صفاء ابراهيم
ahleen65@yahoo.com
2010 / 7 / 24
قد يعتبره الكثيرون مجنونا وان ما قام به ضرب من الجنون لاننا وعندما نقيس الامور باشباهها لانجد له شبيها
الرجل تنازل وبطيب خاطرعما يتقاتل عليه الناس,تخلى عما تسفك من اجله الدماء وتبذل الاموال,ترك ما يتنافس فيه المتنافسون منذ وجد الانسان على هذه الارض لم يتخل عن بعض ملابسه ولا عن نصف مرتبه ولا عن شيء من اثاث بيته ولا عن قيراط من ارض والده ولا حتى عن زوجته او احد ابناءه
لقد تنازل عما هو اغلى من ذلك واثمن,لقد تنازل عن السلطة المطلقة التي كانت بيده,تنازل عن السلطه وما تعنيه من نفوذ وتسلط وجبروت,ترك السلطه ومستلزماتها من خدم وحشم وقصور واموال وحسابات سريه في بنوك منطقتي اليورو والدولار,تخلى عن السلطة وما تتظمنه من اصدار المراسيم والقرارات واعطاء الاوامروالتوجيهات واستعباد خلق الله واذلالهم لسبب او دون سبب, لم نعرف في تاريخنا الحديث ان حاكما عربيا مل من السلطه أوشبع منها, لم نجد حاكما عربيا تخلى عن كرسيه بارادته وليس باعقاب البنادق ولم نعرف حاكما عربيا ترك السلطه باحتفال رسمي مهيب وليس ركلا بالاحذيه
راينا حكاما خلعهم العسكر بانقلابات دمويه واخرين خلعهم رؤساء مخابراتهم واقرب مستشاريهم, وراينا من لم يستطيعوا صبرا حتى هلاك اباءهم وايلولة العرش اليهم فخلعوهم وهم في منتجعاتهم السويسريه او مشافيهم الفرنسيه,ورأينا تصفيات اسريه داخل بعض بيوتات الحكم العربيه ورأينا من اطاحت بهم من كراسيهم قوات احتلال اجنبيه رأينا اعداء امريكا يحالفونها واصدقاء روسيا يعادونها من اجل البقاء في قمة هرم السلطه, رأيناهم يدوسون اشتراكيتهم بأحذيتهم من اجل البقاء,رأيناهم يتخلون عما يعتبرونها مبادئهم الثوريه التحرريه وتاريخهم النضالي الطويل بعد ان اصبح موضة قديمة لاتستهوي احدا وتعيق بقاءهم متربعين على سدة الحكم,رأينا ابواق الحرب والداعين الى القاء اسرائيل في البحر يتسابقون لكسب ودها في السر والعلن لان امركا لاترضى منهم الا بذلك ومن لا ترضى عنه امريكا كيف يستقر امنا مطمئنا في كرسيه الوثير؟
رأينا كل ذلك ولكننا لم نر مثل سوار الذهب عبد الرحمن سوار الذهب ضابط كبير في الجيش السوداني, من عائله ثرية معروفه , قاد وبمؤازرة من رفاقه الضباط الاخرين انقلابا عسكريا ناجحا اطاح بنظام جعفر نميري
نظام النميري لم يكن في وفاق لامع جيرانه ولا مع محيطه العربي ولا مع الاسرة الدوليه ولم يكسب احترام السودانيين ايضا,كان نظاما دكتاتوريا متسلطا, ويقال ان حركة سوار الذهب كانت مدعومة من الانظمة العربية ذات التوجه القومي الوحدوي في سوريا وليبيا والعراق
الانقلاب الذي حدث في ثمانينات القرن الماضي لم يجلب انتباه احد اول الامر, اذ ما الغرابه ان يحدث انقلاب في دولة من دول العالم الثالث الناميه؟ وخصوصا ان كانت تلك الدوله في افريقيا المنكوبه بالجوع والمرض والتمييز العنصري
ما الغريب؟ ما دامت الانقلابات في تلك الفتره كانت على قدم وساق ولا يكاد يمر اسبوع حتى يطيح العسكر بنظام عسكري ليبقوا اشهرا او سنوات معدودة قبل ان يأتي الزمن بمن يطيح بهم,ومعروف مصير من يطاح بهم لانهم ان حالفهم الحظ ونجوا برقابهم فسيتمتعون بثرواتهم التي هربوها استعدادا لهذا اليوم الاسود وليس غريبا ايضا تعهده بنقل السلطه الى حكومة مدنيه لان الانقلابيين في كل زمان ومكان اما ان لا يفون بوعدهم هذا او يخلعون بزاتهم العسكريه ليخوضوا انتخاباتهم الصوريه كمدنيين ويفوزون فيها بنسبة99,99,99 كما هو الحال دائما
الغريب فعلا انه وعد ووفى بما وعد, فخلال اقل من سنه اجرى - وبشهادة الجميع - انتخابات متميزه من حيث نزاهتها وشفافيتها ولم يشترك فيها لاهو ولا اي من اعضاء حكومته العسكريه وسلم السلطه للحكومة المنتخبة واعتزل العمل السياسي من ذلك اليوم
تذكرت هذا السوار الذهبي وان اتابع المشهد السوداني بعد الانتخابات فمن المعروف ان البشير قد انقلب على الحكومة السودانيه الناشئه عن تلك الانتخابات وتلقى اول الامر دعم الترابي وجماعته المتشددين الاسلاميين بعد ان رفع شعارات تطبيق الشريعه التي استولى بها على عقولهم الساذجه وما لبث ان عاودته نزعته الانقلابيه بعد ان تمكن من امره فالقى بهم في غياهب السجون ثم عاد وقرب الاحزاب الوصولية الانتهازية التي يرأسها المهدي والميرغني ثم تنكر لهم مرة اخرى
لم يسأل البشير نفسه ولم يسأله المصفقون من حوله اي انتخابات هذه التي يجريها بعد عشرين عاما من استلامه للسلطه؟ ولماذا يريد الان ان يتذرع بالشرعيه الانتخابيه بعد ان فقد الشرعيه الثوريه التي طالما تشدق بها؟
البشير الذي يمتلك اموال الدوله واجهزتها الاعلاميه والقمعيه والذي اشتهر باسكات معارضيه طيلة العقدين الماضيين وقمع الحريات وتكميم الافواه فاز بانتخاباته التي اكد المراقبون الدوليون والمحليون عدم نزاهتها وبعدها عن المعايير الدوليه
شتان ما بين الثرى والثريا, بين من احترم نفسه واحترم شعبه فأحبوه وابقوه خالدا في وجدانهم وضمائرهم وبين من صادر ارادتهم وخياراتهم وفرض نظامه البغيض عليهم فاستحق كراهيتهم ونفورهم
شتان ما بين الذهب وغيره وشتان ما بين سوار الذهب وغيره من الاساور
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat