإلهي ، فقد إهتمَّ الأئمة المعصومون عليهم السلام بهذه الوسيلة كل إهتمام ، فقدَّموا للناس كمَّاً هائلاً من الأدعية المؤثرة لمختلف الطبقات و الحالات و المناسبات ، و من خلال هذه الأدعية إستطاع الأئمة عليهم السلام تعليم الناس الكثير من العلوم والمعارف و الآداب ، و لولا هذه الأدعية لما كنَّا اليوم نعرف كيف نخاطب رب العالمين و نطلب منه العون و المدد في اللحظات الصعبة و الأزمات الحرجة التي نمرُّ بها .

نعم إن الدعاء مدرسة حقيقية أسَّسها أولياء الله عَزَّ و جَلَّ من أنبياء و أئمة من أجل تعليم الناس ، لذا فإستغفارهم في كثير من الأدعية إنما هو بهذا الهدف .

و في الختام نقول : إن الاستغفار له آثار كثيرة لا تنحصر فيما ذكرنا ، فمن فوائد الاستغفار طرد الشياطين و استجلاب الرزق و غيرها ، و قد ذكرتها الاحاديث الشريفة .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ صالح الكرباسي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/06/21



كتابة تعليق لموضوع : أسباب استغفار المعصومين مع عصمتهم من الخطأ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net