صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم الحلقة العاشرة
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


اصطفاء آل محمد (عليهم السلام) الخصائص والادوار3

كما حدث القرآن عن جماعة كثيرة من الصحابة كانوا يصلون مع النبي (صلى الله عليه واله) يوم الجمعة فلما سمعوا قرع الطبول تركوا النبي (صلى الله عليه واله) وذهبوا الى متاع الدنيا 
﴿وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين﴾ 
وخالفوا اوامر النبي (صلى الله عليه واله) في حوادث مفصلية كما حصل في غزوة احد وغزوة حنين 
﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين﴾ 
حيث فروا من الزحف وتركوا رسول الله (صلى الله عليه واله) مع ثلة قليلة، هذا فضلاً عن تعرض النبي (صلى الله عليه واله) الى ثلاث محاولات اغتيال بعد فتح مكة كانت احداها في مسيره الى تبوك عندما حاول بعض من في الجيش تنفير ناقته لتسقط في الوادي، والثانية في محاولة القاء طاق الرحى عليه، والثالثة في دس السم اليه في الكتف والذي اودى بحياته الشريفة بعد ذلك.
فهذا التقرير القرآني للمجتمع الذي عاصر النبي (صلى الله عليه واله) يجعل من الوضوح بمكان ضرورة قراءة تلك الفترة قراءة علمية موضوعية على اساس تقييم القرآن الكريم لواقع المجتمع من جهة، وطبيعة الأحداث التي جرت على مختلف الصعيدين الفكري والسياسي، للوصول الى نتائج صحيحة غير مأخوذة على اساس النتائج المسلمة مقدماً.
فإذا كان مجتمع دولة التوحيد في بني اسرائيل قد عمل على محاربة الانبياء وقتلهم 
﴿ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون﴾ 
حتى اضحى الأنبياء مستضعفين في بني اسرائيل تنتهك حرماتهم وتسفك دماءهم وقد عمل الرهبان والاحبار على تحريف الدين والحكم بما لم ينزل الله، بل اصبحوا يتاجرون بالدين حتى قال فيهم تعالى، بل سعوا الى بناء اقطاعيات مالية ضخمة حتى اصبحوا يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله وقد دفعهم تحقيق هذه الغايات المادية الى الصد عن سبيل الله وحرف الناس عن الطريق الحق لضمان سيطرتهم على المستضعفين من الأمة الذين كانوا يظنون بالأحبار والرهبان ظناً حسناً
﴿يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ֍ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون﴾ 
في تقرير لحالة من الانحراف الاخلاقي في اوساط حملة العلم في الامم السابقة حتى عرض الله تعالى ببعضهم فقال 
﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ֍ ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾ 
فالحال في المجتمع المسلم الذي اثبت القرآن الكريم انه لا يختلف عن غيره من المجتمعات كالحال في مجتمع بني اسرائيل، ففيه من اصطفاهم الله كما اصطفى الانبياء في الامم الاخرى الا ان النبوات بالنبي محمد (صلى الله عليه واله)، وفيه الأتقياء المخلصون المطيعون لله العاملون بأمره المتبعون لما جاء به رسوله (صلى الله عليه واله)، وفيهم الذين يمكن ان يتزلزلوا حتى قال فيهم تبارك اسمه ﴿يا ايها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه﴾  وفيهم الذين المنافقون والذين مردوا على النفاق.
فكما ان الله تعالى اصطفى من آل عمران انبياء بني اسرائيل، فقد اصطفى من بني اسماعيل آل  محمد (صلى الله عليه واله)، وكما ان هناك مخلصين مؤمنين منقطعين الى الله تعالى قد اتفقت الأمة على تقواهم وورعهم كأبي ذر والمقداد وسلمان وعمار وابي بن كعب وحذيفة بن اليمان وخزيمة ذي الشهادتين وحنظلة غسيل الملائكة وام سلمة وزينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث ومارية القبطية وصفية بنت حيي بن اخطب واسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب (رضوان الله عليهم اجمعين)، وفيهم المنافق كابن ابي سلول ومن على شاكلته ومن نفر ناقة رسول الله (صلى الله عليه واله)، وفيهم من لم يبلغوا المرتبة العليا كمن فر يوم احد ويوم حنين ومن جاء بالإفك ومن ترك النبي قائماً طلباً للهو او التجارة وامثالهم.
فمن المقارنة المتقدمة بين المجتمع المعاصر للنبي (صلى الله عليه واله) والمجتمع الذي عاصر انبياء بني اسرائيل نجد ان العوامل الاجتماعية المنبثقة عن النوازع الفردية التي يجتمع مع بعضهم البعض، وتسوقهم المطامع نحو هدف واحد، واحدة في كلا المجتمعين، وبالتالي فالآثار الاجتماعية التي تترب على ذلك واحدة فيهما، وكما ان ما جرى في بني اسرائيل كان يستدعي تعيين شخصيات يكون له دور حفظ الدين وقيمه وتشريعاته، فكذلك الامر في المجتمع المسلم كان الواقع الاجتماعي يستدعي ذلك، فما جرى في المجتمعين سنة اجتماعية، ونصب حفظة الدين سنة الهية.
ففي مجتمع بني اسرائيل انحرفت فئة كبيرة من المجتمع عن هرون (عليه السلام) وعبدوا العجل، فكذا جرى في المجتمع المسلم بمجرد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) ارتفعت عقيرة من دعا الى الخروج عن الاسلام وادعى النبوة.
وكما انحرف مجتمع بني اسرائيل حتى ابعد الانبياء عن سدة الحكم واصبح ملوك بني اسرائيل من غير الانبياء، فكذا عزل آل البيت (عليهم السلام) عن قيادة الامة وسعى الاتجاه الحاكم الى مساواتهم بغيرهم من الناس، وكما قام ملوك بني اسرائيل ومجتمع بني اسرائيل الظالم بقتل الانبياء وتكذيبهم، قتلت ذرية رسول الله (صلى الله عليه واله) اذ قتل سيد شباب اهل الجنة وحمل ثقله سبايا كما يسبى الكفار وحملت رؤوس آل البيت الطاهر على الرماح. وسعى الامويون لاظهار اهل البيت (عليهم السلام) في مرتبة ادون من مرتبة غيرهم فسب علي (عليه السلام) على منابر المسلمين عشرات السنين، وهو الذي جعلت مودته اجر الرسالة والذي صدح القرآن بطهارته ونزلت سورة هل اتى في مدحه والثناء عليه وبيان مقامه عند الله تعالى.
ولم يقف بنو اسرائيل عند ذلك بل اقتتلوا فيما بينهم، حتى تمكنت منهم الامم الاخرى، فكذا قام المسلمون بذلك فما ان بايعت الامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) طلباً للعدل والانصاف بعدما جار الولاة وشربوا الخمر واكتنز الذهب والفضة حتى غدا يكسر بالفؤوس وظهرت الفوارق الطبقية بشكل لم تشهده حتى الجاهلية، حتى حمل الناكثون سيوفهم لقتال امير المؤمنين (عليه السلام) ثم تبعهم القاسطون ومن بعدهم المارقين، حتى مضى امير المؤمنين (عليه السلام) شهيداً في محراب عبادته، ثم عدا القاسطون على الامام الحسن (عليه السلام) بعد ان بايعته الامة حتى اضطروه الى اعتزال الحكم كما اعتزل هرون بني اسرائيل، ولما دعى الامام الحسين (عليه السلام) الى اقامة حكم الله في الارض بعد ان اصبح امر الأمة بيد شارب الخمر والمستهتر علناً بكل المقدسات قتلوه. فكان هذا عمل المجتمع المسلم مع اهل البيت (عليهم السلام)، ثم عاد المجتمع ليقتل بعضه بعضاً في مجازر سطرها التاريخ بعد رحيل النبي (صلى الله عليه واله) في حروب سياسية لم يكن الحل فيها سفك الدماء وسبي العيال كما حصل في بني يربوع وبني حنيفة، ثم تبعتها الحروب الطاحنة بين انصار ولاة بني امية وبين معارضيهم كما حصل في حرب ابن الزبير مع بني امية وفي حربه مع المختار وفي ثورة زيد الشهيد بن الامام السجاد (عليه السلام) وفي ثورة  اهل الكوفة ضد الحجاج بن يوسف الثقفي وفي ثورة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ضد البلاط الاموي ثم المعارك الطاحنة التي اودت بالبلاط الاموي ليتولى بنو العباس الحكم ومن ثم الثورات الكثيرة التي جرت ضد سلطان العباسيين.
وكما سلط الله البابليين على بني اسرائيل، سلط التتار والمغول على المسلمين فزحفوا من بلادهم في اقصى الشرق واسقطوا الحكم العباسي ولم يتوقفوا الا عندما خسروا الحرب مع المماليك. وبعد ان اسلم المغول وتوسعوا في شرق البلاد حتى كانت بكين احدى الولايات الخاضعة لهم فضلاً عن احتلالهم الهند، جرت بينهم الحروب تلو الحروب حتى زال سلطانهم ثم ظهرت دولة الترك في بلاد الروم لتتسمى باسم آل عثمان ولم تكن بحور الدماء بأقل مما سلفت، وقد ارتكبوا في مختلف بلاد المسلمين اشنع الافعال وجرت الدماء انهاراً في سبيل مد سلطانهم، وبدلاً من ان يسعوا الى التقارب مع غيرهم من المسلمين الذين كانت لهم شوكة وقوة وقدرة بذلوا المال والرجال في قتالهم كما حصل في مصر وشمال افريقيا وبلاد الشام والحجاز ثم في شرق العالم الاسلامي، وكما لم يتعض السابقون مما جرى قبلهم لم يتعض اللاحقون حتى تمكن الافرنج من انهاء وجود الممالك الاسلامية واصبحت بلاد المسلمين تحت سلطانهم ينهبون ثرواتها ويتلاعبون بقادتها، ويحرفون الافكار وينشرون الفساد ويتسهدفون البنية الفكرية للمجتمع المسلم.
وكما اصطفى الله تعالى في بني اسرائيل الانبياء لحفظ القيم الدينية والشريعة السماوية، على الرغم من انحراف الأمة وتحريف الكتاب والتلاعب بالتشريع، كذلك اصطفى الله تعالى من اهل بيت النبي (صلى الله عليه واله) من حفظ به قيم الاسلام واحكام شريعة سيد المرسلين، فكانوا يعملون على حفظ الدين سليماً من كل ما طرأ عليه من تلاعب المرجفين، وقد شهد لهم القاصي والداني بسعة العلم والاطلاع على الرغم من انهم كانوا مبعدين من قبل السلاطين ودوائرهم الفكرية والثقافية، الا انهم كعلي (عليه السلام) الذي سعى الامويون لطمس ذكره بكل ما اوتوا من قوة فكان شذى عطر ذكراه يفوح في سماء العلم والحق والهدى، حتى عاد المسلمون كل المسلمين اليوم يدينون بمحبته وولايته ويعتقدون ان حبه من الواجبات الشرعية بعد ان كان المجتمع يسبه بعد الصلاة طاعة للسلطان وبعد ان كان علي بن الجهم يتقرب الى المتوكل العباسي ببغضه، وبعد ان كان طريق التقرب الى السلطان بغض آل البيت (عليهم السلام) اصبح الشعراء يتغنون بحب آل البيت (عليهم السلام) حتى قيل فيهم:
ياآل بيت رسول الله حبكم    فرض من الله في القرآن انزله
كفاكم من عظيم الفخر انكم  من لم يصل عليكم لا صلاة له
وكما ينتظر بنو اسرائيل والنصارى المنقذ الذي يأتي في آخر الزمان ليملأ الارض قسطاً وعدلاً، اصبح كل المسلمين اليوم ينتظرون المهدي من آل محمد (عليه السلام) الذي بشر به النبي (صلى الله عليه واله) ليملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وقد دلت النصوص المتواترة عن النبي (صلى الله عليه واله) ان عيسى (عليه السلام) سينزل مع المهدي (عليه السلام) ويصلي خلفه، وهذا يدل على حقيقة ما اشتملت عليه اخبار الديانات من حقائق مستقبلية، سعى المتسلطون لطمسها وتضييعها، ولكن طلاب الحقيقة من ابناء المجتمعات والاحرار في طلب الواقع والحق بذلوا على مر العصور وكر الدهور الكثير ا لكثير للوصول الى الحقيقة، وبعد القرون المتمادية اصبح المجتمع البشري اقرب الى فهم بعضه، على امل الانعتاق من سطوة المتلاعبين بحقائق الاديان، وتطبيق الدين كما انزله الله للوصول الى الحقائق لبناء المجتمع الانساني السعيد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/06/18



كتابة تعليق لموضوع : اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم الحلقة العاشرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net