الحيتان طلقاء..
عبد المنعم الأعسم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

على مدار الساعة، ومنذ حوالي شهر، نطالع ونسمع معطيات مدوية، ومخيفة، عما وصفت بـ "فضيحة القرن" في اشارة الى سرقة اموال تأمينات الضرائب البالغة ما يصل الى ثلاثة مليارات دولار، من قبل شركات تقاسمتها برشاوي لموظفين كبار في وزارة المالية والبنك المركزي ومصرف الرافدين والرقابة المالية ودوائر نافذة في القضاء، وذلك على شكل قروض ليست مستوفية الشروط، ولا موثقة البيانات، في حين اصابع الاتهام وبديهيات الامور تتجه الى كبار الفاسدين ممن يُطلق عليهم موصوف حيتان المرحلة، وهم رؤساء حكومات ووزراء وقادة احزاب ومحافظين.

وتثير الفضيحة سلسلة لا نهاية لها من الاسئلة وتتركز عند مغزى هذا الهوس الاسطوري من "الغزو" المنظم لبيت المال العام بحيث يجري (بعد الافتضاح) توجيه الاتهام الى اشباح ويُلاحق موظفون صغار وحتى بعض اصحاب الشركات الذين لا يعدون كونهم واجهات للحيتان التي تدير طاحونة الفساد، وفي النتيجة، من السذاجة ان يتساءل المرء عن الحدود التي يقف عندها الفاسدون، فيشبعون ويرعوون.

اقول من السذاجة لأننا نسمع مثل هذه التساؤلات من المواطنين بالقول "نهبوا كثيرا وشبعوا، فليكفّوا" وفي التاريخ وتجارب محاربة الفساد كفاية من الوقائع عن جشع هؤلاء اللامحدود، ونهمهم المريض، وتعلقهم بفحشاء النهب والنصب والتوسع اللامشروع بالمصالح حتى في تلك اللحظات التي يحتضرون فيها.

انهم بذلك يمثلون طبع الحيتان، وتتجسد خطورتهم في تلك الطباع التي وصفها عالم الحيوان المعروف كمال الدين الدميري بقوله ان الحيتان “لا يهمها الجود ومكارم الاخلاق” بل “عظم فخد فريسة تُرك ليتعفن ويفسد” ويخص نوعا من الحيتان (نعنيه هنا) بالقول “انه دابة عظيمة تمنع المراكب الكبار عن السير” وعلى ذلك نصح الجاحظ بتجنب الحيتان الشرهة التي تعودت اكل العنبر، وهو نوع من السمك اللؤلؤي، وكأنه ينصحنا ايضا ان لا نثق باغواء جلد الحوت الذي يتسم بالنعومة والانزلاق، واحسب ان الحوت الذي قطع رجل بطل رواية هيرمان ملفيل الشهيرة (موبي ديك) ينتسب الى هذا النوع الغادر من الحيتان.

ولا تختلف حيتان الفساد، في طبيعتها وطباعها عن تلك الحيتان التي “تتنفس من منخرتها الموجودة في اعلى الرأس” وتتخاطب في ما بينها بواسطة الصفير، والنحيب، والصراخ “من على الشاشات الملونة” وهي جميعا، ومن غير استثناء، رموز لكل مهووس بالتضخم المادي، ومن ذوي الجشع والجهل والسِيَر المدنسة، ولدى الصيادين ورواد البحار قصص مروعة عن تلك الحيتان الغادرة، لكني لا اعرف مدى صحة القول بان هذه الحيتان لا تقرب من أي مركب يقل امرأة حائضا، وأشك بالرواية القائلة بان الحيتان لم تكن لتهاجم البواخر الامريكية التي كانت تقل في القرن الثامن عشر نساء سجينات يجري نقلهن الى جزر نائية لزجهن في اعمال السخرة الهمجية.

طباع حيتان المرحلة من الفاسدين الصفاقة.. فقد القوا الصفيق في نار جهنم فصرخ: أخرجوني.. انا اتجمد من البرد.

استدراك:

" لكي تخلق التناغم في المعزوفات الموسيقية يجب أن تدرس النشاز".

بلوتارخ- مؤرخ اغريقي

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد المنعم الأعسم

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/10/27



كتابة تعليق لموضوع : الحيتان طلقاء..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net