صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 6)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


تكملة للحلقات السابقة قال الله سبحانه عن البعث ومشتقاتها "زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" ﴿التغابن 7﴾ لَتُبْعَثُنَّ: لَ لام التوكيد، تُبْعَثُ فعل، نَّ لام التوكيد، ادَّعى الذين كفروا بالله باطلا أنهم لن يُخْرَجوا من قبورهم بعد الموت، قل لهم أيها الرسول: بلى وربي لتُخْرَجُنَّ من قبوركم أحياء، ثم لتُخْبَرُنَّ بالذي عملتم في الدنيا، وذلك على الله يسير هيِّن، و "وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا" ﴿الجن 7﴾ لَنْ يَبْعَثَ الله أَحَدًا: لن يبعث رسولا، وأن كفار الإنس حسبوا كما حسبتم يا معشر الجن أن الله تعالى لن يبعث أحدًا بعد الموت، و "وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ" ﴿الأنعام 29﴾ بِمَبْعُوثِينَ: بِ حرف جر، مَبْعُوثِينَ اسم، بِمَبْعوثينَ: بمخرجين من القبور، وقال هؤلاء المشركون المنكرون للبعث: ما الحياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها، وما نحن بمبعوثين بعد موتنا، و "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ" ﴿التوبة 46﴾ انبِعَاثَهُمْ: انبِعَاثَ اسم، هُمْ ضمير، انبعاثهم: ذهابهم و مضيهم أو نهوضهم للخروج، ولو أراد المنافقون الخروج معك أيها النبي إلى الجهاد لتأهَّبوا له بالزاد والراحلة، ولكن الله كره خروجهم فثَقُلَ عليهم الخروج قضاء وقدرًا، وإن كان أمرهم به شرعا، وقيل لهم: تخلفوا مع القاعدين من المرضى والضعفاء والنساء والصبيان، و "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ" ﴿هود 7﴾ مبعثون اسم، ولئن قلت أيها الرسول لهؤلاء المشركين من قومك: إنكم مبعوثون أحياءً بعد موتكم، لسارعوا إلى التكذيب وقالوا: ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا إلا سحر بيِّن، و "وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا" ﴿الإسراء 49﴾ لَمَبْعُوثُونَ: لَ لام التوكيد، مَبْعُوثُونَ اسم، هذا الذي وُصِف من العذاب عقاب للمشركين، بسبب كفرهم بآيات الله وحججه، وتكذيبهم رسله الذين دَعَوْهم إلى عبادته، وقولهم استنكارًا إذا أُمروا بالتصديق بالبعث: أإذا متنا وصِرْنا عظامًا بالية وأجزاءً متفتتة نُبعث بعد ذلك خَلْقًا جديدًا؟
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى: "وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ" (الروم 56)، رد منهم لقول المجرمين: "ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ" (الروم 55) فإن المجرمين لإخلادهم إلى الأرض وتوغلهم في نشأة الدنيا يرون يوم البعث والفصل بينه وبين الدنيا محكوما بنظام الدنيا فقدروا الفصل بساعة وهو مقدار قليل من الزمان كأنهم ظنوا أنهم بعد في الدنيا لأنه مبلغ علمهم. فرد عليهم أهل العلم والإيمان أن اللبث مقدر بالفصل بين الدنيا ويوم البعث وهو الفصل الذي يشير إليه قوله: "وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" (المؤمنون 100). فاستنتجوا منه أن اليوم يوم البعث ولكن المجرمين لما كانوا في ريب من البعث ولم يكن لهم يقين بغير الدنيا ظنوا أنهم لم يمر بهم إلا ساعة من ساعات الدنيا وهذا معنى قولهم: "لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (الروم 56)، أي كنتم جاهلين مرتابين لا يقين لكم بهذا اليوم ولذلك اشتبه عليكم أمر اللبث. ومن هنا يظهر أن المراد بقوله: "أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ" (الروم 56)، اليقين والالتزام بمقتضاه وأن العلم بمعنى اليقين بالله وبآياته والإيمان بمعنى الالتزام بمقتضى اليقين من الموهبة الإلهية، ومن هنا يظهر أيضا أن المراد بكتاب الله الكتب السماوية أو خصوص القرآن لا غيره وقول بعضهم : إن في الآية تقديما وتأخيرا والتقدير وقال الذين أوتوا العلم والإيمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث لا يعتد به. قوله تعالى: "وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ" (الواقعة 46) في المجمع: الحنث نقض العهد المؤكد بالحلف، والإصرار أن يقيم عليه فلا يقلع عنه. ولعل المستفاد من السياق أن إصرارهم على الحنث العظيم هو استكبارهم عن عبودية ربهم التي عاهدوا الله عليها بحسب فطرتهم وأخذ منهم الميثاق عليها في عالم الذر فيطيعون غير ربهم وهو الشرك المطلق. وقيل: الحنث الذنب العظيم فتوصيفه بالعظيم مبالغة والحنث العظيم الشرك بالله ، وقيل : الحنث العظيم جنس المعاصي الكبيرة، وقيل: هو القسم على إنكار البعث المشار إليه بقوله تعالى: "وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ" (النحل 38)، ولفظ الآية مطلق. قوله تعالى: "وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ" (الواقعة 47-48) قول منهم مبني على الاستبعاد ولذا أكدوا استبعاد بعث أنفسهم ببعث آبائهم لأن الاستبعاد في موردهم آكد، والتقدير أوآباؤنا الأولون مبعوثون. قوله تعالى: "قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ" (الواقعة 49-50) أمر منه تعالى لنبيه صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله أن يجيب عن استبعادهم البعث بتقريره ثم إخبارهم عما يعيشون به يوم البعث من طعام وشراب وهما الزقوم والحميم. ومحصل القول إن الأولين والآخرين من غير فرق بينهم لا كما فرقوا فجعلوا بعث أنفسهم مستبعدا وبعث آبائهم الأولين أشد استبعادا وآكد لمجموعون محشورين إلى ميقات يوم معلوم.
جاء في الامثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى: "بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ" (الاسراء 5) تفيد في أنّ الرجال الذين سيؤدبون بني إسرائيل على فسادهم و علوّهم و طغيانهم، هم رجال مؤمنون، شجعان حتى استحقوا لقب العبودية. و ممّا يؤكّد هذا المعنى الذي غفلت عنه معظم التفاسير، هو كلمة "و بعثنا" و "لنا". و لكنّا مع ذلك، لا نستطيع الادّعاء أن كلمة "بعث" تستخدم فقط في مورد خطاب الأنبياء و المؤمنين، بل هي تستخدم في غير هذه الموارد أيضا، ففي قصّة هابيل و قابيل يقول القرآن الكريم: "فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ" (المائدة 21).‌ و لكنّا مع ذلك لا نستطيع أن ننكر و إن لم تقم قرينة خلاف ذلك أنّ العباد الذين بعثهم اللّه للانتقام من بني إسرائيل هم من العباد المؤمنين الصالحين. قوله تعالى "ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى‌ قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى‌ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (يونس 74) التّفسير: الرّسل بعد نوح: بعد انتهاء البحث الإجمالي حول قصّة نوح، أشارت هذه الآية إلى الأنبياء الآخرين الذين جاؤوا بعد نوح و قبل موسى عليهما السّلام لهداية الناس كإبراهيم و هود و صالح و لوط و يوسف عليهم السّلام، فقالت: "ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى‌ قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ" (يونس 74)‌ فقد كانوا مسلّحين كنوح بسلاح المنطق و الإعجاز و البرامج البناءة، إلّا أنّ الذين سلكوا طريق العناد و كذّبوا الأنبياء السابقين، كذّبوا هؤلاء الأنبياء أيضا و لم يؤمنوا بهم‌ "فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ‌" (يونس 74) و كان ذلك نتيجة للعصيان و التمرد و عداء الحق الذي أوصد تلك القلوب‌ "كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى‌ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ" (يونس 74)‌. لقد جرى ذكر قصص الأنبياء و الأمم السابقة كنماذج حيّة، و بدأ الحديث أوّلا عن نوح عليه السّلام، ثمّ عن الأنبياء بعد نوح، و وصل الدور في هذه الآيات إلى موسى و هارون عليهما السّلام و مواجهاتهم المستمرة مع فرعون و أتباعه، فتقول الآية "ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى‌ وَ هارُونَ إِلى‌ فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ بِآياتِنا" (يونس 75). و نرى الكلام في هذه الآيات يدور حول بعثة موسى إلى فرعون و ملئه فقط، في حين أنّ موسى مبعوث لكل الفراعنة و بني إسرائيل، و علّة ذلك أنّ مقدرات المجتمع في يد الهيئة الحاكمة، و بناء على هذا فإنّ أي برنامج إصلاحي و ثوري يجب أن يستهدف هؤلاء أوّلا، كما تقول ذلك الآية (12) من سورة التوبة: "فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ".


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/02/27



كتابة تعليق لموضوع : البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 6)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net