صفحة الكاتب : حيدر عاشور

الى روحِ الشهيدِ السعيدِ (شاكر راجح علي الكريطي) في مخاضِ الرجولة كتبَ قصة استشهاده
حيدر عاشور

 لمعتْ عيناه وتوهجت وجنتاه ونهض مندفعاً، حول كلمة ينتفض بها دم محموم الصرخات، اعيت روحه من أجلها، حسها.. وراءها، وحلم بكل قوته الحصول عليها.. كأنها تلوح له دانية، ومعانيها اللامتناهية تبدو له في متناول يديه، وكأنه من دون البشر مكلف بهذا العبء منذ أن فقد أمه وأباه وعمره اربع سنوات، وأن اسمها منقوش على محياه، وصوت النداء اظهرها بلونها، ممزقا قناع اليتم عنه، لاهباً في اعماقه شعلة الجنة. وما زال يسمع تكرار صوت النداء وهو يحدق بصمت ملتهب:" من يمت في سبيل العرض والارض والمقدسات يكن شهيدا". وفي نظراته نداوة حب الجهاد مشحون بما لا يحسه الا من فيه شوق الشهادة.

وقف أمام أخيه الاكبر يتوسم منه القبول، وتجيء نبرة صوته وكأنها مغموسة في نهر -ابو روية- بخيرات هندية كربلاء- مجهدة، ولكنها متفائلة بالشجو العميق منها. فلا يمكن نكران صوت الجهاد الكفائي المنطلق من منبر الحرية والشهادة في ضريح المولى الشهيد أبي عبد الله الحسين(عليه السلام). كان رفض أخيه بالتطوع في صفوف الحشد الشعبي، مرتفع النبرة: أنت مجنون يا شاكر، بعدك صغير وعمرك لم يبلغ ربيعه الواحد والعشرين عاماً.

اصبح" شاكر" يشبه الجريح المسكين الذي لا يرجى له شفاء، يتخبّط في دمه لكثرة ضغوطات رفض أخيه وأخته في الالتحاق بالجهاد. ولكنه كان يستوعب كل كلمة وحرف وخوفا عليه من الموت، فيقول مبتسماً: اذا شاركت في تحقيق حلمي ( الجهاد) ماذا يفعل الدواعش بي مثلاً؟،" جنتي وبستاني في قلبي.. حبسي خلوة.. ونفي سياحة.. وقتلي شهادة، وهي غاية الاماني".. واذا كانت الحياة هي الصمت على المذلة، فان حريتها هي ضجيج العدالة، وهي من الثوابت الالهية التي يضحّي الانسان من أجلها كي ينتصر على الباطل، فالإنسان المؤمن بالعقيدة والمذهب هو دواؤها وقربانها الدائم. والمخالفون من الناس يقبلون بالمهانة والمذلة واباحة الشرف، ويرفضون السعادة الحقيقية والشرف الرفيع الذي يبشر به الله عباده المخلصين. فقد تعلمت يا أخي، من خدمة المواكب الحسينية ومجالسها التوعوية ان الجهاد هو متنفس الروح بالاستشهاد لتبقى حية طالما الحياة باقية. وان الاستشهاد بالنسبة لمن يحب.. ليلة زفاف وسر مملوء بالسعادة.

التحق "شاكر" بعد صراع الخوف عليه من قبل أخوته ليكون مجاهدا في اللواء الرابع عشر- لواء علي الاكبر القتالي، احد تشكيلات العتبة الحسينية المقدسة. وأول معركة يخوضها هو تحرير وتطهير-جرف الصخر- ورأسه يضج بالأفكار والاخيلة، يصنع البطولات لنفسه من وراء ساتر الصد، على قدر المهمات التي ينفذها، شأنه في ذلك شأن كل الشبان المجاهدين، التي تفور غيرتهم على الارض والمقدسات. و" شاكر" يحمل من الشهامة والشجاعة ما تفوق كل من حوله، رجل يعمل وينفذ الاوامر بصمت وطاعة، فقد علّمه اليتم المبكر ان يختار من الكلام أفضله. وزاد في طبعه الهادئ ولعه بقراءة القرآن الكريم، وحبه الذي ليس له حدود لأهل البيت عليهم السلام، وعشق غير محدود لخدمة الإمام الحسين(عليه السلام). صار مثل الاف المجاهدين الذين يرابطون على سواتر الصد لتحجيم قوة (داعش)، والميزة التي انفرد بها هي جندلة العدو وإحصاء عدد من جندلهم. وتوجب عليه أن يزيد كل يوم قتلاه، ولكثرة (داعش) كان يخطئ بالعد، وأحياناً يشاغله أحد، وتارة تأخذه الحمية فيغفل عن ، لكن رفاقه في الساتر كانوا دأبو' على عد ما يقتل "شاكر" من الدواعش على سبيل ان يمنحوه جواً من السعادة لشدة تركيزه وشخوص بصره باتجاه منافذ اختراقات العدو. كانوا يشعرون بأنفاسه تسبح وتتهادى، ووجهه نور وبصدره انشراح، وساتر جرف الصخر زخات رصاص، ورشات دم، وعندما تأزف الصلاة ورغم الموت والحرائق على المصلى سجد. كأنه يعلّم من حوله طاعة الله فوق كل الطاعات.. محوّلاً الموت في ساعة الصلاة الى زاد يملأ الروح بالإيمان والنفس بالطمأنينة

، ويؤنس وحشة الخوف، ويصل ناره ويرفع به الى مرتبة ملاك انسان، وهو يعقد عمره الشبابي على الامل والحب والتضحية والشوق للقاء الله مضرجا بدمه، فالاستشهاد عنده عرس ينتظره. فكان في خطط الصولات يتقدم التشكيل، ونظره شاخص لا يرى سوى كربلاء، ذاهلا عن كل شيء عن ذاته ووجوده وعمّا يحيط به. كلماته يطلقها اهازيج يشحذ بها الهمم حين يرى الدواعش تظهر بأرديتهم وبأسلحتهم وهو على أعلى درجة من التأهب، هم يتقافزون مثل الفئران وهو يصطادهم حتى ملأ منهم مزارع الجرف. يصول وأمامه اصبح الموت يقيناً، لم تحمه الاشجار ولا السواقي حتى اصبح وراءه الموت، والمعركة طاحنة والسواتر أصبحت نارا والصدور مطرزة بالرصاص، والقناص الداعشي يقتل اية حركة ولو لداعش أو حمامة.. نفد الرصاص عند "شاكر" واستمر زخّ الرصاص عليه مدة نصف ساعة او تزيد وهو يدعو رفاق سلاحه امام الحياة بشرف او الذهاب للجنة بسعادة كلاهما سيكونان مفخرة لكربلاء التي تنتظر النصر في جرف الصخر. كانت قوة الحشد الشعبي بكل الويته مستنفرة للقتال وتعرف خبايا العدو وطرقه الملتوية.. فتمت تصفيتهم وساد سكون وهدوء ورجع" شاكر" سالماً الى ساتر الصد، ودعا المجاهدين للصلاة فقد ازف وقتها، ومساء يوم السبت 1 / 11 / 2014م، المصادف 8 / محرم الحرام/ 1436هـ.  جمع الحزن والنصر، ولكن الصلاة تحتاج الى وضوء، والماء قد نفد اثناء المعركة فتبرع ان يأتي بالماء من مزرعة –صنيديج- قصد اليها مطمئنا ان النصر تم، والدواعش قد سحقوا. حمرة المغرب كانت واضحة تعلن دخول الليل، حمل ما يمكن حمله من الماء، رافضاً أي مساعدة من أحد، وهو يتحدث عن قيمة الماء العليا ونورانية معركة الطف في عطش الحسين وأهل بيته، وشجاعة العباس وتحوّل الحر الرياحي. فانهار السامعون من نبرة صوته الشجية في مظلومية الامام وعطشه المروع. فشق طريق العودة تغمره السعادة والرضا، وعلى قلب الحمرة المغربية، تناثر "شاكر" وارتفع مع الماء نحو السماء فرجع جسده الى الارض مقطع الاجزاء، تلك خيانة الخونة حين يكونون جبناء يصنعون الفخاخ للشجعان، فكان نصيبه ومن معه عبوة ناسفة وضعت في طريق عودته، داسها وهو يحمل ثقل ماء الوضوء.. فذهب الى حيث تمنى مضرجاً بدم وماء.. لقد كان عمره القتالي شجاعة لم تتم، كأنه كان يتعجّل نهل الشهادة بنور ماء الوضوء.           

·        لقد تعلمت من خدمة المواكب الحسينية ومجالسها ان الجهاد هو متنفس الروح بالاستشهاد.. والاستشهاد ليلة زفاف وسر مملوء بالسعادة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر عاشور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/05



كتابة تعليق لموضوع : الى روحِ الشهيدِ السعيدِ (شاكر راجح علي الكريطي) في مخاضِ الرجولة كتبَ قصة استشهاده
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net