صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

ماذا تحمل بين طيّاتها قمة الرياض العربية الصينية؟
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في إجراء دبلوماسي غير منتظر، انعقدت بناء عليه في الرياض( السعودية) قمة عربية صينية، حضرها الرئيس الصيني شي جين بينغ، وعدد من رؤساء الدول العربية، ومن تعذّر عليه الحضور أوفد من ينوب عنه(1)، وغاب المغرب عن هذه القمة لأسباب، أهمها تعبيره على التزامه بخطة الطريق الأمريكية، في سياسة التطبيع التي وافق عليها الملك المغربي، ومضت عليها حكومته بالسرعة القصوى، أملا في دعم أمريكي صهيوني، يقوّي حظوظ المغرب في وضع اليد على الصحراء الغربية بالقانون الدولي، عبر الضغط الأمريكي على الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، هذا زيادة على ما شاب العلاقات التونسية المغربية من توتّر، بسبب استقبال الرئيس قيس سعيد لرئيس جمهورية الصحراء الغربية إبراهيم غالي(2)، المدعو من طرف منظمة الوحدة الأفريقية، لحضور مؤتمر (تيكاد 8 ) للشراكة الافريقية اليابانية، واعتبرته الحكومة المغربية خروجا عن حياد تونس بشأن قضية الصحراء، وأصدرت بيان استنكار قامت الخارجية التونسية بالردّ عليه فورا(3)، هذا فضلا على الحضور الجزائري في شخص رئيس حكومتها، بما يجنّب النظام المغربي بروتوكول مجاملات لا يرغب فيها، وموقف الجزائر من الصحراء الغربية واضح، لا يحتمل أي مؤشر لتغيير ما في سياستها الخارجية.

أما كيف اجتمع رؤساء حكومات الدول العربية وفي الرياض بالذات وهي المعروفة بولائها الكبير لأمريكا وبريطانيا وما قامت به لحد الآن في المنطقة العربية والإسلامية، من خدمات ذات قيمة بالنسبة للقوّتين الغربيتين، جعلها محطّ آمالهم في تنفيذ جميع مخططاتهما، مهما كانت درجة سوئها، فهل يعين هذا تغيير في موقف النظام السعودي يقوده وليّ العهد محمد بن سلمان؟ أو هو ردّ فعل فقط على تهديدات الدول الغربية بمحاكمة محمد بن سلمان، باعتباره المتسبب في مقتل الصحفي خاشقجي بطريقة بشعة جدا، حيث نُشِرَ بالمنشار في مقر السفارة السعودية بتركيا؟

انتهت القمة العربية الصينية، وسط صمت أمريكي غربي يدعو إلى التساؤل، هل ستقبل أمريكا وحلفاؤها تغلغلا صينيا في ساحة تعتبرها من حوزها، ومطمئنة على بقائها ضمن دائرة حلفائها؟ أم أن ما قام به ولي العهد السعودي هو فركة أذن لأمريكا ودول الغرب، من أنّ النظام السعودي والأنظمة العربية، قد تنقلب على سياساتها في موالاة الغرب، بتغييرها نحو الشرق والصين تحديدا، باعتبارها القوّة الإقتصادية التي حلّت محلّ دُولِه، وستزداد قوة وتمكنا من ريادة العالم في المستقبل.

ما هو لافت في بيان القمة نقاط مهمّة في مجال العلاقات الدّولية التي يجب أن تكون مراعاة بين الأنظمة، خصوصا تلك التي تربطها أواصر جوار وعِرْقٍ ودين، واقصد هنا وضع ايران واليمن وفلسطين، ففي النقطة الثانية من الميثاق التي أكّدت على التزام الدول المشاركة بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة في الإحترام المتبادل لسيادة الدّول ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية.. واحترام حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الدّاخلية للدول (4) أمّا في النقطة الثالثة والتي دعت إلى العمل على صيانة النظام الدّولي القائم على أساس صيانة القانون الدّولي والعمل المتعدد الأطراف وتعزيز مبادئ التعاون والتضامن والعدالة والانصاف في العلاقات الدولية والحفاظ على مصالح الدّول النامية والدفاع عن حقوقها(5)

أما في النقطة الرابعة التي خُصّت بفلسطين، فقد أكّدت على مركزيتها واستغرب هنا هذا التوصيف الذي لا يمُت إلى واقع الأنظمة العربية بقضية فلسطين بصلة باستثناء بعض الدّول التي بقيت متشبثة بمركزية القضية عنوانا لم يرق حد التطبيق الفعلي والعملي، ناهيك أن غالبية الدول العربية قد اختارت بمحض إرادتها - وخلافا لرغبة شعوبها - الإنخراط في خيانة القضية الفلسطينية، والتطبيع مع العدو الصهيوني، مقابل حوافز أمريكية صهيونية لا قيمة لها أمام المبادئ، وقصارى جهود القوم في اجتماعهم، تكرار الأسطوانة المشروخة في حلّ الدولتين، وهم يدركون جيّدا أنهم واهمون وحالمون، ولن يتحقق ذلك الحلّ إلا على حساب الفلسطينيين في ضياع حقوقهم، وبقائهم تحت رحمة كيان صهيوني لا يعرف امتثالا لقانون دولي، ولا أقام يوما وزنا للقرارات الصادرة عن منتظمه.

ومجرّد تحديد الأراضي الفلسطينية إلى حدود ما قبل حرب 67(6) يُعْتَبَرُ بحدّ ذاته تنازلا وخيانة للقضية، وإعادة الحديث عن مبادرة فاشلة خرجت بها جامعة الدول العربية، على أنّها الحل الأمثل للقضية، يحمل في مضمونه استسلاما وتطبيعا مفضوحا وع الكيان المحتلّ، وعوض التمسّك بهذا الخيط الواهي، كان من باب أولى أن يولي حكام عرب الخليج اهتمامهم بسبيل المقاومة، باعتبارها الطريق الوحيد لاستعادة جميع الأراضي الفلسطينية، فما أخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة، لكن أنّى لأنظمة فاقدة لكل شيء، حتى شرعيتها في الوجود على رأس شعوبها، لكي تفعل شيئا ينفع أشقاءهم الفلسطينيين.

أما النقطة الثالثة عشرة، فقد جاء فيها: (تكريس القيم المشتركة للبشرية المتمثلة في السلام والتنمية والانصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، واحترام شعوب العالم في اختيار الطرق لتطوير الديمقراطية والنظم الإجتماعية والسياسية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية بإرادتها المستقلة، ورفض التدخل في شؤون الدول الداخلية بذريعة الحفاظ على الديمقراطية.)(7)

أما النقطة الرابعة عشرة، فقد اكّدت على (أهمية أن يكون التعاون الدّولي في مجال حقوق الإنسان، قائما على أساس المساواة والإحترام المتبادل، ورفض تسييس قضايا حقوق الإنسان واستخدامها كأداة لممارسة الضغوط على الدّول والتدخّل في شؤونها الداخلية.)(8)

وطالما استعملت أمريكا وحلفاؤها الغربيين ذريعة حقوق الإنسان الوهمية لتضرب بها دولا مخالفة لها غير مستجيبة لسياساتها الاستكبارية، فكيف سيتعامل النظام السعودي مع حلفائها القدامى والذين كان لهم الفضل في بقائه؟ وأين النظام السعودي مثلا وموقعه من هذه النقاط؟ وهل سيراجع مواقفه السلبية السابقة في تدخّله العسكري السافر في اليمن، وما نتج عنه من خسائر فادحة، ويعوّض ضحاياه من المدنيين الذين قضوا في آلاف الغارات الجوية، وأين تدخّله في العراق وسوريا بسماحه لآلاف الإنتحاريين الوهابيين بالدخول إلى مدنهما، وتفجير أنفسهم وسط المواطنين العراقيين والسوريين؟ وهل فهم النظام السعودي أن اسقاط النظام الإيراني هو مجرّد أمنية أمريكية لن تتحقّق مهما جلب لها من وسائل وقدّم من خطط وأموال، في نظري هناك امكان لإصلاح ما افسدته السياسات العقيمة، لو توفّرت النوايا الحسنة، فلا يقول وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان: (إن أيدينا ممدودة لإيران)(9) بينما هي ممدودة بالأعمال العدائية المتواصلة، وإضمار السوء للجوار، باختصار شديد هذه قمة مصالح وليست قمة مبادئ.

المصادر

1 – الحاضرون والغائبون عن القمة العربية الصينية في السعودية

https://arabic.rt.com/middle_east/1415156-

2 – قيس سعيد يستقبل الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي في تونس

https://www.echoroukonline.com/

3 – أزمة تونس والمغرب الخلفية والأفق

http://ultratunisia.ultrasawt.com/s

4 – 5 –6 –7 –8 – نص إعلان الرياض في ختام القمة العربية الصينية الأولى

https://www.youm7.com/story/2022/12/9/6005237

9 – وزير الخارجية السعودي أيدينا ممدودة لإيران

https://arabic.rt.com/middle_east/1357370-


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/10



كتابة تعليق لموضوع : ماذا تحمل بين طيّاتها قمة الرياض العربية الصينية؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net