صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

أدبر و دبرا و مدبرا في القرآن الكريم (ح 4)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


تكملة للحلقات السابقة قال الله تبارك وتعالى عن أدبر ومشتقاتها "وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ" ﴿النمل 10﴾ وألق عصاك فألقاها فصارت حية، فلما رآها تتحرك في خفة تَحَرُّكَ الحية السريعة ولَّى هاربًا ولم يرجع إليها، فطمأنه الله بقوله: يا موسى لا تَخَفْ، إني لا يخاف لديَّ من أرسلتهم برسالتي، و "إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ" ﴿النمل 80﴾ إنك أيها الرسول لا تقدر أن تُسمع الحق مَن طبع الله على قلبه فأماته، ولا تُسمع دعوتك مَن أصمَّ الله سمعه عن سماع الحق عند إدبارهم معرضين عنك، فإن الأصم لا يسمع الدعاء إذا كان مقبلا، فكيف إذا كان معرضًا عنه موليًا مدبرًا؟ و "وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ" ﴿القصص 31﴾ ولَّى مدبرا: هاربا منها، فلما أتى موسى النار ناداه الله من جانب الوادي الأيمن لموسى في البقعة المباركة من جانب الشجرة: أن يا موسى إني أنا الله رب العالين، وأن ألق عصاك، فألقاها موسى، فصارت حية تسعى، فلما رآها موسى تضطرب كأنها جانٌّ من الحيات ولَّى هاربًا منها، ولم يلتفت من الخوف، فناداه ربه: يا موسى أقبل إليَّ ولا تَخَفْ؛ إنك من الآمنين من كل مكروه، و "فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ" ﴿الروم 52﴾ فإنك أيها الرسول لا تسمع من مات قلبه، أو سدَّ أذنه عن سماع الحق، فلا تجزع ولا تحزن على عدم إيمان هؤلاء المشركين بك، فإنهم كالصم والموتى لا يسمعون، ولا يشعرون ولو كانوا حاضرين، فكيف إذا كانوا غائبين عنك مدبرين؟ و "وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ﴿الأحزاب 15﴾، و "فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴿الصافات 90﴾ ولقد كان هؤلاء المنافقون عاهدوا الله على يد رسوله من قبل غزوة الخندق، لا يفرُّون إن شهدوا الحرب، ولا يتأخرون إذا دعوا إلى الجهاد، ولكنهم خانوا عهدهم، وسيحاسبهم الله على ذلك، و "يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" ﴿غافر 33﴾ مدبرين اسم، يوم تولون ذاهبين هاربين، ما لكم من الله من مانع يمنعكم وناصر ينصركم، و "إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ" ﴿محمد 25﴾، و "فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ" ﴿محمد 27﴾ وأدبارهم: الواو حرف عطف، أدبار اسم، هم ضمير، وجوههم وأدبارهم: ظهورهم بمقامع من حديد، فكيف حالهم إذا قبضت الملائكة أرواحهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم؟ و "وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا" ﴿الفتح 22﴾ لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ: لانهزموا أمامكم شر هزيمة، و "وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ" ﴿ق 40﴾ وَأَدْبَارَ: الواو حرف عطف، ادبار اسم، وأَدبار السجود: بفتح الهمزة جمع دبر وكسرها مصدر أدبر، أي صل النوافل المسنونة عقب الفرائض وقيل المراد حقيقة التسبيح في هذه الأوقات ملابسا للحمد، و "وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ" ﴿الطور 49﴾ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ: ركعتا الفجر السنة قبل الفريضة، إدبار النجوم: وقت غيبة النجوم بضوء الصباح أو الركعتان قبل الفجر، وسبِّح بحمد ربك حين تقوم إلى الصلاة، وحين تقوم من نومك، ومن الليل فسبِّح بحمد ربك وعظِّمه، وصلِّ له، وافعل ذلك عند صلاة الصبح وقت إدبار النجوم، و "سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ" ﴿القمر 45﴾ الدبر: ال أداة تعريق، دبر اسم، سيهزم جمع كفار مكة أمام المؤمنين، ويولُّون الأدبار، وقد حدث هذا يوم بدر، و "لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ" ﴿الحشر 12﴾ الأدبار: أل أداة تعريف، أدبار اسم، لئن أُخرج اليهود من المدينة لا يخرج المنافقون معهم، ولئن قوتلوا لا يقاتلون معهم كما وَعَدوا، ولئن قاتلوا معهم ليولُنَّ الأدبار فرارًا منهزمين، ثم لا ينصرهم الله، بل يخذلهم، ويُذِلُّهم.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى: "وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ" (النمل 10) إلخ، الاهتزاز التحرك الشديد، والجان الحية الصغيرة السريعة الحركة، والإدبار خلاف الإقبال، والتعقيب الكر بعد الفر من عقب المقاتل إذا كر بعد فراره. قوله تعالى: "فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ" (الاعراف 107) الفاء جوابية كما قيل أي فأجابه بإلقاء عصاه، وهذه هي فاء التفريع والجواب مستفاد من خصوصية المورد. والثعبان الحية العظيمة ولا تنافي بين وصفه هاهنا بالثعبان المبين وبين ما في موضع آخر من قوله تعالى: "فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ" (القصص 31).
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: أَنَّ آيَةَ مَوْتِكَ أَنَّ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يُقَالُ لَهَا الْخُرْنُوبَةُ.فَنَظَرَ سُلَيْمَانُ يَوْماً،فَإِذَا الشَّجَرَةُ الْخُرْنُوبَةُ قَدْ طَلَعَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ قَالَتْ: اَلْخُرْنُوبَةُ قَالَ فَوَلَّى سُلَيْمَانُ مُدْبِراً إِلَى مِحْرَابِهِ، فَقَامَ فِيهِ مُتَّكِئاً عَلَى عَصَاهُ،فَقُبِضَ رُوحُهُ مِنْ سَاعَتِهِ. قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْمَ الْبَصْرَةِ، نَادَى فِيهِمْ: لاَ تَسْبُوا لَهُمْ ذُرِّيَّةً، وَ لاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَ لاَ تَتْبَعُوا مُدْبِراً، وَ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ وَ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ آمِنٌ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/02/08



كتابة تعليق لموضوع : أدبر و دبرا و مدبرا في القرآن الكريم (ح 4)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net