من الذي اخطأ. آدم أم حواء؟ قراءة في نصوص الكتاب المقدس.
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى الهادي

تزعم المسيحية بأن الغاية من مجيئ يسوع المسيح هو لرفع الخطية التي حلت على البشر بسبب معصية أبيهم آدم بعد أكله من الشجرة المحرمة في الجنة .
فآدم بعد أن خلقه الله تعالى تعرض للتجربة كما يقول الكتاب المقدس (وإنما أذن الرب أن تعرض له هذه التجربة لتكون لمن بعده قدوة صبره).(1)
فقد قام الله تعالى بتعريضه لإبليس ليختبره ولكنهُ فشل في الامتحان ووقع، ولهذا السبب اصبح طريدا وزوجته ملعونة لأنها شاركت بجريمة اغرائه ، وكذلك لُعن إبليس، وهذا ما يذكره الكتاب المقدس بكل تفاصيله.
كذلك يسوع المسيح أيضا ولسبب نجهله تعرض للتجربة أيضا من قبل إبليس ولمدة اربعين يوما ولكنهُ مثل أبيه آدم لم يصمد فوقع وجاع وأكل، فقرر الرب معاقبته فقام بقتله شر قتله وعلّقهُ على الصليب بعد أن اشبعهُ جلدا وملأ وجههُ بزاقا. وبهذا يكون يسوع المسيح ملعونا لأنه عُلّق على خشبة كما يقول الكتاب المقدس (يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة. مكتوب ملعون كل من عُلّق على خشبة).(2)
فحسب رواية الكتاب المقدس فإن آدم أكل من الشجرة فبان عُريه وأنهُ لا يرتدي اي شيء (فأخذت من ثمر الشجرة وأكلت، وأعطت رجلها فأكل معها. فانفتحت أعينها وعلما أنهما عريانان).(3) ولذلك نرى أن العقوبة التي حلّت بيسوع المسيح هي ان يموت عاريا كما نراه اليوم في جميع الحالات التي أعدم فيها. لأنهُ كرر نفس فعل أبيه آدم فعصى وأكل وفشل في التجربة كما نقرأ (أربعين يوما يجرب من إبليس ولم يأكل شيئا في تلك الأيام . ولما تمت جاع أخيرا).(4)
بعد فشله بالتجربة ومن أجل ان يقوم بتحصين امته زعم المسيحيون بأن نبيهم او الههم يسوع علّمهم صلاة خاصة للنجاة من التجربة كما نقرأ (فصلوا أنتم هكذا أبانا الذي في السماء ليتقدس اسمك .لا تدخلنا في تجربة ، ولكن نجنا من الشرير).(5) علّمهم يسوع هذه الصلاة بعد أن ذاق مرارة فشله بالتجربة فتحمل بذلك العقوبة الموجعة.
حالة تشابه عجيبة بين قصة آدم وعيسى عليهم السلام ، فآدم مخلوق من دون أب ، وعيسى أيضا مخلوق من دون أب ، ولكن الفرق أن آدم لا أم له. آدم فشل في الاختبار، فعاقبه الله تعالى بالطرد من الجنة ، وعيسى فشل في الاختبار أيضا فعذبه الله بتلك الصورة البشعة التي يرويها الإنجيل. فهل حصل ذلك فعلا في حياة يسوع المسيح أم هي استنساخ لقصة آدم.
هذه القصة الغير مفبركة بصورة محكمة طعنت المسيحية في أهم عقائدها التي تزعم فيها أن الله خلق جسدا أطلق عليه اسم يسوع المسيح ثم دخل الله في هذا الجسد لكي يتعذب ويُقتل من أجل أن يغفر للبشرية خطيئة آدم التي أوقعهُ فيها إبليس. والمسيحية لم تُبيّن لنا بصورة واضحة ما هي الخطية التي مات يسوع من أجل ان يرفعها عن الناس. كل ما قالوه أن يسوع بتضحيته الفدائية رفع خطية الموت التي ورثها الإنسان من آدم (بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس).(6) ولكننا لا زلنا نرى الناس من حولنا يخطفهم الموت.
زعمهم هذا يُنقاض نفس كتابهم المقدس الذي يقول: (النفس التي تخطأ هي تموت ، الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن).(7) يضاف إلى ذلك أن الكتاب المقدس يقول وبكل وضوح بأن الله غافر الذنوب يصفح عن الإثم لا يغضب : (من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب، لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يسر بالرأفة).( فهل من الانصاف أن يُعاقب الله الأبناء على ذنب لم يرتكبوه ؟
مع أن التوراة المدمجة مع الإنجيل تذكر قصة آدم وتؤكد على أن الذي اكل من الشجرة ابتداء هي حواء وليس آدم كما نقرأ في محاورة جرت بين الله تعالى وبين حواء ، إلا أن الإنجيل يُغالط ذلك ويعتبر ان آدم هو الذي أكل وبسببه حلّت اللعنة على ذريته، وبسبب ذلك قالوا لابد من تقديم تضحية فدائية بحجم نبي لكي يرفع الله هذه اللعنة من ذرية آدم الذين لم يرتكبوا اي جرم. تقول المحاورة : (فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت . فقال الرب الإله للمرأة : ما هذا الذي فعلت؟).() سفر التكوين 3: 6. إذن فإن التوراة تذكر وبشكل واضح ان المعصية بدرت من المرأة وليس من الرجل.
في معزل عمّا تقدم فإن الكتاب المقدس نفسه أيضا يذكر حقيقة أخرى غير التي تزعمها المسيحية ، وهي أن الذي اخطأ هي حواء وليس آدم كما نقرأ ذلك وبكل وضوح (وآدم لم يغو، ولكن المرأة أغويت).(9) ولذلك لم يستطع المفسر المسيحي ان يُنكر هذه الحقيقة فقال في معرض تفسيره : (خدع إبليس حواء فكسرت الوصية، أما آدم فلم يُخدع).(10) فكيف يُعاقب الله شخصا لم يُخدع ولم يعص ولم يغو.حتى متى يتم خداع الناس ، الستم انتم اليوم أيها الرهبان والقساوسة والبابوات تقومون بنفس دور إبليس تخدعون الناس بهذه الأباطيل وتتسببون بهلاكهم.أما آن للمسيحية على ضوء الانفتاح العلمي والاعلامي ان تعيد قراءة نصوصها الدينية قبل فوات الأوان.
المصادر:
1- سفر طوبيا 2 : 12.
2- سفر أعمال الرسل 5 : 30 . و : رسالة غلاطية 3 : 13.
3- سفر التكوين 3 : 6.
4- إنجيل لوقا 4 : 2.
5- إنجيل متى 6 : 13.
6- رسالة رومية 5 : 12.
7- سفر حزقيال 18: 20.
8- سفر ميخا 7 : 18.
9- تيموثاوس الأولى 2 : 14.
10- شرح الكتاب المقدس، الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد، تفسير رسالة تيموثاوس الأولى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat