البعد الروحي للطواف (32)
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

وكذا عندما نلحظ وجود المخلوقات على الارض نجد القران الكريم صريح في تفضيل بعض الموجودات على البعض الاخر حيث قال ﴿ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾ .
وهكذا نجد ان الله تعالى خلق الموجودات على مراتب متفاوتة في القيمة الذاتية فبعض كانوا في الطبقة العليا من الكمال وهم العباد المصطفون وهؤلاء في درجاتهم تفاوت كما مر، ومن كانوا في الطبقات الكمالية دون العليا جعل الله فهيم اهلية الرقي والوصول اليه اذا اختاروا طاعته والقرب منه ﴿ان اكرمكم عند الله اتقاكم﴾ .
وهذا التفاوت في درجات الكمال تترتب عليه مسؤولية كبرى في طريق الهداية الى الله فالانبياء والاوصياء (عليهم السلام) تحملوا اعباء الدعوة الى الله واصلاح المجتمعات وتخلوا عن مساحة واسعة من استحقاقاتهم الدنيوية والمادية كي يعتلوا قمة الاسوة الحسنة التي لا تتحقق في نظر المجتمع الانساني الا بالزهد والتقشف والتنازل عن الاستحقاق الشخصي فالنبي (صلى الله عليه واله) امتدت دولته من اطراف العراق وبلاد الشام الى بحر العرب ومن الخليج الى البحر الاحمر وكانت تجبى له الاموال الطائلة الا انه كان يبيت ليلة طاويا واخرى يتناول عشاء كعشاء الفقراء وامير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي حكم بلادا واسعة من اواسط اسيا الى حدود روسيا والى المحيط الاطلسي وشمال افريقيا قدم له ليلة استشهاده لبن وملح فاعترض على ابنته وبين لها ان رسول الله (صلى الله عليه واله) مضى من الدنيا ولم يقدم له ادامان فأمرها برفع اللبن وكان اخر افطار له في شهر رمضان الملح الجريش والماء القراح.
وهذا الانتخاب الالهي والاختيار الرباني والسنة الثابتة في التفضيل لم تقتصر على بني الانسان بل شملت كل ما في الكون من الموجودات سواء منها ماكان من الكائنات الحية او الجمادات فجعل في كل موجود خصوصية ولكل منها اثر, وهذا من الامور الواضحة لأصحاب الاختصاصات كل في مجاله، ومن تلك الموجودات البقاع الطاهرة والاماكن المقدسة والمواضع المشرفة التي اختصها الله بما يميزها عن غيرها من بقاع الارض بحيث اضحت منارا للهدى ومظهراً للكرامة وفيها يلمس الانسان الحقائق والآثار الواقعية.
وكما هو الحال في آثار الموجودات الكونية فالامر ينتقل الى افعال العباد وتصرفاتهم فترى القرآن الكريم يعلق الرخاء في الحياة المادية على الاستقامة ﴿والوا استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا֍ لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا﴾ وان دوام أي حضارة متوقف على الايمان والتقى ﴿ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون﴾
فمن العرض المختصر المتقدم يتبين ان الله تعالى قد اقام قانون الكون على اساس العلية والمعلولية في مختلف الجوانب المتعلقة بحياة الموجودات ومن بينها الانسان وما يحيطه وان هناك تأثير متبادل بين الامور الواقعية ذات الوجود المادي الحسي وبين الافعال وان كل ما في الكون مؤثر في كل ما فيه على اساس نظم غاية في الدقة.
ولذلك ليس من الصحيح اهمال الاسباب وان كانت صغيرة في نظر الإنسان لأن تأثيرها واقع لا محالة سواء كان اثر ذلك السبب تكوينيا ماديا كتاثير التجارب النووية والاحتباس الحراري على المناخ او ذات اثر غيبي كما في ظلم الحكام وفساد الرعية ودورها في انهيار الحضارت وزوال الامم .
وفي مقابل ذلك ان الوعود الالهية المبينة لأسباب الرخاء والتطور والازدهار دالة ايضاًعلى علية الافعال في ترتب الاثار ﴿ واذ تاذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد﴾
فكما جعل الله تعالى كل ما في الكون مترابط مع بعضه جعل بعض الموجودات ذات اثر مهم في اعادة نظم العلاقة الكونية وترتبها فجعل لجميع الافعال اثاراً على صعيد حياة الفرد والمجتمع كالصلاة والصيام والزكاة والحج، وجعل لجملة من المواقع اثارا كالحجر وركنه والحطيم والمسجد الحرام وغيرها من المواضع المشرفة ضمن شروط خاصة وآداب معينة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat