نبذة تاريخية عن العهد البابلي القديم
د . حازم عبودي

  بعد سقوط سلالة أور الثالثة فقدت البلاد وحدتها السياسية وعادت دويلات المدن الى الظهور في من أيسن ولارسا والوركاء وبابل ,وعرفت هذه الفترة من تاريخ العراق بدور (ايسن ـ لارسا)الذي يكون القسم الاول من العصر البابلي القديم.

وبعد ان كان النزاع على الاستئثار بالسلطة على أشده بين الدويلات واستمر لاكثر من قرنين حتى انتهى بانتصار بابل في زمن ملكها السادس حمورابي عرف هذا العهد بدويلات السلالات ومنها (أيسن) 1017ـ 1794ق.م وتعرف اليوم بايشان البحريات ويبعد بنحو عشرين كيلو مترا من جنوب عفك وعدد ملوك هذه السلالة خمسة عشر ملكا ً حكموا زهاء (226) سنة , وقد عرف ملوك هذه السلالة بحبهم للتعمير وتنمية الحضارة القديمة , ووجد أجر مطبوع بأسماء بعضهم في الابنية الكبيرة في مدينة أور وغيره من المدن المجاورة لايسن واولهم :اشبي إيرا (2017ـ 1985ق.م )وكان في بداية الأمر أميرا ً على مدينة أيسن وخاضا ً لابي سن ملك أور ولما اشتدت هجمات الساميين الغربيين ودخلت موجات منهم الى المدينة لم يقم (ابي سن) على صدهم وانشغاله بمحاربة العلاميين فأنتهز اشبي ايرا الفرصة واستقل في ايسن واسس فيها سلالة حاكمة.

كما اشتهر ملكها الخامس (لبت عشتار 1934ـ 1924ق.م )بتقنين القوانين ودونها على ألواح من الطين ,أذ سبقت هذه القوانين شريعة حمورابي بأكثر من قرن ونصف القرن , وورد اسم لبت عشتار في الاخبار المدونة بكونه رئيس كهنة معبد (ننا أو ننار) كما حكم بعد لبت عشتار (أورننورتا واسمه سومري يدل على النفوذ السومري في مقاطعات الجنوب من العراق القديم ,وفي هذه الاثناء كثرت النزاعات بي (لارسا) و(ايسن)فتولى الحكم (ايراميتي) حيث تنازل عن العرش لتابعه البستاني فمات بعد ذلك وخلف البستاني (انليل باني الحكم بعد أن أظهر مقدرته على الادارة والحكم زهاء (24) عاما ً ثم تتابع الملوك وكانت سلطتهم محلية تشمل ايسن واطرافها , وفي عهد أخر الملوك (دمق ايشلو) سقطت المدينة بيد ملك لارسا (ريم سن) ابن (كدر مايك)العيلامي وانتهى عهد سلالة ايسن بنحو (1794ق.م).

      أما سلالة لارسا (2025ـ 1763ق.م) وتعرف اطلالها اليوم بأسم سنكرة وهي على بعد سبعين كيلومترا ً من شمال مدينة الناصرية وعدد ملوكها أربعة عشر ملكا ً حكموا زهاء(264)سنة اولهم (نبلانم2025ـ 205ق.م) وهو من الموالين للعيلاميين ,وكان هناك نزاع مستمر بين ملوك هذه السلالة وملوك سلالة ايسن والكفة الراجحة كانت بجانب ايسن حتى تدخل الملك العيلامي (كدرمايك) فإستولى على المقاطعة الشرقية وفتح لارسا ونحى عنها ملكها (صلي أداد) وعين بدلا نه ابنه (وردسن)واشتهر هذا الملك بتجديد المعابد وصيانتها وقد كتب اسمه بالسومرية بعد أن حكم عشر سنوات ,تبعه أخوه (ريم سن 1822ـ1763ق.م ) وكان فاتحا ً عظيما ً قويا استطاع ان يوحد قسما ً كبيرا ً من جنوب العراق , وعلى الرغم من ان (كدرمايك عيلامي إلا ان اسمي ولديه ساميان ,مما يدل على استيطان المنطقة الشمالية من العراق , وكانت في  مدينة اوروك سلالة مستقلة واشهر ملوكها (سن كاشد)و(سن كميل), وامتدت هذه المدينة الى لارسا ,وفي عهد (ريم سن)استر النزاع أقصى (دمق ايشلو) وجدد المعابد . وفي أواخر حكمه ظهر الملك حمورابي من سلالة بابل الاولى فقضى حمورابي على لارسا وملكها .

كما ووجت عدة مدن مستقلة في زمن لارسا ومنها مدينة أشنونا اذ تقع في مدينة ديالى وتعرف بتل اسمر ولم تدخل هذه المنطقة تحت سلطة الملك (ريم سن وحكم فيها عدة امراء مستقلين ومنهم (ابق أداد)الثاني في نحو 1830 ق.م و(دادوشا في نحو 1800ق.م) و(ابابيثل)الثاني .

ومن مدنها المهمة والتابعة لها (خفاجي وتل اجرب واشجالي ) ( ) .وهنالك مدينة اشور التي كان امرائها يتحينون الفرصة للنهوض ببلادهم وابعادها عن النفوذ الجنوبي , وقد نالت استقلالها قبل ان تقوى بابل في عهد حمورابي ومن ملوكها (ايلوشوما) الذي حكم في 1920ق.م وقد عاصر (سموبوم)مؤسس بابل الاولى ,كما اشتهر الملك الاشوري (شمشي أداد) 1815ـ 1782ق.م بفتوحاته التي وصلت اواسط العراق القديم , اذ ظهر في نهاية حكمه الملك حمورابي الذي قضى على استقلال اشور..

       وتمتد فترتها من 1894ـ 1594ق.م وعدد ملوكها أحد عشر ملكا ً وتعرف بالسلالة الامورية , وقد بلغت حضارة العراق في هذه الفترة أوج عظمتها وازدهرت , وعمت اللغة البابلية بلاد الشرق الادنى بعد استلام الحكم من قبل ملكها حمورابي الذي وحد القوانين , ومن أول ملوكها (سموأبوم 1894ـ1881ق.م ) اسس الملك سلالته في زمن سلالتا لارسا وايسن المتنازعتان على السلطة , وكانت البلاد تزخر بالموجات السامية الغربية واتخذ الملك سمو مدينة بابل عاصمة له يقطنها الكثير من الساميين الغربيين وبقايا الاكديين الساميين الذين كانت عاصمتهم اكد والقريبة من منطقة بابل .لقد ثبت سمو حدود منطقة بابل وسور المدينة وبنى فيها المعابد وضم الى حكمه كيش وسبار ومدنا أكدية أخرى ,وبعد وفاته تبعه ملوك ضعفاء حتى ظهور حمورابي في (1792ـ1750ق.م )وبعد تسلمه الحكم كان في البلاد قوى مختلفة تنازع السلطة فيما بينها منها مملكة لارسا وملكها ريم سن الذي استطاع في السنة السابعة من حكم حمورابي ان يفتح ايسن وضمها الى حكمه , أما القسم الشرقي من العراق فقد كان تحت السلطة العيلامية , والقسم الشمالي تحت سلطة (شمشي أداد ملك أشور).

لقد حارب حمورابي المدن المجاورة لمدينة بابل وقام حكمه على اساس الاصلاحات الحضارية والثقافة البابلية ,ومن أهم اعماله تقنية القوانين وسنها في شريعة واحدة دونت على مسلة م حجر الديوريت الاسود التي جمعت بدورها من تدوينها المسبق على الواح الفخار, وبعد وفاته تولى الحكم خمسة ملوك (سموايلونا 1749ـ 1712ق.م ) الذي عرف بحفر الاقنية والترع وصد غزوات الكشيين , فخلف ابنه (ابي ايشو 1711ـ 1684ق.م ) والذي خلف بدوره ابنه في الحكم (امي ديتانا 1683ـ 1647ق.م ) والذي  قمع عدة فتن ومنها فتن امراء المدن الجنوبية , فخلف ابنه (أمي صدوفا 1646 ـ 1626 ق.م ) الذي صد الغزو الجنوبي وسور المدينة من ذلك , إلا انه خلف ابنه في الحكم (سمسو ديتانا 1625 ـ 1594 ق.م ) وهو الملك الحادي عشر من سلالة بابل الاولى , لقد عمل اوائل الملوك البابليين في المحافظة على المملكة وشغلوا بالحروب الخارجية للمحافظة على ممتلكاتهم خارج العراق وكذلك في صد الطامعين من الشعوب المجاورة .

 بعدها هاجم الحيثيون بقيادة ملكهم مرشي الاول على بابل وفتحوا العاصمة ودمروها.حيث نهبوا بابل ودمروها واخذوا تمثال الاله مردوخ الى بلاده ,اذ انسحب الحيثيون من بابل الاولى التي دامت زهاء 150 عاما ً,ولعل الكيشيين جاؤا الى الراق في حدود هذا الزمن وهم من طردوا الحيثيين , بعد ان اسسوا سلالتهم الجديدة في بابل وعرفت بسلالة بابل الثالثة.

وفي جانب الاشكال الفخارية النحتية من بابل القديمة وصف (زهير صاحب) الفخار بأنه واحدا ً من ابرز الانجازات التشكيلية التي اوجدها الإنسان الى جانب الرسم والنحت منذ اقدم العصور ,بوصفه ظاهرة فنية تحتاج الى معرفة عملية بالتقنيات والكيميائية التابعة للمواد المستعملة وبشكل اكثر تعقيدا من انتاج الرسوم أو المنحوتات فظل رهين التقدم التقني والتطور التراكمي الذي مر به الفخار عبر المراحل الزمنية المتتالية.ومن بعد نشأته الاولى حين عرف الإنسان امكانية حرق الاطيان فحقق بها تقدما ً سريعا ً, إلا ان هذه العملية لم تكن تدريجية بل كانت بصورة تدريجية واعتمدت منطق التجريب حيث الفكر عرف الحرارة وتصلب الاجسام الطينية فنقلت الى البحث والتحري لتتطور بشكل ظاهرة تلبي الغايات والاحتياجات النفعية المرتبطة بنشاطات اقتصادية وتنوع حياتي ارتبط بالروحي والاجتماعي انتقل الى تصوير المشاهد الفنية بصدد نقل الموضوعات وماهية المضامين في دويلات المدن (اريدو ولكش ولارسا).

     ان الاشكال الفخارية النحتية هي منحوتات فخارية يتم الحصول عليها بعد العديد من الخطوات في المادة والخامة والتعبير والتشكيل "فالشكل ملازم بصورة مباشرة للمادة بوصفه ماهيتها الحقيقية وقوتها المشكلة ,فالشكل هو العنصر الذي يجعل من العمل الفني جسدا ً منتظما ً يحمل مضمونا ً يتبنى شفرة صورية وانفعالا ً وافكار خاصة والتعبير يكشف عن قيمة العمل بوصفه الظاهرة الحضارية ذات الدلالة "ان المضمون والمادة والشكل والتعبير يعتمد كل منهم على الاخر فليس لاحدهم وجود عن الاخر.

 تبرز الاشكال الفخارية النحتية في العصر البابلي القديم بقيمتها الفنية والتشكيلية عبر مختلف النماذج التي عثر غليها في بلاد الرافدين وتشير الى نتاج صنع بالايدي والقالب في حين كان للمهارة التقنية والفنية الدور العالي لصناعتها المتمثلة بالتفاصيل الدقيقة لعضلات الاجسام وطيات الملابس وبروز الاشكال عن الارضياتوالنحت يطلق عليه  أحيانا ً(النحت الناتىء أو البارز) ومنه موضوعات متنوعة واقعية وخيالية لالهة مقرنة وتركيبات بشرية وحيوانية وصراع الابطال والحيوانات وفق فكرة حملها لشفرات شكلية ورمزية ومضامينية كنائية واستبدالية ومكثفة تحمل رسالتها وابلاغها لغير عصرها .

 

مصادر الموضوع 

1. صبحي انور رشيد : تاريخ الفن في العراق القديم , الجزء الاول , فن الاختام الاسطوانية , 1969

2.بصمجي , فرج     : كنوز المتحف العراقي 

3. طه باقر          : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة 

4.طه باقر           : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة , المصدر السابق ,ص148

5   زهير صاحب             : فن الفار والنحت الفخاري في العراق , مطبعة ايكال ,بغداد , 2002

6.  هربرت ريد  : معنى الفن 

7.  جيروم ستولنتز              :النقد الفني 

8 زهير صاحب وسلمان الخطاط    : تاريخ الفن القديم في بلاد الرافدين 

 

 

 

 

الموضوع السابق صلاة الأَشواق

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat