قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ .
لقد صرّح القرآن الكريم بأنّ بعْث الأنبياء وإرسال الرسل بدأ منذ بداية العهد التاريخيّ للبشريّة، حيث كان الأنبياء يقودون مجتمعاتهم نحو حياة أفضل ووجود إنسانيّ أكمل, لذا يمكن القول إنّ إشراق النبوّة وظهور الأنبياء في المجتمعات البشريّة يعتبر بداية العصر التاريخيّ للبشرية،لذا أرسل سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله في كلّ الأزمنة وفي مختلف بقاع الأرض، ووهبهم القدرة على فعل المعجزات ليبشّروا الناس بالوحي الإلهيّ، مضافاً إلى أن الأنبياء أنفسهم كانوا يبشّرون أتباعهم بالأنبياء اللاحقين، لكي لا تنحرف البشريّة عن المسار الصحيح، فقضت حكمته ورحمته بإرسال الأنبياء، حاملين إلى الإنسانيّة منهاج هدايتها، الذي يخرجها من أسر الغريزة إلى رحاب العقل، ومن منطق الصراع الذي مرجعه الغريزة والقوّة إلى منطق النظام ومرجعه القانون حيث خرج المجتمع البشريّ بالنبوّات عن كونه تكويناً حيوانيّاً ـ بيولوجيّاً ـ ليتحوّل إلى ظاهرة عقليّة روحيّة، وحقّقت النبوّات للإنسان مشروع وحدة أرقى من وحدته الدمويّة البيولوجيّة، وهي الوحدة القائمة على أساس المعتَقَد، فتطوّرت العلاقات الإنسانيّة بذلك مرتفعة من علاقات المادة إلى علاقات المعاني.
وكان من الطبيعي أن يوجّه الأنبياء أصحاب الرسالات الكبرى كإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، أتباعهم إلى انتظار هذا الدين العظيم لاعتناق دعوته والتصديق برسالته والإيمان بنبيّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أشارت الكتب الإلهيّة المقدّسة كالتوراة والإنجيل إلى مجيء هذا النبيّ العظيم، وأشار القرآن الكريم إلى أن هؤلاء الأنبياء قد مارسوا هذا الدور العظيم.
لا شكّ أنّه من الضروريّ أن يبلغ النبيّ الاستعداد والتكامل الروحيّ الكافي الذي يهيّئه لتلقّي الفيض والمعرفة الإلهيّة ويرفعه إلى درجة التجرّد عن هذا العالم الماديّ والتعلّق بالله سبحانه،و الشخصيّة الإنسانيّة التي تميّز بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تكشف عن أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قد تربّى تربية إلهيّة روحية وأخلاقيّة، حتّى وصف بأنّه صاحب الخلق العظيم، الذي يستجمع الصفات والكمالات الأخلاقيّة العالية، بالإضافة إلى أنّ المعجزة الخالدة في إبلاغ الرسالة الإلهيّة التي جاءت على يديه كشفت عن الخصائص المعنويّة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حتّى وصلت إليه الرسالة لتكون خاتمة الرسالات الإلهيّة إلى البشريّة، وهي الرسالة المستجمعة لكلّ الكمالات الإنسانيّة.
وعلى هذا الأساس، كانت تزداد القابليّة الروحيّة لهذا الإنسان الذي أُوكلت إليه مهمّة تربية عالَمٍ، بناءً على سعته الوجوديّة والأخلاقيّة. وتجذّرت في هذا الإنسان الخصال الأخلاقيّة المتعالية، فكان يتميّز بشخصيّة إنسانيّة عزيزة، والصبر والتحمّل الكبيرين، حيث ساعده ذلك على مواجهة مختلف الآلام والعذابات التي قد تواجه الإنسان أثناء حياته.
ولن يوكل الله تعالى أمر هذه المسؤوليّة الخطيرة والعظيمة إلى من لم يحظَ بأعلى مستويات مكارم الأخلاق, لذلك خاطب الله تعالى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أوائل البعثة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، كما جاء بكتاب يدعو إلى العلم والفكر والتعقّل، واحتوى على صنوف المعارف والعلوم، وبدأ بتعليم الناس الكتاب والحكمة، وذلك وفق منهج بديع مُنقطع النّظير.
حينما نذكر هذه الخصائص ونستعرض بعض الوقفات التاريخية العظيمة والقيّمة جداً في تاريخ الأمة الإسلامية، نجد أنها لا زالت تستلهم هذه الذكريات وتغترف منها الدروس في كل أرجاء العالم وفي كلّ حين. فأي مسلم يعيش في أية بقعة من العالم ويقول"لاإله الله محمد رسول الله" يشعر بالوجد والفرح والغبطة لانتمائه لهذا النبي المختار وسيد البشرية، فحبه راسخ في قلب كل مسلم لذلك نلاحظ في الأيام الراهنة أن أي جبهة تريد إضعاف الإسلام تستهدف هذا الكيان المبارك والمقام العظيم لنبيّنا الكريم ،فمامعنى هذا؟ هذا معناه أنّ ذكرى هذا الإنسان العظيم، واسمه، وولادته، وهجرته، وحكومته في المدينة طوال عشرة أعوام، وكل واحدة من ممارساته وخطواته التعليمية، لو تدبر فيها المسلمون اليوم وتأملوها لكانت درساً لهم ولفتحت أمامهم باباً واسعاً على الحياة،فكان المربي والمعلّم والمُلهم وسيبقى على مرّ الأزمان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat