صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

الجنة ،الفردوس، النعيم في الكتب المقدسة.
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الجنة ، الحلم الذي طالما سعى الإنسان لتحقيقه او اكتشافه على الأرض ولكنه لم يفلح . فمن جنة تشاغوس المفقودة مرورا بـ جنة أورتكند الضائعة في شمال إيران ، وجنة عدن في جنوب العراق إلى مثلث الجنة في فنلندا وجزر الكاريبي ،بحث الإنسان في كل زاوية فتركت هذه الأبحاث اثرا كبيرا في الأدب العالمي ابتداء من ملحمة الفردوس المفقود لجون ملتون الانكليزي ومرورا برواية الجنة المفقودة للأمريكية أورسولا لي غوين.ناهيك عن سعي البشر لبناء الجنة الأرضية ولكنهم خابوا فاوصلوا الأرض إلى حافة النهاية.

علميا فقد قضى المستشرقون وبعض المكتشفين والرحالة السنين الطوال وبذلوا الأموال الطائلة وتعرضوا للأخطار من اجل العثور على الفردوس المفقود في الأرض، حتى أن بعضهم قال بأن الجنة المفقودة هي هاييتي. وأحدث ما قيل عن الجنة بأنها كانت في جنوب العراق شرق مدينة أور، وهذا القول يتوافق مع الرؤية التوراتية. وقد بذل البروفيسور وعالم الآثار الأمريكي جوريس زارين جهودا كبيرة في بحثه عن جنة عدن، فوجد انها تقع في جنوب العراق فيما يُسمى الآن القرنة حيث كانت تلتقي هناك اربعة أنهار.

بقيت الجنة ذلك الغموض الذي يلف مخيلة الإنسان والذي لا يملك تصور واضح عنها إلا ما ورد عنها في رسالات السماء ، ومنها الكتب المشهورة الثلاث.

ففي الكتاب المقدس ورد اسم الجنة مرتين فقط في سفر التكوين وسفر إشعياء (1) في إشارة إلى جنوب العراق الذي كان يجري فيه أربعة أنهار تسقي الجنة، لم يبق مهما سوى اثنان (حداقل والفرات) دجلة والفرات،فيقول: (وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا، وشجرة الحياة في وسط الجنة ووضع هناك آدم الذي جبله ــ يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ــ. وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة ... حداقل، وهو الجاري شرقي أشور. والفرات. وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها).(2) وهو مقارب لوصف القرآن للجنة بأن الأنهار تغذيها: (مثلُ الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار).(3) وقوله تجري من تحتها الانهار ، اي تتخلل قصورها وبيوتها وبساتينها.

الكتاب المقدس يؤكد بأن هذه الجنة ــ التي حُجبت عنّا ووضعت لربما في حيّز خاص بها بعد خروج آدم منهاــ كانت وستكون على الأرض وحسب رؤية التوارة سوف يكشف الله عنها الحجاب وسينزل إلى الأرض وينصب خيمة ليسكن فيها وسط الناس ويرفع منهم الأمراض والاوجاع فيقول في سفر الرؤيا : (ها خيمة الله مع الناس سيسكن معهم، وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون نوح ولا صراخ ولا وجع في ما بعد).‏(4)‏

الولوج إلى هذه الجنة بعد حجبها يحتاج إلى حالة خاصة وإذن خاص من خالقها،وأحد هذه الوسائل هي الموت للأبرار أو الشهداء حيث ينتقل الشهداء والصالحين والأبرار إلى جنة نعيم (إن الأبرار لفي نعيم).فمن الصعب الولوج إليها بالجسد المادي الكثيف إلا أن يرفع الله تعالى الستار بيننا وبينها كما يحصل في آخر أيام هذه الأرض. ولعل في القرآن اشارة إلى ذلك عندما يصف عملية الولوج إلى الجنة او العوالم الموازية بأنها تتم عبر أبواب تُفتح بإذن الله تعالى كما نقرأ : (إن الذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تُفتح لهم أبوابُ السماء ولا يدخلون الجنة). (5) فما بيننا وبين الجنة ابواب مغلّقة.وكما هو معلوم فإن الأرض جزء من السماء وقوله لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة. يدل دلالة واضحة ان هناك حواجز بيننا وبين ذلك العالم يُفتح ويُغلق بأمره تعالى. وفي ذلك دلالة ايضا على ان جنة الأرض بعد هبوط آدم منها حجبها الله في حيّز خاص بها لايصلها احد إلا عبر هذه الابواب. (6) (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب). (جنات عدن يدخلونها ..والملائكة يدخلون عليهم من كل باب).

وفي معرض تفسيره يقول المفسر المسيحي أن الأبرار هم من سيسكنون في جنة الأرض الفردوس الأرضي حيث يقول في الزبور : (الأبرار يرثون الأرض ، ويسكنونها إلى الأبد). (7) وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من مبدأ وراثة الأرض الذي ذكره تعالى (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوراثين). ونجد نصا شبيها في القرآن أيضا يُشير إلى نص الزبور الذي ذكرناه وهو قوله تعالى : (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). من ذلك نستخلص سؤال هو : هل أن الجنة فعلا ستكون في الأرض وهل ستكون هناك جنة أخرى في انحاء الكون خصوصا واننا نقرأ في القرآن بأن هناك جنات (جنات تجري من تحتها الأنهار). أم هي جنة واحدة على شكل قطع متجاورات.

أما الكتاب المقدس فهو يؤكد على وجود جنتين، واحدة في السماء للخواص حيث سيذهب لها عدد محدود جدا، (144) ألف. وفي المسيحية فإن الجنة التي في السماء سوف يسكنها من البشر فقط مائة واربع واربعون ألف يخبرنا يوحنا في رؤياه بأن السيد المسيح ومعهُ (144) مائة واربعة واربعون ألف مكتوبة اسمائهم على جباههم هؤلاء يتبعون المسيح ويكونوا معه في الملكوت الأعلى. (😎

وأخرى في الأرض للعوام ولربما تكون في عالم موازٍ يتمتع بخصائص اقوى ولهذا السبب لا يُمكننا الاتصال به.هذا القول يعضده نصٌ في القرآن يؤكد بأن المقصود بوراثة الإرض هو (وراثة جنة الأرض) التي سيكشف الله عنها الحجاب كما نقرأ (وتلك الجنة اورثتموها بما صبرتم فنعمى عقبى الدار). وقد وصف تعالى قطع صغيرة من البساتين على الأرض بأنها جنة (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا).(9) وكذلك : (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) .

وفي نص آخر يؤكد فيه السيد المسيح بأن (فردوس الله) سيكون في الأرض فيقول : (من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله). وكما هو معروف في التوراة والقرآن فإن شجرة الحياة او شجرة الخلود غرسها الله في جنة عدن جنوب العراق بنص الكتاب المقدس نفسه، فجنة السيد المسيح وفردوسه في الأرض أيضا.والذي يؤكد ان الجنة في الأرض هو نص سفر التكوين الذي يقول بكل وضوح : (وأنبت الرب الإله من الأرض الجنة، وشجرة معرفة الخير والشر.( (10)

واما كلمة (نعيم) فلم ترد في الكتاب المقدس ولا في أحاديث موسى وعيسى ، ولكننا نجدها بكثرة في الترانيم المسيحية الحديثة (الأدعية) فيدل ذلك على استعارت هذه المفردة (نعيم) من المسلمين واستخدامها في الترانيم الكنسية مثل : (ترنيمة نمضي إلى دار النعيم). وكذلك (إني أحب الرب لا لأربح النعيم). ناهيك عن ترانيم كثيرة استخدمت هذه المفردة التي لم ترد إلا في الاسلام كما يقول تعالى : (أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم).

واما في التوراة فلم ترد كلمة الفرودس على أنها الجنة، بل وردت لوصف حدائق الملوك كما نقرأ : (ورسالة إلى أساف حارس فردوس الملك لكي يعطيني أخشابا لسقف أبواب القصر).(11) وكذلك وردت فردوس في قصائد الغزل في التوراة فتصف أحد النساء نفسها : (أنا كساقية من النهر ، وكقناة خرجت إلى الفردوس).(12) قصيدة غزلية لا يُعرف من قائلها تم ادراجها في الكتاب المقدس على انها كلام الله. ولكن في الانجيل فقد وردت كلمة فردوس واضحة على انها الجنة ووردت ثلاث مرات فقط في كامل الإنجيل (13) بعكس التوراة التي ذكرت الفردوس في قصص غرامية بين محبوب وحبيبته واكثرها في نشيد الانشاد المليء بالغزل والمشاهد الجنسية الفاضحة.

ما ابخل الكتاب المقدس حيث حصر الجنة في الأرض الصغيرة الضيّقة التي اوشكت مواردها على النفاد وعمّتها الكوارث بينما القرآن عندما يذكر الجنة فإنه يُشير إلى رحمة الله الواسعة فيقول : ( وجنة عرضها السموات والأرض).(14) فرحمة الله بوسع جنّته ، وعذابه على قدر ناره المحشورة في زاوية ضيقة.

المصادر :

1- في التوراة في سفر إشعياء 61: 11 يقول : ( كما أن الأرض تُخرج نباتها ،أن الجنة تنبت مزروعاتها).

2- سفر التكوين 2: 9. وقوله في آخر النص (وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا، ووضع هناك آدم الذي جبله وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها).ولكن الله أخرج آدم من الجنة ورماه خارج اسوارها ليكدح ويعمل ، فعاش آدم شرق الجنة.كما نقرأ في سفر التكوين 3: 23 ـ 24. (فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها. فطرد الإنسان، وأقام شرقي جنة عدن). كلام التوراة فيه دلالة على ان هناك جنة في الأرض التي امر الله الانسان ان يسكن فيها ويستعمرها وان يحفظها ويحفظ مواردها ويعمل فيها ولا يُسرف في استهلاكها.

3- سورة الرعد آية: 35.

4- سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: 4.لعل في ذلك اشارة إلى دولة الإمام المهدي عليه السلام ،الذي سيمسح كل دمعة من عيون الناس ، حيث تقرّ به عيون المؤمنين.

5- سورة الأعراف آية : 40.

6- سورة ص : 50.الرعد : 23.

7- المزمور 37: 29.

8- سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 7. رؤيا يوحنا 14 : 1ـ 4 وكذلك رؤيا يوحنا 5 : 10.

9- سورة الكهف آية : 35.الزخرف آية : 72.

10- سفر التكوين 2: 9.وفي القرآن فقد وصف هذه الشجرة بأنها شجرة الخلد (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا ان تكونا ملكين او من الخالدين). تُصحح الآية.

11- سفر نحميا 2 : 8.

12- سفر يشوع بن سيراخ 24 : 41.

13- في إنجيل لوقا 23: 43 (فقال له يسوع: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس). وفي رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 4 يقول : (أنه اختطف إلى الفردوس).وفي سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 7 (من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله).

14- بحسب القرآن فإن الجنة والنار متجاورتان ، وان اهل الجنة والنار يرى بعضهم البعض ولكن كلٌ في حيّز خاص به : (ونادى أصحابُ النارِ أصحابَ الجنةِ أن أفيضوا علينا من الماء). سورة الأعراف آية : 50


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/11



كتابة تعليق لموضوع : الجنة ،الفردوس، النعيم في الكتب المقدسة.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net