خطاب الدكتاتور يفصح عن ذاته
د . مقدم محمد علي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احيانا يردد الناس بعض الاقوال والعبارات والكلمات دون وعي او تأني في فهم او معرفة او دون فحصها للتأكد من دلالتها او اصلها بل المروج لها هو سرعة شيوعها بين الناس لاسباب اجتماعية او ثقافية او نفسية و تسمى هذه الظاهرة بـ (اللازمة ) التي يكثر تردادها بين الناس في وضع معين او في سياق اجتماعي ، فمثلا تكثر ترديدات بعض الالفاظ والجمل في المظاهرات او الاحتجاجات عندما يطلق شخص معين عبارة او لفظة او مثل ثم تردد الناس بعد ذلك ما قاله دون تفحص او امعان فيما اذا كان هذا الرجل قد قال صدقا او كذبا قد قال حقا او باطلا ، لان الظرف لا يسمح بذلك وهذا الامر يشبه ما يردد في الهوسات الشعبية ( الكولات ) في مواسم الافراح والاحزان ، عندما ينبري احدهم لتقديم بعض العبارات الشعرية والتي سرعان ما تردد مرة اخرى من قبل الحضور بصرف النظر عن معناها ، المهم فيها النغم والتطريب وانها توافق الحالة الشعورية لبعض الناس .
واليوم يحلو لبعض القادة ان يطلق مصطلح ( الدكتاتور ) على المالكي ، فراح المهللون والمطبلون ( الكورس ) يرددون تلك المفردة بدون وعي او تامل : ( المالكي دكتاتور) ، حتى وصل الامر ببعض الناس ومن محبي المالكي الى ترديد هذه الكلمة دون ان يعرف انها تتضمن معنى سلبيا ضد المالكي ، لانه يتصور ان كلمة ( دكتاتور ) شبيهة ب(بطل )او( فارس) او (مقاتل) المهم انه سمعها بكثرة وشاعت بين الناس بسرعة .
ولو تاملنا قليلا دون الخضوع الى الببغائية في الترديد لعرفنا بسهولة ويسر من هو الدكتاتور، فبمراجعة خطابات وتصريحات المالكي ومقارنتها بتصريحات خصومه النارية والعنيفة سيتضح الامر وتعرف المقاصد ، وسنكتشف ان الخطابات التي تضمر في طياتها نبرة التسلط ، ثم يتضح ايضا من خلال حرص الخصم على اظهار قوته وتجبره من خلال اعطاء نفسه حجما وضخامة مبالغ فيهما ، ولسان حاله يقول : ( من المالكي ؟ لولانا لم يكن في هذا المنصب ، نحن القادرون على ازاحته و اسقاطه ) ، فلا صوت للشعب ولا قيمة لتلك الجموع التي خرجت مؤيدة للمالكي عندما انتخبته بل لا حساب للكتلة التي يحتلها المالكي في البرلمان ، ومن يسمع خطاباتهم يظن ان المالكي جاء صدفة ليكون رئيسا للوزراء. ان هذا الاستغفال والتهميش لدور الشعب او سماع رأيه هو من اشد انواع القمع الذي يمارسه القادة السياسيون اليوم فهو يختزل كل الاصوات التابعة له والمعارضة ليكون صوته هو الطاغي والعالي على كل الاصوات ، وكأننا نعيش في زمن ( اذا قال : صدام قال : العراق ).
وهناك ملاحظة اخرى يمكن الاستفادة منها لمعرفة الشخصية الدكتاتورية من الشخصية التي تتسم بنوع من العدالة والموضوعية ، فلو لاحظنا لقاءات المالكي وتصريحاته نراه هادئا متمسكا بالحجج المنطقية داعيا الى الحوار الهادئ ،بينما نرى خصومه منفعلين وغاضبين ومصعدين من لهجة القوة والبطش والعنف ، وهم يسيئون الظن بالخصم ولا يعطونه مجالا للدفاع عن نفسه ، نحن الصح ونحن على الحق والمالكي على الباطل ، دون اثبات تلك الحجج او دون تكليف انفسهم بطرح السلبيات على المجتمع لكي يتقبلها الناس منهم ويستعدوا نفسيا لتصديقهم بان المالكي قد انفرد بالسلطة .
ان هؤلاء لا يحترمون الشعب بل لا يحترمون عقول الناس ، فيخاطبونهم بعبارات وكأن الناس لا تفهم او لا تستطيع ان تميز بين الصح او الخطأ ، فمثلا يريدون اقناع الناس قسرا بفكرة زعموا انها صحيحة ولذلك يجب ان يقتنع الاخرون بها وهي ان المالكي يسير بالبلد نحو الدكتاتورية .. لاغين اي دور للدستور او البرلمان او الشعب او الظروف التي تعصف بالبلدان القريبة والتي سقطت عروش الدكتاتوريات فيها ، فكيف يتحول المالكي الى دكتاتور في ظل مثل هذه الظروف كلها ؟ المالكي يتحول في عقولهم هم وليس لذلك وجود في الواقع وهذا نوع من الهلوسات التي يشعر بها المرء نتيجة لبعض الضغوط النفسية والاجتماعية او هو نوع من الاسقاطات التي يشعر بها الفرد معبرا عما في داخله عنها ومتصورا انها الحقيقة ..
ايها القادة والساسة اعطوا الشعب فرصة للنظر بأحكامكم الصاروخية لكي يتعرف على اسبابها ودوافعها ولا بد ان تمنحوه مجالا للتفكير وتقرير الصح من الخطأ فلا تفكروا عنه بالنيابة ، فمن لا يحترم الشعب هو الدكتاتور الاكبر.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . مقدم محمد علي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat