أدبر و دبرا و مدبرا في القرآن الكريم (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاءت كلمة أدبر ومشتقاتها في القرآن الكريم: الْأَدْبَارَ، أَدْبَارِهَا، أَدْبَارِكُمْ، دَابِرُ، دُبُرَهُ، وَأَدْبَارَهُمْ، مُدْبِرِينَ، دُبُرٍ، أَدْبَارَهُمْ، مُدْبِرًا، وَأَدْبَارَ، وَإِدْبَارَ، الدُّبُرَ أَدْبَرَ. قال الله تبارك وتعالى عن أدبر ومشتقاتها "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ" ﴿التوبة 25﴾ مدبرين اسم، وَلَّيْتُم مُدْبِرينَ: هاربين على أعقابكم، لقد أنزل الله نَصْرَه عليكم في مواقع كثيرة عندما أخذتم بالأسباب وتوكلتم على الله، ويوم غزوة حنين قلتم: لن نُغْلَبَ اليوم من قلة، فغرَّتكم الكثرة فلم تنفعكم، وظهر عليكم العدو فلم تجدوا ملجأً في الأرض الواسعة ففررتم منهزمين، و "وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" ﴿يوسف 25﴾ وَ قَدَّتْ قَميصَهُ مِنْ دُبُرٍ: مزقته من الخلف بسبب الشدِّ نحوها، وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج، وأسرعت تحاول الإمساك به، وجذبت قميصه من خلفه؛ لتحول بينه وبين الخروج فشقَّته، ووجدا زوجها عند الباب فقالت: ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إلا أن يسجن أو يعذب العذاب الموجع، و "وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ" ﴿يوسف 27﴾ وإن كان قميصه شُقَّ من الخلف فكذبت في قولها، وهو من الصادقين، و "فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ" ﴿يوسف 28﴾ دبر اسم، فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقَّ من خلفه علم براءة يوسف، و "فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ" ﴿الحجر 65﴾ وَ أْتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ: امش وراءهم لحفظهم، اتبع أدبارهم: سِرْ خلفهم لتطّلع عليهم، فاخرج مِن بينهم ومعك أهلك المؤمنون، بعد مرور جزء من الليل، وسر أنت وراءهم، لئلا يتخلف منهم أحد فيناله العذاب، واحذروا أن يلتفت منكم أحد، وأسرعوا إلى حيث أمركم الله؛ لتكونوا في مكان أمين، و "وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَـٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ" ﴿الحجر 66﴾ دابر اسم، دابرهم: آخرهم، و المراد جميعهم، و الدابرة: آخر الرمل، و الدابر: الأصل، وأوحينا إلى لوط أن قومك مستأصَلون بالهلاك عن آخرهم عند طلوع الصبح، و "وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا" ﴿الإسراء 46﴾ أدبارهم: أدبار اسم، هم ضمير، وجعلنا على قلوب المشركين أغطية؛ لئلا يفهموا القرآن، وجعلنا في آذانهم صممًا، لئلا يسمعوه، وإذا ذَكَرْتَ ربك في القرآن داعيًا لتوحيده ناهيًا عن الشرك به رجعوا على أعقابهم نافرين من قولك، استكبارًا واستعظامًا من أن يوحِّدوا الله تعالى في عبادته، و "وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ" ﴿الأنبياء 57﴾ مدبرين اسم، وتالله لأمكرنَّ بأصنامكم وأكسِّرها بعد أن تتولَّوا عنها ذاهبين.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعى" (المعارج 17)أَدْبَرَ وَتَوَلَّى: تجره إليها، أي تطلب من أدبر عن الدعوة الإلهية إلى الإيمان بالله وأعرض عن عبادته تعالى وجمع المال فأمسكه في وعائه ولم ينفق منه للسائل والمحروم. وهذا المعنى هو المناسب لسياق الاستثناء الآتي وذكر الصلاة والإنفاق فيه. وقوله "ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَر" (المدثر 23) الإدبار عن شيء الإعراض عنه ، والاستكبار الامتناع كبرا وعتوا ، والأمران أعني الإدبار والاستكبار من الأحوال الروحية. وقوله "وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ" (المدثر 33) قسم بعد قسم، وإدبار الليل مقابل إقباله. وظاهره أن اللام للجنس فالمراد به مطلق آخر الليل، وقيل: المراد به ليلة المزدلفة وهي ليلة النحر التي يسري فيها الحاج من عرفات إلى المزدلفة فيجتمع فيها على طاعة الله ثم يغدوا منها إلى منى وهو كما ترى وخاصة على القول بكون المراد بليال عشر هو الليالي العشر الأوائل منها. قوله تعالى "فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" (الانعام 45) دبر الشيء مقابل قبله وهما الجزءان : المقدم والمؤخر من الشيء، ولذا يكنى بهما عن العضوين المخصوصين ، وربما توسع فيهما فأطلقا على ما يلي الجزء المقدم أو المؤخر فينفصلان عن الشيء، وقد اشتق منهما الأفعال بحسب المناسبة نحو أقبل وأدبر وقبل ودبر وتقبل وتدبر واستقبل واستدبر ، ومن ذلك اشتقاق دابر بمعنى ما يقع خلف الشيء ويليه من ورائه ، ويقال : أمس الدابر أي الواقع خلف اليوم كما يقال: عام قابل ، ويطلق الدابر بهذا المعنى على أثر الشيء كدابر الإنسان على أخلافه وسائر آثاره ، فقوله: "فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا" (الانعام 45) أي إن الهلاك استوعبهم فلم يبق منهم عينا ولا أثرا أو أبادهم جميعا فلم يخلص منهم أحد كما قال تعالى : "فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ" (الحاقة 8). ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله: "دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا" (الانعام 45) دون أن يقال: دابرهم للدلالة على سبب الحكم وهو الظلم الذي أفنى جمعهم وقطع دابرهم ، وهو مع ذلك يمهد السبيل إلى إيراد قوله : "وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" (الانعام 45).
عَنْ زُرَارَةَ،عَنْ أئمة أهل البيت عليهم السلام،قَالَ: قُلْتُ: اَلزُّبَيْرُ شَهِدَ بَدْراً؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَ لَكِنَّهُ فَرَّ يَوْمَ الْجَمَلِ، فَإِنْ كَانَ قَاتَلَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ هَلَكَ بِقِتَالِهِ إِيَّاهُمْ،وَ إِنْ كَانَ قَاتَلَ كُفَّاراً فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ حِينَ وَلاَّهُمْ دُبُرَهُ). وقال ابو عبد الله عليه السلام عن الكبائر ومنها الفرار من الزحف، لأن الله يقول: "وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" (الانفال 16). عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَ ذَكَرَ حَدِيثَ قُبِضَ رُوحِ الْكَافِرِ،قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فَإِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ وَجْهَهُ وَ دُبُرَهُ، وَ قِيلَ: "أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذٰابَ الْهُونِ بِمٰا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّٰهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آيٰاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ" (الانعام 93).
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ:رِيحُ الشَّمَالِ،وَ رِيحُ الْجَنُوبِ،وَ رِيحُ الدَّبُورِ،وَ رِيحُ الصَّبَا؟إِنَّمَا تُضَافُ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا). الصّبا: ريح تهبّ من مطلع الشّمس تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة، الدّبور عكسها. وَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ،عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فِي قَوْلِ اللَّهِ فَلَمّٰا نَسُوا مٰا ذُكِّرُوا بِهِ. قَالَ:(لَمَّا تَرَكُوا وَلاَيَةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ أُمِرُوا بِهَا أَخَذْنٰاهُمْ بَغْتَةً فَإِذٰا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دٰابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ" قَالَ نَزَلَتْ فِي وُلْدِ الْعَبَّاسِ) (الانعام 44-45).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat